نادي قضاة لبنان: المحاسبة والمساءلة وقيام الجميع بدوره أساس لاستعادة الثقة بالعدالة
أكد نادي قضاة لبنان في بيان أنه «في ضوء ما تعيشه أروقة قصور العدل أخيرا من تحقيقات، وتوقيفات، وتسريبات، وتكهنات، وتساؤلات، لم يشهد، تاريخ القضاء اللبناني، مثيلاً لها، ولان الثقة متى فقدت لا يمكن استرجاعها أو تعويضها، وانطلاقاً من أن تعزيز ثقافة المساءلة والدفع باتجاه مكافحة الفساد هي من اهداف نادي قضاة لبنان واحد مبررات وجوده، يبدي النادي ما يأتي:
أولاً: ان واقع انعدام الثقة الذي وصل اليه القضاء، اسوة بغالبية مرافق الدولة، أسبابه:
أ – تردد السلطات القضائية المختصة على مدى سنوات طويلة، في القيام بمهامها بحزم، بعيداً عن اية اعتبارات طائفية وسياسية هدامة، مما سمح لثقافة عدم المحاسبة بالانتشار والتمدد دون أي رادع وأدى الى احباط القضاة والمساعدين القضائيين الشرفاء، وهم ليسوا بقلة.
ب. غياب الحساب، إذ لا يجد الصالح ثواباً ولا الفاسد عقاباً. ويتمظهر هذا جلياً في معظم التشكيلات القضائية، بحيث تأتي في جزء منها، مستوردة، ومفتقرة الى عدالة يفترض بالمشمولين فيها تأمينها للغير.
ت. عدم بذل الطبقة السياسية الحاكمة، بكليتها، على مدى سنوات طوال، أي جهد لإقرار القوانين التي تحصن استقلالية السلطة القضائية بكل اوجهها، وإمعانها جهاراً في تكريس التبعيات السياسية والتدخل في عمل القضاء، مما خلق مقولة «الغطاء السياسي» التي يندحر امامها سلطان الحق وهيبة الدولة وسلطة القانون.
ث. انتقائية وموسمية الملاحقات والمساءلات التي في بعض الأحيان تأتي بناء لطلب أو على مقاس أحدهم، دون وجود خطة منهجية للمحاسبة والمساءلة تشمل الجميع في كل الأوقات فتكون قابلة للحياة والاستمرار، فمكافحة الفساد، فعل يومي ومستمر ينطلق من ثقافة تطبيق القانون على الجميع.
ج. ربط مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين برفع الغطاء السياسي عن الأخيرين، إذ يحمل هذا الأمر في طياته امكانية حصول خلاف سياسي وبالتالي اعادة تغطية الفاسدين، او امكانية حصول اتفاق على تغطية اي فاسد، وهذا يتناقض مع اساسيات العمل القانوني الجدي الرامي حقيقة الى مكافحة الفساد.
ثانياً: إن الحلول لواقع انعدام الثقة بسلطة القضاء والقانون تتمثل في:
أ. استمرار الضابطة العدلية، التي يؤكد نادي قضاة لبنان على أهمية عملها الراهن، ويرفض محاولات تسييسه وتطييفه، في القيام بموجباتها وتحقيقاتها، تحت إشراف النيابة العامة، وفاقاً لما تنص عليه القوانين ذات الصلة، ملتزمة أصول التحقيق وحفظ حقوق المشتبه بهم، مبتعدة عن التسريبات الإعلامية احتراماً لنص القانون ومبدأ قرينة البراءة.
ب. استمرار التفتيش القضائي في الاضطلاع بدوره في الملاحقات المسلكية بدون انتظار انتهاء التحقيقات، وإحالة مرتكبي الفساد ان وجدوا بين القضاة أو المساعدين القضائيين على المجالس التأديبية بالتوازي مع إحالتهم على المحاكم الجزائية.
ت. مضي حضرة النائب العام لدى محكمة التمييز، الذي أناط به القانون حصراً، ملاحقة جرائم القضاة، في متابعة جميع الملفات المتعلقة بكل القضاة المشتبه فيهم دون أي استثناء، بالسرعة اللازمة، حتى النهاية، وصولاً الى المحاكمات واعلان الأحكام النهائية، بمعزل عن اية استقالات، حفظاً لمعنويات القضاة، وليكون القضاء قدوة في معركة الفساد تجاه بقية السلطات والإدارات، وذلك لإعادة ثقة المواطن بدولته وإرساء القيم الضائعة، المتمثلة بأن المناقبية والاخلاق والنزاهة والاستقامة قوة، وبأن للفساد ثمناً لا بد من تسديده.
ث. لعب نقابتي المحامين دورهما الوطني العريق بالتوازي، عبر تنقية صفوفهما وإعطاء اذونات الملاحقة اللازمة، بما يتناسب مع رفعة عمل المحامين وصورتهم النبيلة، وذلك بمعزل عن أي موقف آخر، لإثبات ان النقابة هي كما دائماً، نبراساً للحق ورائدة في تطبيق القانون.
ج. امتناع المعنيين بالشأن العام عن محاولة التأثير على مجريات الملاحقات والمحاكمات تطبيقا لذهنية «المحاسبة على غيري»، فيتصرفون بالسر عكس ما ينطقون به علناً.
ح. رفض ديوان المحاسبة، وجه القضاء وصمام الأمان لمالية الدولة وشريانها، لمحاولات المساومة، والضرب بيد من حديد كل استهتار بالمال العام والصفقات المشبوهة التي أنهكت الدولة وافرغت صناديقها وإعادة تذكير كل المولجين بالشأن العام بان الغيرة على مال المواطنين والدولة يجب ان تفوق غيرتهم على مصالحهم الخاصة، فقضاة ديوان المحاسبة هم حراس الهيكل.
خ. فتح النيابات العامة كافة والتفتيش المركزي والقضائي وديوان المحاسبة، من تلقاء أنفسهم، كل ملفات الهدر والسمسرات والسرقات وصرف النفوذ، دون انتقائية والسير بها حتى النهاية ومحاسبة كل من يلزم، بمعزل عن صفته ودرجته ودون أدنى اعتبارات، الا لحق الدولة وهيبتها، وان أي اخلال بذلك سوف يرتد سلباً على الدولة ويؤكد شكوك المواطنين، بأن حملة مكافحة الفساد التي لا ينفك الجميع يرددها، لا تغدو عن كونها من مستلزمات مؤتمر سيدر الشكلية.
د. وجوب رفع السرية المصرفية عن حسابات كل متول للشأن العام، سواء بالانتخاب أو التعيين، وحسابات عائلته، داخلياً وخارجياً اسوة بما قام به أعضاء الهيئة الإدارية لنادي قضاة لبنان، وبما تقترحه على القضاة عامة،
ذ. إعادة النظر بالحصانات القانونية، وبأحكام قانون الاثراء غير المشروع، غير المطبق لغاية الآن.
ر. اعتماد معايير الكفاءة والنزاهة والشجاعة، فقط، في مختلف التعيينات لا سيما القضائية منها، وأن تكون الأخيرة متناسقة ومنسجمة مع قرارات التفتيش القضائي.
انها مرحلة مفصلية في لبنان، انها فرصة لاستعادة الثقة بالدولة والقضاء، قضاء الجميع، فإما نسقط سقوطا مروعا نقضي فيه على آخر أمل بسيط بالنهوض، وإما تزهو امامنا براعم مستقبل عامر لم نعد نجرؤ على الحلم به منذ زمن بعيد.