سياسة لبنانيةلبنانيات

الشغور الرئاسي طويل والتعطيل يؤجج نار الاضرابات والبلد الى انهيار كامل

المجلس النيابي والحكومة يتصرفان وكأن الامور بالف خير ولا حاجة في نظرهما لرئيس جمهورية

دعيت اللجان النيابية المشتركة الى عقد جلسة هذا الاسبوع لدراسة بعض مشاريع القوانين. ودعي مجلس الوزراء لعقد جلسة اليوم وعلى جدول اعمالها ثمانية بنود مالية في معظمها. فلا المجلس النيابي ابدى اهتماماً لتوجيه الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، وهي المهمة الرئيسية والوحيدة المطلوبة منه اليوم. ولا حكومة تصريف الاعمال تدرك، ان جلساتها يشوب دستوريتها الشك، خصوصاً وان رئيسها يوقع المراسيم وكأنه هو رئيس الجمهورية. فهل ان القيمين على هاتين المؤسستين يريدون ان يقولوا ان الامور تسير بشكل طبيعي (في نظرهم)، وانه لا حاجة لانتخاب رئيس؟ الا يدركون مدى الانهيار الذي حل بالبلد ويقوده الى التفكك والانحلال. وان كل شيء معطل، والاضرابات تعم مختلف القطاعات، والانقسامات تحكم عمل المنظومة وتهدد المصير؟
رسالة رئيس حكومة تصريف الاعمال الى وزير الداخلية بالايعاز الى القوى الامنية بعدم التعاون مع القاضية غادة عون اثارت ردود فعل عنيفة من القضاء، الذي اتهم الرئيس ميقاتي بالتدخل في شؤونه خلافاً لمبدأ فصل السلطات. ولكن رئيس الحكومة رد بدعوة مجلس القضاء الاعلى الى القيام بواجباته، وتأمين حسن سير العدالة. وتقول اوساطه انه لو قام المسؤولون القضائيون بواجباتهم لما كان وجه هذا الكتاب ولكن الادعاء على المصارف بتبييض الاموال، يوقف العمل بينها وبين البنوك المراسلة ويعزل لبنان ويهدد الاستيراد مما يسيء الى البلد ككل. وانه ينتظر امساك مجلس القضاء الاعلى بالقضية ليعود عن رسالته.
على صعيد الشغور الرئاسي فان الوضع على حاله، والكتل النيابية على مواقفها، والرئيس نبيه بري يشترط التوافق ليوجه الدعوة الى انتخاب رئيس، فيما تقول الكتل المعارضة ان على رئيس المجلس ان يوجه الدعوة الى جلسة متعددة الدورات، الى ان يتم انتخاب. فمن خلال هذه الدورات المتكررة تجرى حوارات تؤدي الى توافق وتنهي الازمة. وبما ان اي طرف لا يريد التنازل عن موقفه فان الشغور على ما يبدو سيطول، ويؤدي الى مزيد من الشلل والتعطيل وبالتالي الي الانهيار الكامل.
مالياً تعود المصارف ابتداء من اليوم الى فتح ابوابها امام المواطنين، بعد اضراب استمر عشرين يوماً، احتجاجاً على دعاوى اقيمت ضدها بتهمة تبييض اموال. ونزولاً عند طلب رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، بعد اجتماع معه في السراي، قررت تعليق الاضراب لمدة اسبوع افساحاً في المجال امام المعالجات. وكما في كل قضية فان المواطن المغلوب على امره وحده يدفع الثمن. الا تكتفي المصارف بخيانتها للامانة، وتبديد اموال المودعين دون استئذانهم، والحجز على ما تبقى منها وحرمانهم من التمتع بجنى عمرهم، بل جاءت تقفل ابوابها بوجههم، وتعطل اعمالهم، حتى ان بعض موظفي القطاع الخاص حجزت اجورهم الشهرية وامضوا الشهر كله في عوز كبير. وهذه ليست المرة الاولى التي تقفل فيها المصارف ابوابها بوجه اللبنانيين. جمعية «صرخة المودعين» وبعض التجمعات الاخرى، قررت اللجوء الى الخارج، بعدما تعطل القضاء اللبناني، وهي تستعد للاستعانة بجمعية حقوق الانسان وبكل من يستطيع ان يساعد على هذا الصعيد، لاسترجاع الاموال الضائعة واعادة الحقوق الى اصحابها.
ومع استمرار الشغور الرئاسي وتعطيل مجلس النواب وعجز الحكومة كونها لتصريف الاعمال، وغير قادرة على اتخاذ القرارات الكبيرة، خصوصاً وانها مستقيلة وغير متمتعة بثقة المجلس النيابي، ووسط اضرابات تسود معظم المرافق. وتعطل مصالح المواطنين وتشل الحركة – مع كل ذلك تتدهور الاوضاع اكثر فاكثر، ويحلق سعر صرف الدولار حتى تجاوز الثمانين الف ليرة وهو مستمر في الارتفاع وقد اصبح بلا سقف. فانعكس بشكل دراماتيكي على اسعار مختلف المواد الغذائية والسلع الاخرى، ولم يوفر في طريقه رغيف الخبز الوحيدة التي كانت باقية ليسد الفقير جوعه، وقد اصبح اليوم يحسب لها الف حساب، اذ ان سعرها في ارتفاع مستمر، ويصعب الحصول عليها. ولا يكتفي الجشع المستشري باللحاق بالدولار في الارتفاع، بل انهم يسبقون العملة الخضراء باضعاف مضاعفة، بحيث ان سعر بعض السلع زاد اكثر من اربعة اضعاف، وكأنها عملية ابادة منظمة. ففي ابان الحرب العالمية، كما يروى القدامى، لم تكن الاوضاع اسوأ مما هي عليه اليوم. كل ذلك والحكومة واقفة تتفرج، متذرعة بانها حكومة تصريف اعمال فساعة تريد ان تسترجع كامل صلاحياتها وتعقد جلسات لمجلس الوزراء في غياب رئيس للجمهورية، وامام المسؤوليات تتراجع وتتذرع بالقانون. هذه هي سياسة المنظومة السياسية التي امسكت بالبلد وقادته الى الانهيار والهلاك، وهي ماضية في ذلك، غير مستعدة لان تتخلى ولو عن ذرة واحدة من حصصها ومصالحها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق