الشغور الرئاسي طويل والملفات الساخنة داهمة ومعالجتها يجب ان تتم بحزم وحسم
الفرصة سانحة امام الحكومة لمعالجة ملف النازحين وقول «لا» عريضة للمؤامرة الخارجية
كل المؤشرات تدل على ان الشغور الرئاسي سيستمر طويلاً، بفعل تصلب الاطراف المتصارعة على الساحة الداخلية، وقد اثبتت انها ليست على مستوى المسؤولية الملقاة، في غفلة من الزمن، على عاتقها. فريق الممانعة على تصلبه بالتمسك بمرشحه واعتباره وفاقياً، ويرفض ان يعترف بمرشح الطرف الاخر ويتهمه بانه مرشح تحدٍ. هذا الفريق يمسك برئاسة المجلس النيابي وبالحكومة كلها، وهو يريد ان يضع يده على رئاسة الجمهورية، على غرار ما كان عليه في السنوات الماضية. وبذلك تصبح الرئاسات الثلاث بامرته فيضع يده على البلد من جميع اطرافه. وقد غاب عن باله ان التجارب السابقة اثبتت فشل هذه الطموحات، وانه من المستحيل ان يمسك طرف واحد بكل السلطات بمعزل عن الاطراف الاخرى.
يقابل هذا التصلب معارضة مقسمة الى معارضات، فشلت كل الجهود في جمعها حول مرشح واحد، تواجه به مرشح الممانعة. فكل مجموعة من هذه المعارضات لها مرشحها وهي ترفض التخلي عنه وجمع الكلمة حول موقف واحد. وكما هو معروف ففي الاتحاد قوة وفي التفكك ضعف. وهذا ما يشجع فريق الممانعة على التشبث بموقفه.
ويبدو ان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يدرك ان الشغور في رئاسة الجمهورية سيطول، بسبب هذه المواقف، التي اقل ما يقال فيها انها ضد المصلحة الوطنية وضد البلد والشعب، اذ لا يجوز لنواب انتخبوا على اساس رعاية مصالح الناخبين، ها هم يتنكرون لهم، ويديرون الاذان الصماء تجاه كل الاصوات التي تصدر من الداخل والخارج، محذرة من مغبة هذه المواقف اللامسؤولة. لذلك عقد رئيس الحكومة اجتماعاً امس ضم عدداً من الوزراء، طرحت فيه الملفات الساخنة والملحة، وتقرر بحث تفاصيلها في جلسات مقبلة لمجلس الوزراء. ولعل ابرز هذه القضايا الشغور في عدد من المراكز الاساسية في الدولة. فبعد تقاعد اللواء عباس ابراهيم مدير عام الامن العام وتولى المنصب بالانابة العميد الياس البيسري، فان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تنتهي ولايته المحددة في تموز المقبل. وكل المواقف تدل على عدم التمديد له مرة جديدة، وان الوضع المالي المتردي يحتم عدم الشغور، ويجب ان يتم اختيار من هو مؤهل لشغل هذا المنصب الحساس. وعلى هذا الاساس تجري اتصالات بعيدة عن الاضواء، حتى اذا ما تم التوصل الى اتفاق كامل حول مرشح كفوء، يصبح من السهل ان تجتمع حكومة تصريف الاعمال وتعينه، وفي ما عدا ذلك فان المنصب سيغرق هو الاخر بالشغور.
الملف الثاني الملح، وهو اشبه بقنبلة موقوتة لا يعرف متى تنفجر، قضية النازحين السوريين الذين تعمل الدول الاوروبية والمنظمات الدولية المعنية على ابقائهم في لبنان، وهي تغدق عليهم التقديمات المغرية للبقاء حيث هم. والغاية من هذا التصرف الذي يهدد الكيان اللبناني باسره، منعهم من ان يتوجهوا، اذا غادروا لبنان، نحو هذه الدول، وهي ترفض استقبالهم بشدة. لذلك فان الموضوع يتطلب وجود مسؤولين على مستوى هذا الملف الخطير، واتخاذ القرارات الحاسمة والحازمة لمواجهة هذه المؤآمرة الخارجية، ووضع خطة عملية تفتح الباب لعودتهم وفتح حوار مع المسؤؤلين السوريين لهذه الغاية، خصوصاً وان الفرصة مؤاتية اليوم بعد عودة سوريا الى الجامعة العربية، ضمن شروط حددتها الجامعة وبينها ترتيب العودة الآمنة للنازحين السوريين. وقد شكلت لجنة لمراقبة تنفيذ الشروط، ولبنان عضو فيها، وهذا يعطيه الدفع اكثر للسير في هذا الملف حتى النهاية. فعلى امل ان تكون خطة العودة فعالة وقابلة للتطبيق، وليس على غرار خطة التعافي التي وضعتها الحكومة، فاغرقت البلد اكثر في المجهول. ان هذه الملفات المصيرية الكبيرة تحتاج الى مسؤولين قادرين على نفض التبعية، يتمسكون بالمصلحة الوطنية، مهما كلفهم ذلك من تضحيات ويقفون بوجه المؤامرة الخارجية، اياً كان مدبروها، ويقولون لهم «لا» بالفم المليان، ومن تهمه مصلحة النازحين يستطيع بكل سهولة استقبالهم في بلده وتنتهي المشكلة، فالخارج الذي يدير ظهره للازمة السياسية في لبنان والذي يرى انها ليست من اولوياته حالياً، يجب ان يقابل بادارة الظهر الوطنية في قضية النازحين. على امل ان تعالج هذه القضية بما تستحق من اهتمام، لا كما كانت عليه منذ العام 2011، والا فان خطراً داهماً يتهدد لبنان ومصيره.