من الجنوب الى البقاع الحرب مشتعلة وتنتظر غزة والبلد الى الانهيار الكامل في غياب رئيس
من الواضح ان الازمات المتعددة التي تعصف بالبلد ستستمر طويلاً، بعد ربطها بحرب غزة. ففي كل مرة تسري موجة من التفاؤل بقرب التوصل الى هدنة يتم خلالها اطلاق الرهائن، لا تلبث المفاوضات ان تصطدم بالمواقف المتصلبة التي تطلقها الحكومة العنصرية في تل ابيب. فنتانياهو يعمل بقوة وبكل الوسائل لمنع وقف اطلاق النار، لان هدوء الجبهات يعيده الى منزله وربما الى السجن. وازاء هذا الواقع تقابل حماس تصلبه بالتمسك بشروطها، خصوصاً وهي تدرك ان وقف اطلاق نار مؤقت، لا ينهي الحرب ولكنه يسقط بعض الاوراق الممسكة بها، وتتراجع سيطرتها لصالح منظمة التحرير، الى ان قررت فضح اسرائيل فاعلنت قبولها بالمبادرة المصرية – القطرية. فهل يعمل نتانياهو على عرقلة جديدة؟
لقد فشلت كل الجهود لفك الارتباط بين حرب غزة والجنوب اللبناني، حيث تحافظ الاشتباكات على وتيرتها التصاعدية، متنقلة بين الجنوب والبقاع اللذين يتعرضان لقصف متواصل جواً وبراً، تسعى الدولة العبرية لابقائه على سخونته. وهذا الوضع المتأزم شل البلد بجميع قطاعاته، في ظل غياب كامل للسلطة. فلا رئيس للجمهورية، ولا مجلس نيابياً يعمل، بل هو معطل بالكامل منذ انتخابه، وقد فشل في انتخاب رئيس للجمهورية، مخالفاً بذلك الدستور اللبناني الذي لم يعد مطبقاً. وكيف يمكن ان يتم انتخاب رئيس والجهات التي تملك ورقة جمع المجلس حفاظاً على المصلحة الوطنية العليا، تتجاهل كل النداءات الداخلية والخارجية التي تطالب باحترام الدستور. ولماذا تهتم السلطة بانتخاب رئيس طالما انها ممسكة بكل الامور وقادرة على تحقيق كل رغباتها؟ اما المعارضة، فتحول الانقسامات التي تعصف بصفوفها دون اتخاذ موقف واحد فاعل، يمكنه ان يغير هذا الواقع.
لكل هذه الوقائع الاليمة تستمر الحرب في الجنوب ملحقة بلبنان خسائر فادحة في الارواح والممتلكات، وترخي بظلها على الاقتصاد الذي وصل الى الانهيار التام. واخر ما سجل في هذا المجال تدحرج لبنان الى اسفل لائحة الحوكمة عربياً ودولياً وهذا يعني لا استثمارات اجنبية ولا نمو ولا تقدم على طريق اصلاح الاقتصاد.
وكأن لبنان لا يكفيه ما يعاني من ازمات، حتى تبرز الى الواجهة ازمة النزوح السوري الذي يلقي بثقله على البلد منذ العام 2011، وتأتي الدول الاوروبية التي تدعي انها صديقة للبنان فتشتري بقاء النازحين في لبنان بمليار يورو. انه كرم هدفه تدمير البلد حفاظاً على مصالح هذه الدول، التي تحاول بشتى الطرق ابعاد النازحين عنها، مع العلم ان عدد هؤلاء السوريين لا يشكل بالنسبة الى عدد سكان هذه الدول اكثر من 0،04 بالمئة، فيما هم يشكلون 40 بالمئة من سكان لبنان. فهل بعد هذا يمكن ان نصدق ان الاتحاد الاوروبي تهمه مصلحة لبنان؟
بالطبع ان الدول الاوروبية تصرفت بما يحافظ على مصلحتها وجاءت تشتري ابعاد الازمة عنها بمليار يورو وهو ليس كرماً كما يعتقد البعض، بل ثمن قليل جداً بالنسبة الى الضرر الذي يشكله للبنان. ولكن ماذا فعلت الحكومة ازاء هذا الاعتداء؟ لقد قبلت بان نتحول نحن اللبنانيين الى حرس حدود بحرية نمنع السوريين من التوجه الى الغرب والبقاء في لبنان بكل الثقل الذي يمثلونه. ان هذا المبلغ هو اشبه بثلاثين من الفضة دفعها اليهود ليهوذا الاسخريوطي ليسلمهم السيد المسيح. وكلنا نعلم كيف انتهى.
الرئيس ميقاتي نفى ان يكون المليار يورو رشوة ونحن نريد ان نصدق ولكننا نسأل مقابل ماذا دفع هذا المبلغ؟ بالطبع انه ليس هدية كما يروج البعض، فالزمن ليس زمن هدايا. اذاً ما هي الخدمة التي سيقدمها لبنان مقابل هذه «الهدية»؟
والمؤسف اكثر ان الرئيس ميقاتي طلب من الرئيس بري عقد جلسة نيابية عامة لبحث الموضوع. وبالطبع المجلس قد يدعى لتلبية الطلب ولكنه لن يدعى للقيام بواجباته الدستورية لانتخاب رئيس. فهل ان هذا المجلس تحول الى مؤسسة خاصة هدفها حماية مصالح السلطة؟ نترك للمسؤولين الاجابة على هذا السؤال.