استحقاقات داهمة امام المجلس النيابي الجديد والاصوات العالية فيه تعرف ان تقول لا
التصريحات الفارغة تزيد التشنج والعودة الى التعقل هي الطريق السليم
بعد تظهير الصورة الكاملة للمجلس النيابي الجديد، بات على الجميع خفض منسوب التوتر السياسي، الذي ساد ابان الحملة الانتخابية، واستمر الى ما بعد اعلان النتائج، غير ان الواقع يفرض العودة الى التعقل والهدوء، وتغليب العقل على ما عداه. فاللبنانيون، موالين ومعارضين، محكومون بالعيش معاً، ولا احد قادراً على الاستفراد بالقرار. لقد اثبتت الانتخابات ان ارادة الشعب هي فوق كل الارادات وعلى القوى كافة التي دخلت المجلس النيابي ان ترضخ لها وتحترمها، لان الكلمة الاخيرة ستكون لها. وهذا ما بدأ العاقلون يعملون له، رغم ان البعض لا يزال يدلي بتصاريح ويتحدث امام الاعلام ويطلق ادعادءات فارغة، ليست حقيقية ولا واردة، الا انها تدغدغ احلامه. لقد قال الشعب كلمته، وعلى الجميع الخضوع لاراداته، فمن ربح عليه ان ينصرف الى تحقيق الوعود التي اطلقها للناس، الذين يراقبون بعيون مفتوحة على كل شاردة وواردة. ومن خسر عليه ان يراجع حساباته ويسأل نفسه عن سبب تخلي الناخبين عنه.
في العشرين من هذا الشهر اي ليل السبت – الاحد تنتهي ولاية المجلس النيابي الحالي، فيرحل دون ان يخلف وراءه اي انجاز يحمل الناس على تذكره. لقد شهد لبنان في عهده الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وانفجار المرفأ وضحاياه بالالوف، ولم يبق قطاع واحد واقفاً على قدميه. وهذا المجلس صامت ساكت لم يحرك ساكناً، ولم يسمع له صوت يدافع عن حقوق الناس. فعسى ان يعوض المجلس الجديد على الناخبين، وينفذ اعضاؤه ما وعدوا ناخبيهم به.
الاسبوع المقبل يدعو رئيس السن، وهو ايضاً الرئيس بري هذه السنة، المجلس الى الاجتماع وانتخاب رئيس له. ولكن المنافسة معدومة لان في الساحة مرشح واحد هو الرئيس بري. واللافت انه في الانتخابات الماضية فاز بري بالرئاسة بـ 98 صوتاً، من اصل 128 نائباً. الا انه هذه المرة، وفي احسن الاحوال لن يتجاوز عدد ناخبيه الـ 58 نائباً، اي اقل من نصف المجلس. وهذا رقم يجب على الرئيس بري ان يأخذ العبرة منه. فالقوات اللبنانية التي حصدت اعلى كتلة نيابية لوحدها، اعلنت انها لن تؤيده، وكذلك الحال بالنسبة الى الكتائب ونواب الحراك الشعبي والقوى المعارضة، ويبقى موقف التيار الوطني الحر، الذي كان رئيسه قد اعلن قبل اسبوعين انه لن ينتخب الرئيس بري حليفه في الانتخابات، فهل ما زال على موقفه؟ الجواب يوم الاقتراع.
هذا الواقع السياسي الذي اوجدته الانتخابات داخل مجلس النواب، حيث لم تحصل اي كتلة على الاكثرية، كما كانت الحال في المجلس الراحل، يحتم تجميع القوى، والاتفاق على برنامج عمل يلبي حاجات الناس والبلاد. والاسراع في تسهيل تشكيل حكومة جديدة، تتولى فوراً استكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهذا هو الامر الاكثر الحاحاً. فالانهيار يزداد يوماً بعد يوم وكل ساعة تأخير يدفع ثمنها المواطنون والبلد معاً، على ان يلاقي المجلس النيابي الحكومة فيقر القوانين المطلوبة من الصندوق والتي تحقق الاصلاح، واهمها السرية المصرفية واعادة هيكلة المصارف والموازنة النائمة في الادراج، اذ كان النواب يخشون اقرارها لما تتضمنه من رسوم وضرائب لا قدرة للمواطن على تحملها، خصوصاً في ظل هذه الازمة الاقتصادية الخانقة واحتجاز امواله في المصارف. واخيراً وليس اخراً الكابيتال كونترول، النائم هو الاخر منذ سنتين ونصف السنة في ادراج المجلس والذي لم يفرج عنه الا في الاسابيع الاخيرة. غير ان مشروع القانون الذي قدمته الحكومة غير عادل وغير منطقي، وعلى الحكومة الجديدة، وضع بديل يحفظ حقوق الناس والمودعين. فمن غير المقبول ان تبدد المنظومة السياسية المال على صفقاتها ومشاريعها الخيالية غير الصالحة، الا لتحقيق الربح والسمسرة، وتجبر المودع على تغطية الخسائر.
المجلس الجديد يحمل اصواتاً عالية ومحقة وتتطلع الى مصلحة الناس وهي منهم، وتعرف حاجاتهم، بعيداً عن الابراج العالية. هذه الاصوات ستعرف كيف تصرخ وتقول لا بوجه الارتكابات والاخطاء والفساد. باختصار ان وضعاً جديداً نشأ وتحقق، وعلى الجميع قبوله.
على صعيد السلطة التنفيذية، يعقد مجلس الوزراء جلسة اخيرة يوم الجمعة بدل يوم الخميس في قصر بعبدا، تحاول الحكومة تمرير بعض المشاريع التي لا يمكنها ان تمررها بعدما تصبح حكومة تصريف اعمال. كما يقدم الوزراء جردة باعمالهم خلال ولايتهم. فعلى امل ان يسرع المجلس النيابي في الاتفاق على حكومة جديدة تتولى شؤون الناس، وقد سجلت الاسعار ارقاماً خيالية واصبحت صفيحة البنزين بـ 550 الف ليرة، والحكومة ساكتة لا تنطق بكلمة. فهل تكون الحكومة المقبلة بعيدة عن الحرتقات السياسية، وتكون حكومة انتاج فتعمل على تخفيف الام الناس. المرحلة صعبة ودقيقة ولكنها تتطلب السرعة القصوى في العمل قبل ان يضيع الوطن.