بزغ فجر عهد الفراغ، فمتى يتحرك المجلس النيابي لانتخاب رئيس جديد للجمهورية؟

صباح اليوم اطل عهد جديد على لبنان، عنوانه الفراغ، وهو وضع مستجد لم يعرفه في الماضي، الى ان تحكمت المنظومة بالبلد، وحولت كل مركز او سلطة موضع محاصصة. غادر الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون قصر بعبدا وعاد الى منزله الجديد في الرابية. كان متوقعاً ان يترك الحكم بهدوء، متصالحاً مع الجميع. ففي السياسة خصام وفي الحياة العامة وئام، الا انه اثر الهجوم، فحمل على الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. حمل على المنظومة وهو كان على رأسها على مدى ست سنوات وكان في صلبها منذ العام 2005، يوم عاد من باريس. هاجم القضاء دون ان يذكر انه منع الاصلاحات في داخله، فاوقف التشكيلات القضائية وتدخل في كل شاردة وواردة تتعلق بهذه السلطة، مخالفاً الدستور الذي ينص على فصل السلطات، ويمنع التدخل السياسي في القضاء. وامعاناً في التصعيد اصدر مرسوماً في الساعات الاخيرة، قبل فيه استقالة الحكومة، الا ان هذا المرسوم لا يقدم ولا يؤخر، فالحكومة باقية وفقاً للدستور، تصرف الاعمال بالحد الادنى. وتأكيداً على ذلك غادر رئيس الحكومة الى الجزائر لتمثيل لبنان في القمة العربية التي تبدأ اعمالها اليوم. كما ارسل عون كتاباً الى مجلس النواب يطالبه بالتدخل وبحث حالة الحكومة وشرعية تسلمها سلطات رئيس الجمهورية، فكان ان حدد الرئيس بري الخميس المقبل موعداً لجلسة تتم فيها قراءة رسالة عون. وتقول اوساطه انه ليس للمجلس ما يقوله في هذا المجال، طالما انه يتم وفقاً للدستور.
هذه هي الصورة في اليوم الاول للفراغ. وكان من المفروض ان يسارع النواب الى تلقف الكره، والاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يملأ الفراغ، ويكون على قدر المرحلة والمسؤولية، فيعيد الى الدولة هيبتها وسيادتها، وينهض بالمؤسسات ويفعّل الاقتصاد المنهار. هذه هي واجبات النواب الذين اختارهم الشعب لتمثيله والدفاع عن حقوقه، الا ان المجالس النيابية عندنا لا تقوم بواجباتها وفقاً لارادة الناخبين، بل تمشياً مع رغبات المنظومة المتحكمة، وعلى هذا الاساس يبقى الامل مفقوداً بتحسن الاوضاع. فهل من ديكتاتور عادل يمسك بالعصا من الوسط، ويكيل الامور بميزان الجوهرجي؟
اما الحكومة كان من المفترض فيها، وقبل ان تصبح حكومة تصريف اعمال ان تنفذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي اللذين لا خلاص للبنان والنهوض من الجحيم الغارق فيه بدون مساعدتهما. اكثر من ستة اشهر مرت على المفاوضات والصندوق الدولي ينتظر الاصلاحات ولكن الحكومة نائمة، حركة بلا بركة وتصريحات جوفاء بلا معنى، ولو قامت بواجباتها ونفذت ما طلب منها لكنا اليوم نسير على طريق التعافي ونتمتع بالكهرباء عشر ساعات، ولكانت المشاريع العمرانية بدأت. ولكن شيئاً من هذا لم ينفذ، لان الحكومة ليست على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها. وطالما ان الحكومات تشكل في كل مرة وفقاً لارادة المنظومة ولارادة هذا الزعيم او ذاك، فان اي امل بالاصلاح مفقود. ان المطلوب من العهد الجديد، الذي نأمل ونتمنى ان يبزغ فجره قريباً وقريباً جداً لان الوضع لا يحتمل التأجيل، ان تتشكل حكومة بعيدة كل البعد عن المنظومة، تضم وزراء يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة، والولاء المطلق للوطن لا للزعيم. فاذا نجح العهد المنتظر في تحقيق هذه التمنيات يخرج لبنان وبسرعة مما هو فيه من الانهيار، والا فان الحالة السائدة ستستمر وتتجدد، ويبقى الشعب يعاني البؤس والفقر والجوع والقهر وكل انواع العذابات. كيف لا وهو لم يحظ يوماً برعاية المسؤولين عنه وباهتمامهم. فهم يعيشون في واد والشعب في واد اخر بعيد كل البعد. وما شد الحبال الذي نشهده اليوم الا تأكيد على ما نقول. فالسياسيون همهم الوحيد تأمين مصالحهم والمواطنون يبحثون عن بلد اخر يجدون فيه ما يؤمن لهم حياة كريمة عجز المسؤولون عن تأمينها لهم. الوضع صعب ويحتاج الى رجال مخلصين يتمتعون قبل كل شيء بالوطنية الصادقة ويكون ولاؤهم لهذا البلد وحده دون غيره وعندها تستقيم الامور. فعلى امل ان يتحقق هذا الحلم، سنبقى ننتظر.