اكتمال التحرير يكون بانقاذ البلد من قبضة منظومة نشرت الفساد واغرقته بالخسائر
فوضى عارمة تلي الانتخابات ودولار يحلق وحكومة منشغلة بخلافاتها والمسؤولية غائبة تماماً
احتفل لبنان امس بذكرى التحرير. انها مناسبة مفرحة ازاحت الاحتلال الاسرائيلي عن صدور اللبنانيين، الا انها ليست مكتملة وبات على قوى التغيير العمل على تحرير الادارات العامة والبلد كله من سطوة المنظومة التي تحتل كل مكان من هذا الوطن وتنشر فيه الفساد. كما ان على القوى التغييرية ان تعمل على استعادة الوطن الى وضعه الذي كان عليه، فيسترجع سيادته على كامل ارضه، وينأى بنفسه عن كل القضايا الخارجية، اقليمية كانت او دولية، وهذا هو دوره الطبيعي.
انتهت الانتخابات وحملت من حملت من الوجوه التغييرية. الا انه ما كادت النتائج تعلن، حتى انفجرت الازمات دفعة واحدة، طوقت المواطنين وتكاد ان تخنقهم. وعمت الفوضى في كل مكان وغابت السلطة، ووقفت متفرجة فكأنها مؤيدة لكل ما يجري. فهل لهذا الفلتان علاقة بالاستحقاقات المقبلة؟
بين ليلة وضحاها قفز سعر الدولار ثمانية الاف ليرة في غضون اسبوع، فانعكس هذا الجنون على الاسعار كافة، وتجاوز سعر صفيحة البنزين ستماية الف ليرة، حتى كتابة هذه السطور، والحبل على الجرار، وسعر صفيحة المازوت سبعماية الف ليرة، وقارورة الغاز 450 الف ليرة. اما اسعار المواد الاستهلاكية، فاصبحت خارج قدرة المواطن على الحصول عليها. وبات يدخل الى السوبرماركت، يطلع على الاسعار التي تتبدل كل ساعة وفق تلاعب الدولار، ثم يخرج سفر اليدين، اذ لم يعد يملك ما يكفي لسد حاجاته الضرورية. حتى الرغيف طاولها الغلاء الفاحش. فماذا فعلت الحكومة وقد تحولت الى حكومة تصريف اعمال، لوقف هذا الانهيار الكبير؟ لقد انشغلت بمهاجمة بعضها البعض، بعيداً عن اي مسؤولية. وانفجرت بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الطاقة وليد فياض، ووصلت الى حد التحدي، وضاع المواطن بين الطرفين من يصدق منهما. لقد كان عليهما وهما في مركز المسؤولية، ان يعملا على تأمين التيار للناس، بدل العتمة التي ينشرونها دون اي خجل او حس بالمسؤولية.
وسط هذه الفوضى الرسمية العارمة، تحرك المواطنون وقد فقدوا كل شيء، في غياب سلطة لا تسأل عنهم، وعمت الاعتصامات والاضرابات.. فالحصول على اي مطلب لم يعد متاحاً الا باللجوء الى السلبية. ووصل الدور الى الاطباء والمستشفيات الذين يضربون اليوم وغداً. وهدد نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون بالاقفال التام اذا لم تؤمن المصارف السيولة لهم والا فان المواطن هو الذي يدفع الفروقات، وهي بالملايين، مع علمه الاكيد ان هناك مرضى يقبعون في منازلهم بلا دواء ولا علاج لعجزهم عن تأمين المال اللازم. وكيف لا والدولار اليوم تجاوز الخمسة والثلاثين الف ليرة.
رابطة المودعين تنبهت الى ان جمعية المصارف تحاول استغلالهم وتحريضهم، وليس من اجل حماية ودائعهم كما تدعى، بل حفاظاً على اموالها هي، لان الدولة والمصرف المركزي وجمعية المصارف كلها عيونها على المودعين لتحميلهم الخسائر، وهذا ما لن يقبل به المودعون ويرفضونه جملة وتفصيلاً وهم متنبهون الى ما يحاك ضدهم. فجمعية المصارف همها التخلص من الودائع وتعويم مصارفها من جديد. كذلك فان رابطة المودعين رفضت رفضاً باتاً انشاء الصندوق السيادي، لانه في النهاية سيستخدم اموال الناس لانقاذ الكل على حسابهم. وقد اقترح البعض انشاء هذا الصندوق ولكن تحت اشراف دولي. اما خطة التعافي التي وضعتها حكومة ميقاتي فقد رفضها النواب التغييريون، وطالب النائب جورج عدوان بالغائها لانها مخالفة للدستور، ووضع خطة بديلة تتولى الحكومة الجديدة التي ستشكل وضعها وتكون عادلة لا تحمي الحكومات ولا تعفيها من المسؤولية هي والمنظومة كلها التي بددت الاموال ورتبت هذه الخسائر الفاحشة. وقال ان النواب لن يقبلوا بعودة هذه الحكومة، بل حكومة تراعي التغيير الذي حصل في الانتخابات.
في هذا الوقت لا تزال الاتصالات جارية بين الكتل النيابية، بانتظار ان يدعو رئيس السن، الرئيس بري، الى جلسة لانتخاب رئيس للمجلس ونائب للرئيس، وقد تكون هذه الجلسة الاسبوع المقبل. بعدها يصبح من المتوقع ان يدعو رئيس الجمهورية النواب الى استشارات ملزمة لاختيار الشخصية التي ستكلف تشكيل الحكومة الجديدة. فعسى ان يتم التوافق سريعاً، لان الامور لا تحتمل التأجيل والا بقيت حكومة تصريف الاعمال الى نهاية العهد. فهل من يراعي مصلحة هذا البلد المعذب؟