بيان الخارجية عن الحرب الروسية على اوكرانيا اثار عاصفة داخلية في لبنان

النأي بالنفس لدى المنظومة لا ترجمة فعلية له وكل الاطراف السياسية مرتبطة بالخارج
الحرب المشتعلة بين روسيا واوكرانيا منذ ايام وصلت شظاياها الى لبنان، وهذا ليس غريباً فهو له في كل عرس قرص كما يقال. بيان وزارة الخارجية اللبنانية اشعل الساحة الداخلية، وهي مشتعلة اصلاً، تسودها الانقسامات والخلافات بين القوى السياسية المتصارعة. فالمنظومة لا تتفق على اي امر، الا اذا تهددت مصالحها فانها سرعان ما تلتف على بعضها وتتضامن.
انقسم الوزراء حول بيان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وتنصلوا منه، معلنين انه لا يمثل الحكومة، لانه ليس صادراً عنها. فهي لم تناقشه في مجلس الوزراء، ولا حصل تشاور بشأنه. وهنا لزم المسؤولون الصمت، ولم يصدر اي تعليق عنهم. فهل ان الوزير بوحبيب تفرد في صياغة البيان واعلانه، دون استشارة احد من المسؤولين؟ لا نعتقد ذلك، لان بياناً بهذه المرحلة الخطرة لا يتفرد به شخص مهما علا شأنه خصوصاً وهو يعني خروجاً عن مبدأ الحياد والنأي بالنفس الذي ورد في بيان الحكومة. صحيح ان النأي بالنفس في لبنان غير وارد، لان الوزراء الذين قيل لدى تشكيل الحكومة انهم حياديون وتقنيون، غارقون في السياسة الى اقصى حد. وهم ليسوا مستقلين كما وصفوا، بل ان كل وزير تابع لمرجعية سياسية هي التي اختارته لتمثيلها في الحكومة. والمعروف ان الاطراف السياسية في لبنان مرتبطة بجهات خارجية متعددة، كل حسب مصالحه، تتلقى تعليماتها منها وتعمل وفق مصالحها، حتى ولو تعارضت مع المصلحة الوطنية. فعن اي حياد وعن اي نأي بالنفس نتحدث.
في مناسبة ثقافية اقيمت في بيروت بحضور رئيس الجامعة العربية، دعا الرئيس نجيب ميقاتي العرب الى دعم لبنان والوقوف الى جانبه، مؤكداً ان لبنان هو مع المجموعة العربية، يحرص على امنها واستقرارها وانه لن يكون منطلقاً لاي عمل يسيء اليها. ولكن بماذا كان الرئيس ميقاتي ليجيب لو سئل، ماذا فعلت الحكومة لمنع المعارضة البحرانية من عقد مؤتمرات في لبنان وشن الحملات على دول الخليج؟ لقد اعلن العرب اكثر من مرة ومن جهات متعددة بانهم على استعداد كامل لمساعدة لبنان ودعمه واقامة المشاريع التنموية فيه، شرط ان يحدد موقفه ويؤمن الاجماع لهذا الموقف ويجري الاصلاحات التي يطلبها الداخل قبل الخارج، ولكن المسؤولين يلتزمون الصمت لعجزهم عن القيام بذلك، لانهم تخلوا عن مسؤولياتهم واستسلموا. لذلك فهم غير قادرين على تحقيق الحياد، فليكفوا عن مغالطة انفسهم. العلة معروفة والعلاج معروف ولكن اليد قصيرة فلا تصل اليه.
على صعيد الداخل، تنشغل الحكومة ومعها كل الاوساط حتى الدبلوماسية منها، بتأمين الكهرباء للبنانيين وقد اعلن مجلس الوزراء في نهاية الاسبوع انه اقر مبدئياً الخطة، واعطى مهلة لوزير الطاقة لاعادة صياغة التعديلات التي ادخلت على بعض البنود. فاذا سلمت تفاصيل الصياغة من الشياطين تقر الخطة نهائياً. ولكن على ماذا استقرت؟ هل تم الاتفاق على الهيئة الناظمة وصلاحياتها وطريقة تشكيلها، بعيداً عن السياسيين، لتحظى باستقلالية تامة؟ هل تم صرف النظر عن معمل سلعاتا، الذي شكل نقطة تجاذب بين قوى رافضة له ومؤيدة؟ ان الحكم على كامل الخطة يتم بعد اقرارها بصورة نهائية.
ولا بد من سؤال يوجهه اللبنانيون، كل اللبنانيين، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، اين اصبح التيار الذي وعدنا به العام الماضي ومدد موعده نهاية العام، ثم اعيد تحديد نهاية شباط موعداً جديداً. وها هو شباط يودع والتيار الكهربائي لا يزال في خبر كان، ولا مؤشرات على تنفيد الوعود. فهل من مهلة جديدة؟ وهل من موعد جديد؟ وهل يكون نهائياً هذه المرة؟ الثقة بوعود المسؤولين مفقودة تماماً، ويبدو ان لا امل بقرب الوصول الى الكهرباء. فمصلحة مافيا المولدات هي الغالبة بدعم واضح من المنظومة، فلو تكف الحكومة عن اطلاق الوعود وسحب كلامها حول هذا الموضوع، لانها تزرع البلبلة في كل مكان. اذا كانت لوزير الطاقة الجرأة، فيطل على الناس ويحدد لهم موعداً نهائياً يلتزم به عن وصول التيار ولو لساعات كما هو مقرر بالاعتماد على الاردن ومصر ولكن التيار سراب الى ان يصل الى سدة المسؤولية اشخاص لهم القدرة على تنفيذ وعودهم.