مرت الاعياد والسياسيون على تصلبهم والشعب غارق في همومه والحلول بعيدة المنال
ترقب حذر لاستئناف التحرك الدبلوماسي والقمة السعودية – الايرانية والقمة العربية
انتهت فترة الاعياد وما رافقها من استرخاء سياسي وبهجة شعبية ولو ناقصة بفعل الظروف الاقتصادية القاتلة. وابتداء من اليوم يعود السياسيون الى خلافاتهم المدمرة ومصالحهم وانانياتهم، ويعود المواطنون الى همومهم المعيشية التي لم تعد تطاق.
على الصعيد السياسي تستأنف الحركة الدبلوماسية، وقد تردد ان السفير السعودي سيعود الى بيروت في الساعات المقبلة، بعد قضاء فترة عيد الفطر في المملكة، ويواصل اتصالاته ببعض السياسيين بحثاً عن حلول، تخرج لبنان مما يتخبط فيه. وسيلتقي بعد عودته رئيس القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. كذلك تستأنف السفيرة الفرنسية في لبنان جولاتها على المسؤولين والسياسيين، بحثاً عن مخرج للازمات اللبنانية، وكانت قد استدعيت الى باريس للتشاور. وعلى الصعيد الدبلوماسي ايضاً يلتقي قريباً في المملكة العربية السعودية ممثلون عن الدول الخمس (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) الذين اجتمعوا في باريس من اجل لبنان. وتردد ان الاجتماع هذه المرة قد يكون على مستوى وزراء الخارجية، في محاولة لايجاد مخرج لازمة الفراغ الرئاسي، الذي طال امده. وتتجه الانظار الى اللقاء المتوقع بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في جدة، ولا بد ان يكون لبنان على طاولة البحث، فضلاً عن ترقب القمة العربية التي ستعقد في المملكة في 19 ايار المقبل.
هذا على الصعيد الخارجي. اما المواقف الداخلية فلا تزال على حالها. خلافات وانقسامات وتصلب في المواقف، مما يرفع نسبة التدهور الى حدود مقلقة للغاية. المعارضة معارضات، بعيدة عن التلاقي والسير بموقف واحد ينقذ البلد، وهذا ما يشجع فريق الممانعة على التمسك بمواقفه وبمرشحه للرئاسة. وقد غرد نائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قائلاً: «هناك مرشحان الاول هو سليمان فرنجية والثاني هو الفراغ…» وقد فسرت المعارضة كلامه هذا بانه اما سليمان فرنجية او الفراغ. ويتساءل المراقبون كيف يمكن لفرنجية ان يحكم اذا وصل الى بعبدا والقوى المسيحية كلها لا تؤيده.
في هذا الوقت يغرق اللبنانيون في همومهم المعيشية التي فاقت قدرتهم على الاستمرار، بعدما وصلت الاسعار الى هذا الحد من الجنون. وهم يتخوفون من معاودة الدولار ارتفاعه القاتل، بعد استقرار استمر حوالي الشهر، بفعل تدخل مصرف لبنان الذي كان يضخ الدولارات في السوق، وبالطبع لا يمكنه الاستمرار في ذلك، فضلاً عن ان هذا الضخ قد يكون مما تبقى من اموال المودعين والا من اين يأتي مصرف لبنان بالمال؟
كل ذلك يحصل والحكومة واقفة تتفرج على الازمات الكثيرة، التي تعصف بالبلد، دون ان تتمكن من ايجاد حلول لها، من خلال تنفيذ الاصلاحات التي تفتح الطريق امام التوقيع النهائي مع صندوق النقد الدولي، باب الخلاص الوحيد المتوفر، من ازمة الغلاء الى ازمة انهيار الليرة الى ازمة الاضرابات المتنقلة، الى الشلل في الادارات كافة، الى ازمة النازحين التي بدأت تشكل خطراً كبيراً على البلد، بسبب الدعم الاوروبي لبقائهم في لبنان ودمجهم بالمجتمع، لا حباً بهم بل خوف من ان يتوجهوا نحو دول الاتحاد الاوروبي، اذا غادروا اماكنهم. وكان على الحكومة ان تتحرك وتقول لزعماء هذه الدول ان كانوا حقاً مهتمين بالنازحين فليأخذوهم ويوزعوهم على دولهم، فمساحاتها اكبر وقدراتها المالية كافية لايوائهم. فلماذا يريدون تحميل لبنان عبء مليونين واكثر، اي ما يفوق نصف عدد سكانه. بالامس طبق الجيش اللبناني مشكوراً القانون، ورحّل عدداً من الذين دخلوا خلسة عبر الممرات غير الشرعية وارتكبوا اعمالاً مخلة بالامن فتطوع بعض اركان المنظومة، وبدل ان يشكروا الجيش انتقدوه فلاقى موقفهم الشجب والاستنكار عند الشعب اللبناني. لقد كان عليهم ان يدعموا الجيش في عمله، خصوصاً وان 48 بالمئة من القابعين في السجون اللبنانية هم من السوريين. على كل حال ان الجيش لا يبالي بهذه الانتقادات الشعبوية التي لا تعبر عن الحقيقة، وهو مستمر في تطبيق القانون، خصوصاً وانه مكلف من قبل مجلس الدفاع الاعلى بهذه المهمة. فهل ان المنتقدين يلبون رغبات بعض الدول الاوروبية، بابقاء النازحين حيث هم ولو على حساب الوطن؟
الغموض لا يزال يلف المستقبل. فعلى امل ان تمتد ايادٍ، لا مصلحة خاصة لها، فتنتشل لبنان مما يتخبط فيه وتضعه على السكة الصحيحة، وهذا على ما يبدو بعيد المنال نظراً لعدم تخلي السياسيين اللبنانيين عن تصلبهم، فيما الشعب اللبناني باسره يدفع الثمن الباهظ جداً، فالى متى هذا التخلي عن المسؤولية، والى متى البحث عن مصالح آنية على حساب مصلحة الوطن؟