من يعاقب الناس ويعيدهم الى طوابير الذل امام المحطات والافران والمصارف؟
ما هي العلاقة بين اشتعال الاسواق وتحليق الدولار ونتائج الانتخابات؟
لماذا هبت الاسواق دفعة واحدة، ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟ هل صحيح ان المنظومة تعاقب الشعب، كما يقول الشارع، لانه اسقطها في الانتخابات، وانتزع من يدها ورقة التسلط؟ اذا كان هذا صحيحاً فعليها ان تحاسب نفسها اولاً، وتسأل لماذا هذا الانقلاب الشعبي عليها، وقد كانت كلمة التغيير على كل شفة ولسان يوم الانتخاب. ازلامها والمنتفعون منها وحدهم وقفوا الى جانبها، وليس عن اقتناع بل عن مصلحة، ولذلك عليها اعادة النظر بكل تصرفاتها وسياساتها.
ما ان اقفلت صناديق الاقتراع يوم الاحد الماضي، بعد يوم طويل قال خلاله الناخبون كلمتهم، وقبل اعلان النتائج، سجل الدولار قفزة مستغربة وحلق من 27 الف ليرة الى اكثر من ثلاثين الفاً. فهل يستطيع المسؤولون شرح الاسباب، ليكون المواطنون على بينة من امرهم؟ ما هدف المافيا والمتلاعبين باسعار العملات الاجنبية من هذا الجنون القاتل؟
الارتفاع الجنوني هذا جرف معه كل اسعار السلع الاخرى، وخصوصاً المواد الغذائية والمعيشية، واسرعت ماكينات السوبرماركت الى الرفوف تبدل الاسعار بنسب عالية، تفوق نسبة ارتفاع سعر الدولار. وفجأة اختفى البنزين بعد ان سجل اسعاراً لا يتصورها عقل او منطق، ففاق سعر صفيحة البنزين 550 الف ليرة، والمازوت 650 الف ليرة، والغاز الذي هو الوسيلة الوحيدة لدى المواطنين لتدبير امورهم المنزلية، خصوصاً في ظل انقطاع الكهرباء، فقد وصل سعر قارورة الغاز الى حدود الخممسئة الف ليرة. وبشر المعنيون العاملون في هذا القطاع، بان اسعار المحروقات كافة ستواصل ارتفاعها، وقد تصل الى حد يصبح من المستحيل على الاكثرية الساحقة من اللبنانيين الحصول عليها. خصوصاً وان شركات توزيع الغاز توقفت عن العمل. واقفلت ابوابها وهي كما تقول بانتظار رفع الاسعار اكثر، لان السعر الذي حددته وزارة الطاقة لا يناسبها. في هذا الجو الشديد السواد وفي ظل الارتفاع الجنوني لاسعار المحروقات انقطع البنزين فجأة، وعادت طوابير الذل تسد الطرقات حول المحطات التي رفعت خراطيمها، منتظرة الارتفاع الجديد لتحقيق المزيد من الارباح.
وكأن هذه الازمة الكارثة لا تكفي، بل واصلت اجتياحها نحو الافران، فاختفت الرغيف، السلعة الوحيدة الباقية امام الفقراء لسد جوعهم وجوع عيالهم، وكذلك عادت طوابير الذل امام الافران بحثاً عن لقمة بدأوا يفقدونها. لقد بشر وزير الاقتصاد قبل ايام بان البنك الدولي وافق على قرض قيمته 150 مليون دولار لشراء القمح، فما هو السبب لتجدد ازمة الرغيف؟ فهل من مسؤول في هذه الحكومة يمكنه ان يطمئن المواطنين؟
ولم يكتف المتلاعبون بحياة الناس، بعدما حولوها الى سلعة يتاجرون بها، بل اعادونا الى العتمة الشاملة، واعلنت شركة الكهرباء انها استهلكت ما كان لديها من محروقات خلال الانتخابات، وهي مضطرة الى ايقاف معمل ديرعمار، ريثما يستهلك معمل الزهراني ما تبقى لديه من قوة، وهذا كما تقول الشركة لتجنب العتمة الشاملة. هل تعتقد ان اعطاء التيار ساعة او ساعتين كل 24 ساعة ليست عتمة شاملة؟ وهل ان الانسان في العصر الحجري كانت حياته اسوأ من ذلك، لا نعتقد لقد اعادونا قروناً الى الوراء وهم مسترسلون في غيهم. ومع ذلك كان هناك من جدد الولاية لهم.
كل ذلك حدث منذ يوم الاحد الماضي والحكومة لم تحرك ساكناً، ولم تقدم على اي تبرير يخفف معاناة الناس، فكأن الامر لا يعنيها. الا تعلم ان مهمتها الوحيدة هي تدبير شؤون المواطنين وتأمين الحاجات الضرورية لهم، فهل هذا ما تقوم به؟ ولماذا هذا الصمت امام الكوارث التي تحل بالبلد؟ الاسوأ من ذلك سيعقد مجلس الوزراء جلسة غداً الجمعة على جدول اعمالها 133 بنداً، يتناول معظمها مشاريع تحتاج الى المليارات، فهل تقول لنا الحكومة من اين ستأتي بالمال لتغطية هذا الانفاق المنفلش وهي لا تملك الملاليم؟ بالطبع انها تتكل على ما ستفرضه وفي تلك الجلسة بالذات، من رسوم وضرائب جديدة. فكأن مهمتها اصبحت القضاء على الانسان في لبنان.
وهنا لا بد من سؤال يوجه الى الذين اقترعوا الى جانب مرشحي المنظومة هل يرضيهم هذا الوضع، وهل هم مرتاحون الى خيارهم؟ هل يفرحهم ويريحهم الوقوف في طوابير الذل امام محطات الوقود والافران والصيدليات والمصارف وغيرها وغيرها؟ هنيئاً لهم بخيارهم.
ان التغييرين الذين دخلوا مجلس النواب هم معنيون قبل غيرهم بما يجري وعليهم التحرك فوراً وفقاً لوعودهم ولدورهم ويسارعوا الى مواجهة هذا لظلم. فليجمعوا صفوفهم بسرعة ويواجهوا اياً تكن الصعاب. فتحقيق الاهداف لا يتم بدون تعب، العيون كلها شاخصة اليهم فليتحركوا بسرعة.