هل يكون اجتماع باريس احرص من اهل البيت على وطنهم؟… وماذا عن القضاء؟

اضراب العمال المقبل من باب رفع العتب ولن تكون له اي مفاعيل
الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا ووصل الى لبنان حجب الرؤية عن سلسلة احداث سياسية وقضائية وعمالية على جانب من الاهمية هذا الاسبوع. ففيما المجلس النيابي لا يزال ممتنعاً عن انتخاب رئيس للجمهورية، رغم كل النداءات الداخلية والخارجية والضغوط التي تمارس من كل الاطراف، وفيما الرئيس نبيه بري ممتنع عن توجيه الدعوة الى جلسة للانتخاب، بحجة انها ستكون حلقة فولكلورية من مسرحية بدأ عرضها قبل ثلاثة اشهر، والنواب مستمرون في لعب ادوارها، عقد في العاصمة الفرنسية باريس امس اجتماع خماسي الى جانب فرنسا، الممثلة بوزيرة مفوضة معنية بالشرق الاوسط، ومستشار الرئيس ماكرون دوريل، الولايات المتحدة ممثلة بمساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الاوسط باربرا ليف، والسعودية وقطر ومصر، الدول الثلاث الاخيرة وقد تمثلت بشخصيات على مستوى رفيع. البعض يعلق امالاً على هذا الاجتماع في ان يتمكن من دفع المسؤولين اللبنانيين الى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الاصلاحات وادارة شؤون البلاد، والبعض الاخر لا يعير هذا الاجتماع كبير اهمية، باعتبار ان اهل البيت مستنكفون عن القيام بواجباتهم، فهل يكون الخارج احرص منهم واقدر؟
لم يتسرب الكثير عن هذا الاجتماع الذي وصف بانه كان ايجابياً وساده الوفاق بين الاطراف المجتمعين وقد تم وضع خريطة طريق لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة فاعلة للنهوض من الانهيار. ولكن يبقى الدور الاهم للبنانيين انفسهم، لانهاء الشغور الرئاسي واجراء الاصلاحات، التي ينادي بها الجميع ولكن المنظومة لا تستجيب…
الانباء التي حملها الوفد النيابي اللبناني من واشنطن بعد زيارة الى الولايات المتحدة، استغرقت اياماً عدة، قابل خلالها عدداً من المسؤولين الاميركيين، وفي طليعتهم مستشار الامن القومي سوليفان، اكدت ان الولايات المتحدة لن تتدخل في الانتخابات اللبنانية، والامور متروكة الى اهل البيت. والموقف عينه تتخذه الدول الاربع الباقية، وقد اوحت تصريحات مسؤوليها بذلك في الايام الماضية. فلماذا لا يستغل المسؤولون اللبنانيون هذه المواقف ويلبننون الاستحقاق، فيأتي رئيس من صنع لبناني؟ انه القصور بعينه. فهم يظهرون وكأنهم قاصرون عن القيام بهذه المسؤولية، وانهم بحاجة الى من يمسك بايديهم ويقودهم الى ما فيه مصلحة بلدهم.
ونقل اعضاء الوفد النيابي العائدون من الولايات المتحدة ان البنك الدولي ابلغهم انه جمد القرض الذي كان مخصصاً لاستجرار الغاز من مصر والطاقة من الاردن، وليس موضوعاً على جدول اعماله، لان المسؤولين اللبنانيين فشلوا في تنفيذ الاصلاحات المطلوبة منهم واهمها التدقيق في حسابات شركة الكهرباء، وتشكيل الهيئة الناظمة. الدول الصديقة للبنان كلها تنادي بالاصلاحات والمسؤولون اللبنانيون يديرون ظهورهم. واخطر ما نقله اعضاء الوفد هو ان عدداً من النواب الجمهوريين في الكونغرس الاميركي يقودون حملة لوقف المساعدات عن الجيش اللبناني بحجة انه واقع تحت سيطرة حزب الله، من حيث يدري او لا يدري. فعلى امل ان تتبدد هذه الصورة السوداء.
على الصعيد القضائي، كان من المتوقع لا بل المؤكد ان المدعى عليهم الذين استدعاهم المحقق العدلي القاضي طارق بيطار الى التحقيق، لن يمثلوا امامه. فما هي القرارات التي سيتخذها، وما هي مواقف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات حيالها، وتساءلوا هل تكون تصعيدية الى حد تقضي على ما تبقى من سمعة القضاء؟ الجميع كانوا يتطلعون الى مجلس القضاء الاعلى، هل يضع اعضاؤه خلافاتهم جانباً ويتدخلون وفق الدستور والقوانين ويضعون حداً لهذا الانقسام العمودي الذي اساء الى القضاء والى لبنان، وينقذون هذه السلطة التي تعتبر هي ومؤسسة الجيش باب الخلاص وصمام الامان للبلد؟ القاضي بيطار استدرك الامر وارجأ الجلسات الى موعد اخر لم يحدد افساحاً في المجال امام المساعي لانهاء الخلاف والعودة الى القانون.
على الصعيد العمالي، ينفذ الاتحاد العمالي والنقابات المنضوية تحت لوائه اضراباً شاملاً على مختلف الاراضي اللبنانية كان مقرراً غداً وارجىء الى وقت لاحق بسبب سوء الاحوال الجوية تتخلله تجمعات واعتصامات دون قطع طرقات، كما اعلن رئيس الاتحاد بشاره الاسمر، الذي قال ان العمال ليسوا قطّاع طرق، ولا يمنعون المواطنين من التنقل لقضاء حاجاتهم. فكيف تكون تداعيات هذا الاضراب؟ من المعروف ان الاتحاد العمالي مسيس مثله مثل كل شيء في هذا البلد، وبالتالي فان الاضراب ليس سوى «فشة خلق» يأتي من باب رفع العتب، ولن تكون له اي مفاعيل على الارض. فالاسعار باقية على جنونها، طالما ان الحكومة ومعها المصرف المركزي عاجزان عن وضع حد لتفلت الدولار ولجمه عند مستوى محدد.. وكل ما يقوم به المصرف المركزي هو رفع السعر على المنصة، لكي يوازي سعر السوق السوداء، لان الحكومة عاجزة عن وضع حد لتسلط المضاربين والمتلاعبين بسعر الدولار رغم حملة الاعتقالات التي بدأت امس الاول. فوزير الاقتصاد امين سلام مثلاً وجد الحل في لجم ارتفاع اسعار السلع في المحلات التجارية والسوبرماركت، بفرض التسعير بالدولار. ولكن ماذا يفيد ذلك طالما ان سعر صرف العملة الخضراء في تحليق جنوني؟
هذه الحكومة اثبتت منذ تشكيلها انها ليست على مستوى الاحداث، وهي عاجزة عن تنفيذ الاصلاحات لتفتح الباب امام المساعدات، وهي عاجزة عن حكم البلاد والحل برحيلها والاتيان بحكومة فاعلة. على ان يسبق ذلك انتخاب رئيس. بعد كل ما تقدم هل هناك ما هو اكبر من هذا الانهيار؟