خطر الحرب على لبنان قائم وانتخاب رئيس مستبعد بسبب انقسامات المنظومة
المحادثات التي دارت في باريس حول الهدنة في غزة واطلاق الرهائن، رافقتها اعمال عنف تصاعدية، ان في القطاع او على الحدود الجنوبية اللبنانية، خصوصاً وان العدو الاسرائيلي مربك ومنقسم. فهناك فريق يريد تحرير الرهائن وفريق اخر يتألف من رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزرائه المتطرفين، الذين يسعون وراء الحرب، فهم يعلمون ان توقف القتال يرسلهم كلهم الى منازلهم ويدخل رئيسهم السجن. ولذلك يعمدون الى التصعيد.
هذه الاجواء الحربية الضاغطة صعّدت الحركة الدبلوماسية باتجاه اسرائيل وبيروت، لان الخطر الاكبر بات على الحدود اللبنانية، صحيح ان الجبهة هي لمساندة غزة، وان حزب الله لا يريد توسيع الحرب، ولكن الخطر الداهم هو ان نتانياهو يسعى بكل قوة الى حرب واسعة مع لبنان، ولا يهمه ان امتدت الى جبهات اخرى، لانه يعلم ان حياته السياسية انتهت. لذلك تحرك الوسطاء الاميركيون والاوروبيون، فزار المنطقة وزير خارجية بريطانيا دايفيد كاميرون، ويعقبه وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه مطلع هذا الاسبوع، وكبير مستشاري الرئيس الاميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين، الذي سيصل الى اسرائيل وربما الى لبنان اذا حقق نجاحاً في محادثاته مع العدو. كما يصل الى المنطقة ايضاً وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن. وتتركز المساعي مع المسؤولين اللبنانيين حول نقطتين اساسيتين: تهدئة الوضع على الحدود وتطبيق القرار 1701، وحث السياسيين اللبنانيين على انتخاب رئيس للجمهورية.
بالنسبة الى الموضوع الاول لا مجال للبحث في التهدئة قبل وقف القتال في غزة، وفق ما اعلن عنه الامين العام لحزب الله. ولكن الخطر هو حتى ولو هدأت في غزة، فمن غير المستبعد ان يعمد نتانياهو الى اعلان الحرب على لبنان، رغم الضغوط التي تمارس عليه من الولايات المتحدة والدول الاوروبية، باعتبار انه لم يعد لديه ما يخسره.
اما بالنسبة الى الموضوع الثاني، وهو انتخاب رئيس للجمهورية، فيبدو ان الحديث حوله تراجع بعد زيارة سفراء دول اللجنة الخماسية لرئيس المجلس النيابي نبيه بري. وكان لافتاً ما ادلى به بعد اللقاء، اذ قال ان السفراء لم يبحثوا معه في المرشح الثالث، مؤكداً ان مرشحه هو والثنائي الشيعي لا يزال الوزير السابق سليمان فرنجية، وبذلك اقفل الطريق امام كل الوساطات، ولماذا يتنازل طالما ان فريقه ممسك بالبلد بكل مفاصله، وبالتالي فانه غير مستعجل للتغيير، خصوصاً وان الفريق الذي يسمى نفسه سيادياً منقسم الى افرقاء، لا توصل كل المحادثات التي يحكى عن انها دائرة بين اطرافه الى الاتفاق على مرشح واحد ثابت. ان التغيير الذي طرأ على مواقف هذا الفريق وتخليه عن ترشيح ميشال معوض، ثم عن جهاد ازعور الذي غاب عن الساحة، رغم محاولة البعض القول انه لا يزال مرشحه اضعفه. فيما فريق الممانعة اعلن في بداية الطريق عن اسم مرشحه وتمسك به ولا يزال دون اي تبدل في المواقف. ان فريق الممانعة استطاع ان يجذب البعض الى جانبه لان موقفه ثابت فيما فريق المعارضة الذي يضم عدداً كبيراً من المؤيدين، لو عرف كيف يجمعهم لحقق الفوز بالاكثرية. ولكن طالما ان هذه المعارضة لا تزال مشرذمة وغير قادرة على التوحد حول شخص واحد وثابت، فان الامل بنجاحها سيبقى بعيداً.
انطلاقاً من هذا الواقع سيبقى لبنان بلا رئيس للجمهورية وقد تصل المنطقة الى حلول، يبقى البلد بعيداً عنها، هذا اذا لم تتم على حسابه. فالدول التي تتحرك اليوم لتسوية مشاكل المنطقة لم تعد مهتمة بلبنان، الذي اثبت سياسيوه انهم ليسوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم. فالحكومة غائبة عن اي اصلاح ولا يهمها سوى فرض المزيد من الاعباء على المواطنين وتدميرهم والمجلس النيابي مشلول تماماً كما حصل في اقرار موازنة 2024 الكارثية، التي تأمل اللبنانيون ان يصار سريعاً الى الطعن بها، وانقاذ المواطنين من كارثة حقيقية هي اكبر من ان يتمكنوا من تحملها.