جمود سياسي داخلي قاتل وتحرك خارجي ناشط والبلد غارق تحت سطوة الدولار
الغياب السياسي الكامل عن الساحة اللبنانية يتظهر ويتعمق منذ اشهر طويلة، ولا يزال. فالحكومة التي مضى على تشكيلها حوالي السنة والتي فشلت في تحقيق اي انجاز، غائبة تماماً عن كل ما يجري سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً واصلاحياً. ولم تستطع ان تنجز الاصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي لاخراج لبنان من المأزق، وهي تتذرع في المدة الاخيرة بانها حكومة تصريف اعمال وبالتالي هي مكبلة. ولكن ذلك لم يمنعها من ان تبحث يومياً عن ابواب تخولها فرض ضرائب جديدة على المواطنين، حتى خنقتهم ودفعتهم الى الانتحار.
اما المجلس النيابي فاصبح منعدم الوجود. تنكر للشعب ورفض القيام بالمهام التي انتخب من اجلها، وفي طليعتها انتخاب رئيس للجمهورية، اجمعت القوى كلها على ان هذا الاستحقاق الدستوري هو باب الحل. ولكن رئيس المجلس نبيه بري يرفض تطبيق الدستور ويرفض الدعوة الى جلسة للانتخاب، وهو ربما ينتظر ان يؤمن النصاب اللازم لانتخاب مرشحه، وهذا غير متيسر حتى الساعة. وانطلاقاً من هذا الواقع يستمر الشغور مخيماً على قصر بعبدا، دون اي حس بالمسؤولية لدى هذه الطبقة السياسية التي تعمل منذ اكثر من ثلاثة عقود على تدمير البلد حتى كان لها ما ارادت.
مقابل هذا الجمود السياسي الداخلي تحرك دبلوماسي يظهر غيرة واهتماماً بالوضع اللبناني اكثر بكثير من اهله. ويتمثل هذا التحرك في جولة السفير السعودي وليد بخاري على القيادات ومطالبتها بانتخاب رئيس، وقد زار مؤخراً الرئيس بري والنائب وليد جنبلاط. كما زارت السفيرة الاميركية دوروثي شيا رئيس المجلس مع وفد مجموعة العمل الاميركية من اجل لبنان الذي جال على اليرزة واجتمع الى قائد الجيش العماد جوزف عون، وانتقل بعدها الى وزارة الخارجية وكان له لقاء مع الوزير عبدالله بوحبيب، كما زار عدداً من القيادات. وهو في كل المرات يطلق نداء واحداً، انتخاب رئيس للجمهورية. ولاقى هذا التحرك الدولي تحرك عربي قام به امين عام جامعة الدول العربية ابو الغيط الذي تنقل من عين التينة الى السرايا.
لم تفلح كل هذه الجهود في استنهاض المسؤولين اللا مسؤولين للقيام بواجبهم. فالمصلحة الوطنية في واد ومصالحهم لها الاولوية دائماً، واذا لم تتحقق فان الجمود سيبقى مخيماً حتى ولو وصل البلد الى قعر الهاوية.
وحده الدولار الذي لا تهدأ حركته صعوداً، تابع نشاطه حتى قضى على الليرة اللبنانية، وهي العملة الوطنية، واحد رموز السيادة، وتجاوز حاجز المئة الف ليرة وهو يواصل صعوده، طالما ان المسؤولية غائبة والحلول معطلة، رغم ان تداعياته اصبحت فوق قدرة اللبنانيين باستثناء المنظومة التي تملك كل الثروات وكل مقومات البقاء. هذا التحليق الجنوني جرف معه كل الاسعار. فاصبحت صفيحة البنزين بحوالي المليوني ليرة، وقارورة الغاز بمليون ونصف المليون، وربطة الخبز دقت ابواب الاربعين الف ليرة حتى كتابة هذه السطور لان هذه الارقام مرشحة للتصاعد كل دقيقة. اما اسعار المواد الغذائية والسلع الضرورية الاخرى فاصبحت للعرض على رفوف السوبرماركت، بعدما اصبح المواطن عاجزاً عن الحصول عليها. كل هذه الويلات ولا من يشعر او يتحرك، فكأن الامر لا يعني الذين نصبوا انفسهم مسؤولين فاذا هم عديمو المسؤولية، يسعون ليلاً نهاراً وراء مصالحهم بعيداً عن هموم الناس.
هل الشعب مسؤول؟ بالطبع انه يتحمل المسؤولية الكبرى فقد انتقلت عدوى التقاعس من النواب اليه. فهو يكتفي حتى الساعة بعدّ العصي التي تنهال عليه. لماذا لا يتحرك ويطالب بحقه؟ سؤال يتردد على كل شفة ولسان، ولا من مجيب. لقد انطفأت جذوة الحماس لديه، حتى الجوع الذي دق ابوابه ودفع بعض افراده الى الانتحار تخلصاً من ظلم هذه المنظومة، لم يستطع ان يوقظه من سباته. لقد انقطع الامل بطرق اي باب للخلاص. ولم يبق لدى اللبنانيين سوى الله وحده القادر على وضع حد لهذا الظلم. فلبنان الذي كان منارة سقط في هاوية عميقة وما يؤلم اكثر ان كل الدول التي كانت تنظر اليه وتتمنى لو تستطيع ان تتمثل به، نهضت وحلقت ووصلت الى القمة، فيما هو تدهور الى هاوية بلا قعر على ايدي منظومة اوصلته الى هنا ولا تزال ماضية في سياستها المدمرة، دون ان يتم وضع حد لتجبرها. اننا نتأسف على ثورة 17 تشرين التي علقت عليها امال كبيرة، قبل ان تتمكن المنظومة من اخمادها. فلماذا انطفأ هذا الحماس عند اللبنانيين. ان العيون شاخصة اليهم فهل يهبون من رقادهم؟