القمة العربية تنعقد في الجزائر بغياب زعماء بارزين وبوتين يوجه رسالة للقادة المشاركين
افتتحت الثلاثاء قمة جامعة الدول العربية في العاصمة الجزائرية بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الدورة الماضية دعا فيها إلى «تجاوز الخلافات» و«لم الشمل». ثم سلم سعيّد الرئاسة لنظيره الجزائري عبد المجيد تبون الذي أشار لضرورة «بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة». وفي حين غاب قادة دول عربية عدة عن القمة، وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة للمجتمعين أعرب فيها عن استعداد بلاده للتعاون مع دول الجامعة العربية «بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي».
بدأ القادة العرب الثلاثاء اجتماع قمة تستضيفها الجزائر هي الأولى منذ ثلاث سنوات مع استمرار الانقسامات حول النزاعات الإقليمية، خصوصاً في سوريا وليبيا، فضلاً عن تطبيع بعض الدول علاقاتها مع إسرائيل.
وافتتحت أعمال القمة بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس الدورة الماضية، دعا فيها إلى «تجاوز الخلافات» و«لم الشمل» من أجل الانتصار على من يشنون «حرباً ضروساً لإسقاط الدول» سلم بعدها رئاسة الدورة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وبدوره أشار تبون إلى أن «العالم العربي لم يعرف في تاريخه المعاصر مرحلة عصيبة كما هو الآن» مشيراً إلى الخطر على «الأمن الغذائي» في المنطقة، لذلك «يتعين علينا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة».
وعقدت جامعة الدول العربية التي تضم 22 دولة، آخر قمة لها في آذار (مارس) 2019 في تونس، قبل تفشي وباء كوفيد-19. ومنذ ذلك الحين، قامت دول عدة أعضاء في المنظمة، التي وضعت تاريخياً دعم القضية الفلسطينية وإدانة إسرائيل على رأس أولوياتها، بتطبيع لافت مع الدولة العبرية.
فطبعت دولة الإمارات العربية المتحدة علاقاتها مع إسرائيل في 2020 في إطار سلسلة اتفاقيات تفاوضت عليها واشنطن. ثم حذت البحرين والمغرب والسودان حذوها.
ويبرز هذا التقارب في سياق القمة خصوصاً أن الجزائر مضيفة الاجتماع، من أشد المؤيدين للفلسطينيين. فقد رعت الجزائر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، على الرغم من أن فرص تنفيذه على أرض الواقع تبدو ضئيلة.
وأدى التعاون الأمني الذي أقامه المغرب المجاور للجزائر، مع إسرائيل بعد تطبيع العلاقات بينهما إلى تفاقم توتر العلاقات بين الإخوة الأعداء، المتوترة أصلاً بسبب الخلافات العميقة بشأن الصحراء الغربية، والتي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في آب (أغسطس) 2021، بقرار من الجزائر.
«دبلوماسية هجومية»
منذ وصول الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة نهاية 2019، عادت الدبلوماسية الجزائرية للنشاط الكثيف، بعد سنوات من الجمود على الساحة الدولية بسبب مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وقامت الجزائر بجميع التحضيرات اللازمة من أجل استقبال مميز للمشاركين في القمة التي تختتم مساء الأربعاء.
وزينت الشوارع الرئيسية للعاصمة الجزائرية والمباني الحكومية بأعلام الدول العربية كما علقت لافتات ضخمة على لوحات إعلانية ترحب «بالأشقاء العرب».
ورأى حسني عبيدي مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي في جنيف أن «الدبلوماسية الجزائرية انتقلت إلى المرحلة الهجومية على المستويين العربي والأفريقي».
وإن كان النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والوضع في سوريا وليبيا واليمن مدرج على جدول أعمال القمة، فسيتعين على القادة العرب والوفود المشاركة إيجاد مخارج دبلوماسية معقدة في صياغة الإعلان النهائي الذي يقر بالإجماع، لتجنب الإساءة والإحراج إلى أي دولة رئيسية في المنظمة.
وأفادت مصادر من الجامعة العربية، أن وزراء الخارجية العرب حاولوا خلال عملهم على البيان الختامي «إعلان الجزائر»، إيجاد صيغة توافقية للتنديد بـ«التدخل» التركي والإيراني في الشؤون العربية. فقد طلب بعض الأعضاء ذكر أنقرة وطهران بالاسم بينما عارض آخرون ذلك.
وأشار عبيدي إلى «التناقض في هذه القمة التي تنعقد تحت شعار التنسيق المشترك بينما تحمل كل دولة أجندة وأهدافاً خاصة بمصالحها الشخصية. الجامعة العربية هي المرآة العاكسة للسياسة الخارجية العربية».
ووضعت الجزائر هذه القمة الحادية والثلاثين للمنظمة العربية تحت شعار «لم الشمل» لكن دولاً عدة، لا سيما بلدان الخليج، لن تكون ممثلة بقادة دولها.
رسالة بوتين
فقد اعتذر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عن المشاركة في قمة الجزائر رسمياً بسبب مشكلة صحية في الأذن. بحسب الصحافة العربية، فإن رئيس الإمارات وملك البحرين سيغيبان أيضاً.
وفي المقابل، يشارك كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس التونسي قيس سعيّد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أعمال القمة.
كذلك، وصل الثلاثاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للمشاركة كضيف شرف.
وفي الوقت الذي تعاني فيه الكثير من دول المنطقة من التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية على أوكرانيا، توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالة للمشاركين في القمة نشرتها سفارة بلاده في الجزائر وأكد فيها أن «العالم يشهد تغيرات سياسية واقتصادية هامة. يتزايد تشكيل نظام العلاقات الدولية متعدد الأقطاب وهو مبني على مبادئ مساواة الحقوق والعدالة واحترام المصالح الشرعية المتبادلة. في هذه العملية تلعب بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي يقرب عدد سكانها من نصف مليار نسمة دوراً أكثر أهمية».
وأضاف أن روسيا «لا تزال مستعدة لأن تطور تطويراً كاملاً التعامل مع جامعة الدول العربية وكل أعضائها بما في ذلك بهدف توطيد الأمن على المستويين الإقليمي والعالمي».
وبخصوص النزاع في سوريا، سعت الجزائر في الكواليس بتشجيع من روسيا لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، التي علقت عضويتها فيها نهاية عام 2011 في بداية الحراك ضد نظام بشار الأسد، لكنها تخلت عن هذا المسعى رسمياً بناء على طلب النظام السوري نفسه.
وأوضح حسني عبيدي أن «دعوة سوريا إلى قمة الجزائر في الوضع الراهن تنطوي على مخاطرة كبيرة. لقد أدركت الجزائر عواقب هذا الوجود على نجاح قمتها. وبالتعاون مع دمشق تخلت عن مبادرتها».
فرانس24/ أ ف ب