فوضى سياسية ومالية وتجارية واجتماعية ومافيات ناشطة والهدف جيوب المواطنين
خلاف ميقاتي والتيار الوطني الحر يحرم اللبنانيين من التيار الكهربائي ويبقيهم في العتمة
فوضى سياسية في غياب مسؤولين حقيقيين، وفوضى مالية في غياب خطة مالية مبنية على اسس علمية، وفوضى اسواق تفلتت بشكل مريع في غياب المراقبة، وترك المافيات تعمل وفق مصالحها. وفوضى اجتماعية بسبب ازمة خانقة. هكذا بدت الساحة اللبنانية في اول يوم عمل في السنة الجديدة وتكثفت الاجواء الفوضوية حتى تكاد تقضي على المواطن. كيف لا والمسؤولية غائبة تماماً.
سياسياً يتصاعد التناحر السياسي بين اركان المنظومة، بعيداً عن اي مصلحة وطنية، بل دفاع عن مصالح خاصة ونفوذ يرى البعض انه بدأ يفقده. والخلاف الابرز اليوم بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي والتيار الوطني الحر، الاول يتمسك بصلاحياته ويأبى ان يتخلى عنها، والثاني يستعمل مركز الرئاسة والميثاقية والطائفية، وغيرها من التعابير الرنانة. وفي الحقيقة هذا الكباش هو وليد سياسة كيدية ومصالح شخصية ونفوذ، ولا تمت الى الحقيقة بصلة. ونتيجة هذه المواقف المتصلبة انعكست على حياة الناس فحرموا من الكهرباء، بعدما كانوا قد منوا النفس بساعات عشر في اليوم. فرئيس الحكومة متمسك بعقد جلسة لمجلس الوزراء.، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يرفض ذلك، فيما البواخر التي تنقل المحروقات الى معامل الكهرباء متوقفة قرب الشاطىء، تنتظر فتح الاعتمادات، مع دفع غرامات مالية يومية من جيوب المواطنين، بعشرات الاف الدولارات دون اي حس بالمسؤولية، ودون الالتفات الى الخزينة الفارغة والى الشعب المقهور، الذي يدفع ثمن كل هذه السياسات الخاطئة.
وعلى الصعيد النيابي، كان الرئيس نبيه بري وعد بان ما بعد رأس السنة لن يكون كقبله. وها هي الايام العشرة الاولى من السنة تمر، دون الاقدام على اي خطوة توحي بالايجابية. حتى ان الدعوة لاستئناف الجلسات المسرحية لم توجه حتى الساعة، دون معرفة ما هي الخطوات التي سيقدم عليها الرئيس بري، وهنا، ايضاً تبرز بصورة جلية تخلي النواب عن مسؤولياتهم وعن القيام بالمهمات الاساسية الموكلة اليهم. انها الفوضى المدمرة بعينها سلطة تنفيذية معطلة، ومجلس نيابي بعيد عن مسؤولياته وادارات رسمية تنتظر وانهيار قاتل يزداد يوماً بعد يوم.
في غياب هذه المسؤوليات كلها نشطت المافيات التي تتحين الفرص لجني الارباح على حساب الجميع. فخلال ساعات قليلة قفز سعر صرف الدولار الفي ليرة دفعة واحدة وتجاوز 46 الف ليرة للدولار الواحد، والاجواء كلها توحي بالاستمرار في التحليق، حتى يقفز فوق الخمسين الفاً، وربما اكثر بكثير. فلماذا هذا الارتفاع المفاجىء. يقول احد الخبراء في غياب الخطط العلمية المدروسة فان كل القطاعات ستنهار. عندما رفع مصرف لبنان سعر صرف الدولار على المنصة الى 38 الف ليرة، وسمح باستبدال العملة الوطنية على هذا الاساس وبدون تحديد سقف، عمد بعض المتاجرين بحياة الناس، الى صرف دولارات جاءوا بها من الخارج واشتروا بها عملة وطنية ثم عادوا وصرفوها عبر المنصة فجنوا من هذه العمليات ارباحاً طائلة، ولما اكتشف مصرف لبنان الامر طلب من المصارف تحديد الحد الاقصى للصرف على المنصة بمئة مليون ليرة، وللافراد فقط دون الشركات. وهكذا يسير البلد من سياسة ترقيعية الى اخرى اسوأ، ولا من يسأل ولا من يحاسب فالشعب في نوم عميق رغم الضربات القاتلة التي يتلقاها، والدولة بلا رئيس ولا حكومة فاعلة تتمتع بكامل الصلاحيات، وطبقة سياسية تعمل وفق مصالحها ولو على حساب الوطن والمواطن. فكيف يمكن ان تستقيم الامور.
وما دام الحديث عن الوضع المالي، نشير الى ان مجلس النواب سيبدأ اليوم بمناقشة القضايا المتعلقة بالودائع (اعادة التوازن الى القطاع المالي) والتي يدور حديث حول ممارسة ضغوط لشطبها وبذلك يكون المواطنون قد دفعوا ثمن صفقات وسرقات المنظومة وتحولت حياتهم الى فقر وجوع. وتداركاً لمواجهة هذه المؤامرة اعلن امس عن وضع شرعة حقوق المودعين شارك فيها عدد من النواب والاختصاصيين وستقدم الورقة الى النواب لتوقيعها، وكل من يمتنع سيخضع للمحاسبة من قبل الناخبين. كما اجتمع اتحاد النقابات الحرة في نقابة المحامين، وطاللبوا باعادة الحقوق الى اصحابها ووعدوا بملاحقة المتآمرين حتى النهاية.
لاول مرة يشعر المواطن بان هناك تحركاً جدياً للحفاظ على حقوقه فعلى امل ان يتحرك هو ايضاً، ويدعم هذه الحملات النقابية، للوصول الى النتيجة المتوخاة. صحيح ان الحرب ضد مافيات متمددة بهذا الشكل صعبة وتتطلب جهوداً دؤوبة، ولكن صاحب الحق سلطان ولا بد في النهاية من الوصول الى حقه كاملاً. فتكاتفوا جميعاً لبلوغ الهدف المنشود.