سقطت جلسة «تشريع الضرورة» واجتماع باريس يوجه الانذار الاخير للنواب وللمنظومة
الى متى ستبقى المصارف تضرب المودعين وتذلهم ولماذا تسعى للهروب من القضاء؟
جلسة «تشريع الضرورة» التي كان الرئيس نبيه بري يعد لها، وكان من المتوقع ان تعقد يوم الخميس المقبل، لن تنعقد. ولم يكتب لها النجاح في تأمين اتفاق حولها. فبعدما وقع 46 نائباً من المعارضة والمستقلين والتغييريين اتفاقاً لرفضها وقد انضم اليهم نائبان اخران، وكان قرار التيار الوطني الحر برفض المشاركة في الجلسة، الخطوة التي حسمت الموقف. فالنصاب لم يعد مؤمناً وكذلك الميثاقية. فتوقف اعضاء مكتب المجلس عن التداول في جدول الاعمال، واعلن الرئيس بري ارجاء البحث الى الاثنين المقبل لاستكمال المشاورات. فلماذا كل هذا الاصرار على جلسة يجري خلاف في تفسير الدستور حولها. ولو ان الحماس الذي يبديه البعض، تحول الى جلسة يتم خلالها انتخاب رئيس للجمهورية، اما كان افضل للبلد ولسير عمل المؤسسات؟ ثم لماذا هذا الاصرار على تعطيل جلسات الانتخاب، مع ان الدستور واضح في هذا المجال. فلماذا لا تعقد دورات متتالية الى ان يتم التوصل الى اتفاق حول اسم ينتخب بشكل قانوني ودستوري؟ انه التعطيل المدمر الذي يسيء الى البلد، ويكشف نوايا الطبقة السياسية التي اثبتت فشلها على مر السنين. وهذا ما دفع الدول الصديقة للشعب اللبناني تتحرك محاولة انهاض لبنان من هذه الهوة العميقة.
على هذا الاساس كان اجتماع باريس الخماسي حول لبنان والذي انتهى بدون اصدار بيان ختامي. وبرر المعنيون هذا بقولهم ان الاجتماع لا يزال مفتوحاً. ويوم امس بدأ سفراء الدول الخمس: الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، جولة على المسؤولين لاطلاعهم على ما دار في الاجتماع. فزاروا الرئيس نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وسيواصلون جولتهم يوم غد فيزورون وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، ولم يعرف من ستشمل هذه الجولة ايضاً. المهم ان السفراء وجهوا ما يشبه الانذار الشديد اللهجة الى الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة، وقالوا ان لا دعم للبنان قبل انتخاب رئيس، والسير بالاصلاحات المطلوبة من الصندوق الوطني. وحملوا النواب مسؤولية عدم انتخاب رئيس وقالوا في حال بقي الشغور على حاله فان تعاطي الدول مع لبنان سيكون مختلفاً. فالدول الصديقة لن تكون احرص على لبنان من اهله. وعلم ان هناك عقوبات قاسية ستفرض على معرقلي الانتخاب. فهل ان اللبنانيين انتخبوا هؤلاء النواب لتخريب البلد؟ فلماذا لا يلتزمون بواجباتهم وبما حدده لهم الدستور، ووعدوا به الناخبين؟ والسؤال الاهم هل ينتفض الشعب اللبناني حيال هذه المواقف المدمرة، فيحاسب ولو لمرة، ويخلع من اثبتوا انهم ليسوا اهلاً للقيام بالمهمة الموكولة اليهم؟
في هذا الوقت يستمر الانهيار الداخلي. فالاضرابات تشل البلد من الادارات العامة، الى القطاع التربوي الرسمي، الى القضاء، واليوم الى المصارف، التي تمعن في ضرب المواطنين وخصوصاً المودعين، والسبب في اضرابها هو الهروب من القضاء ورفض المحاسبة. لقد بددت جنى عمر المواطنين وتصرفت به دون اي استئذان من اصحاب الودائع، وجنت الارباح وكان لها الدور الكبير في تهريب الاموال، وفي تبديد الامانات التي وضعت لديها من قبل المواطنين، ولكنها اثبتت انها ليست على مستوى الامانة، وبعد ذلك تأتي اليوم وترفض المحاسبة بحجة عدم فقدان الثقة. فعن اي ثقة تتحدث وهي خانت الامانة بخفة ولا مسؤولية، ان كل همها اليوم اقرار قانون الكابيتال كونترول الجائر، والذي هناك اجماع وطني على رفضه، فقط لان هدفه منع المحاكمات عن الذين خانوا الامانة. ولو فرضنا انهم استطاعوا ان يتخلصوا من الدعاوى الداخلية، فماذا عن الدعاوى التي تقام في الخارج وكلها تدين المصارف وتحملها المسؤولية الكاملة عن الانهيار المالي، بالاشتراك مع منظومة سياسية، ادانها العالم باسره، وهي تدير ظهرها وكأن القضية لا تعنيها؟
يقابل هذا التدهور الخطير تدهور مالي يكاد يحول جميع اللبنانيين الى فقراء. فالدولار المتفلت من كل حدود تجاوز سعره السبعين الف ليرة وهو مستمر في التحليق. وتلحق به الاسعار في السوبرماركت والمحلات التجاربة وكل القطاعات، بما فيها قطاع الصحة، اذ اصبح الحصول على دواء واحد يحتاج الى ميزانية تعجز القوة الشرائية للمواطنين عن الحصول عليها. واصبح عدد كبير من المواطنين مهددين بالموت الاكيد لعجزهم عن تأمين تكاليف الاستشفاء. كل ذلك وحكومة تصريف الاعمال التي تصر على اخذ دور رئيس الجمهورية، غائبة عن الساحة تماماً، فلم نسمع كلمة واحدة منها حول هذا التفلت المالي الخطير. وحول اسعار المحروقات التي اصبحت بالملايين. فمتى يشعر المواطنون بهول هذه الكارثة المدمرة ويهبوا في انتفاضة واحدة، لا تخضع ولا تلين امام اي مواجهة مغرضة حتى ولو اضطرت الى مواجهة العنف؟