الجراحة العامة و«الطب في الإعلام»… قلمٌ أسود ومبضعٌ خاطىء!

الأزمة كبرت كثيراً بين حملة الأقلام والميكروفونات وحملة المبضع والرسالة، وكلٌ بات يُغرّد على ليلاه، وهذا ما بان جلياً في مؤتمر الربيع الثامن عشر للجمعية اللبنانية للجراجة العامة الذي جرى بالتعاون مع الجمعية الأميركية للجراحة العامة فرع لبنان… فماذا حصل؟ ماذا عن عنوان الحدث؟ وماذا في التفاصيل التي أحاطت بالعنوان التفصيلي الذي شكّل الطاولة المستديرة بين نقيب المحررين الياس عون ونقيب أطباء لبنان البروفسور أنطوان البستاني ونقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون ونقيب المحامين جورج جريج وحمل عنوان «الطب في الإعلام»؟
«الأسبوع العربي» حضرت، والحضور الصحافي لم يكن مستحباً كثيراً الى نقيب الأطباء، أما إذا لم يكن في الأمر بدّ فممنوع توجيه أي سؤال الى الأطباء المشاركين الذين تجاوز عددهم في جلسة الإفتتاح المئة! الأطباء إلتزموا بقرار النقيب وانطلقوا في جلسات يُراد منها التطرق الى كل ما هو جديد في عالم الجراحة من أجل وضع هذا الجديد في عالم الجراحة العامة وفي متناول الأطباء. وتناول المؤتمر الذي امتد ثلاثة أيام إختصاصات كثيرة منها جراحات إصابات الحوادث والجهاز الهضمي وجراحة الأورام السرطانية وامتدادات السرطان وجراحات الشرج والكبد ومجاري الكبد والسمنة والفتوحات الإصطناعية في عالم الجراحة والعناية بالجروح وكل ما يُعنى بصحة المريض.
ذبذبات سلبية
جميلٌ إذا أن يتضافر الطب، كل الطب، من القارات الثلاث أميركا وأوروبا وآسيا، في البحث عن كل ما هو جديد ويفيد المرضى… لكن، كما سبق وقلنا، كانت هناك على هامش المؤتمر، حيث وجد إعلامي، ذبذات سلبية. بان شرخاً بين الجسمين الطبي والإعلامي إندماله يحتاج الى أكثر من «طبطبة» على الكتف وجملة «إمسحوها بذقوننا». ثمة قناعة عند الأطباء أن الإعلام «رخيص ويُباع ويُشرى وأن فيه كثير من الجهل» قبل أن يعودوا ويُصححوا بالقول: هذا بعض الإعلام لا كل الإعلام!
جلس النقباء الأربعة البستاني وهارون وعون وجريج وانطلق الكلام في ندوة «الطب في الإعلام». نقيب الأطباء بدأ يتكلم وهدرت القاعة بأكثر من صوت ينادي «كلنا معك نقيب ويا جبل ما يهزك ريح»… فماذا في كلام البروفسور؟ «إنهم يريدون ضرب القطاع الصحي الذي أصبح ركناً من أركان الإقتصاد الوطني بدليل إصرار بعض الإعلاميين على نشر الصورة المشوهة للطب والأطباء على أنها ثقافة هذا الزمن الذي بتنا نحن، الأطباء، نترحم فيه على رجالات الإعلام اللبنانيين الكبار».
«سؤ تفاهم» وليس معركة!
لطشات بالجملة وجهها البروفسور البستاني معتبراً أن «مؤتمر الربيع الثامن عشر للجمعية اللبنانية للجراحة العامة» أتى في وقته وندوة «الطب في الإعلام» أتت في وقتها أيضاً واستعان بكلمة عدم التفاهم بين الجسم الطبي والإعلام بدل كلمة «معركة» بين الإثنين وقال: الطبيب إنسان. ونحن لسنا أنصاف آلهة. نحن بشر والخطأ إذا تمّ فعن جهل. والإعلامي ليس مخولاً أن يُحاكم الطبيب ولا أحد قادراً أن يقوم باستقصاء في الطب سوى الطبيب، وليس مقبولاً تجييش العواطف والانفعالات في المسائل الطبية وإهمال المنطق العلمي».
ويستطرد «لم نُسأل عن أي مسألة طبية قبل أن تُعرض على الإعلام لهذا نقول أن معركتنا ليست عصام معلوف (الطبيب الذي كان يعالج الطفلة إيللا طنوس) بل هي معركة ممارسة الطب في لبنان».
استعان نقيب الأطباء لا شعورياً من جديد بكلمة «معركة» مختتماً: «إذا تسبب الطبيب بخطأ إرتكبه بموت إنسان فإن الإعلام يتسبب بخطأ واحد بموت العشرات».
هارون: أن كان هناك 5 في المئة تقصير فهناك 95 في المئة حالات ناجحة فلماذا لا نسمع أحد يتكلم عنها
سؤالٌ وُجه الى نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون فيه: نقيب كيف سيتمكن الطبيب أن يعالج بحرية مستعيناً بالعلم والخبرة ما دام هناك سيف مصلت عليه؟
أجاب هارون بلين أكثر من نقيب الأطباء مستعيناً بصورة مشهدية مؤذية للإعلام وللطب في آن هي صورة الطبيب المكبل اليدين والطفلة التي اصبحت بلا أطراف. صورة مؤذية بجزئيها. صورة تؤلم والتعاطي معها أتى اعتباطياً وقال: «هناك 700 ألف حالة استشفاء سنوياً في لبنان وهناك مليون مريض يدخلون الى الطوارىء وإذا سلمنا جدلاً أن هناك 5 في المئة تقصير فهناك 95 في المئة حالات ناجحة فلماذا لا نسمع أحد يتكلم عنها». ويتابع من دون ان ينتظر جواباً «لعل الموضوع كله يندرج في ما يتعلمه طالب الإعلام وهو على مقاعد الدراسة وفيه انه إذا عض الكلب رجلاً فلا خبر ولا قصة أما إذا عض الرجل الكلب فهنا يكمن الحدث»!
عون محاصراً
لا يمكن للطب وللأطباء أن يتابعوا «رسالتهم» كما يجري التعاطي اليوم. هذا رأي الأطباء. ماذا عن رأي الإعلام؟ ماذا عن رأي نقيب المحررين الياس عون؟ وسؤاله عن رأيه أتى بصيغة إستفهام: نقيب عون هناك في القانون العالمي مواد تحترم حقوق الطفل وهنا في لبنان جرى التوقيع على قانون حقوق الطفل عام 1990 ويتضمن مادة تمنع تصوير الأطفال والمتاجرة بهم في إعلام يبتغي الربح التجاري فما رأيك؟ «نورنا» نقيب؟ النقيب عون وجد نفسه في مكان يُحاكم فيه عن كل الإعلام فأجاب حاسماً: «لست حاملاً خطايا كل هذه المواضيع ولا أحد يحترم وزارة الإعلام»!
من روايات الاطباء
ماذا بعد؟ على هامش المؤتمر والندوة جلس الأطباء حلقات ولسان حالهم كلهم: كيف نتعاطى مع الإعلام؟ أطباء في اللجنة العلمية في نقابة أطباء لبنان سردوا قصصاً عن حوادث قد تحصل في غرف العمليات تخرج من أيدي ومن قدرات ومن مهارات أكبر الأطباء، وأخبر أحدهم عن جراحة كان يستعد لها قبل يومين لرجل خمسيني وقبل أن ينزل الى غرفة العمليات أصيب بنوبة قلبية أسكتته الى الأبد ويُعلق: ماذا لو تأخرت النوبة عشر دقائق؟ لو حصل هذا لكان إسمي اليوم في الصحف وعلى الشاشات ولكنت مكبل اليدين!
ماذا يحصل؟ من المسؤول؟ الأطباء والإعلام مسؤولون ولكلٍ أغلاط لا تُغتفر لكن، في كل هذا، علينا أن نتذكر دائماً أن هامش الخطأ الطبي يبقى دائماً وارداً فالأطباء ليسوا آلهة ولا أنصاف آلهة لكن الإهمال ليس خطأ والعقاب، في هذه الحالة، عند الإهمال، يكون واجباً.
نوال نصر