لودريان عائد بدعم عربي ودولي ويحمل قضيتين: انتخاب رئيس للجمهورية وتنفيذ القرار 1701
صمتت المدافع والصواريخ على الحدود الجنوبية اللبنانية، فقفزت الملفات الداخلية وما اكثرها الى الواجهة، وعاد الجدل العقيم حول انتخاب رئيس للجمهورية، مضى ثلاثة عشر شهراً على شغور المنصب، والقوى السياسية المعنية لا تحرك ساكناً، فتولت هذا الملف قوى خارجية لم تتمكن حتى الساعة من اقناع الطبقة المسيطرة على البلد، من حلحلة العقد والمساعدة على انهاض لبنان مما يتخبط فيه. وعلى الرغم من انشغال الدول الكبرى بقضايا عالمية تخطف الانفاس كحرب غزة وحرب روسيا على اوكرانيا، فانها لا تزال تولي الوضع اللبناني اهتماماً خاصاً. فالرئيس الاميركي لم ينفك على مدى اسابيع الحرب يدعو الى عدم امتداد القتال الى الحدود الجنوبية اللبنانية. وامس بالذات اتصل وزير الدفاع الاميركي بنظيره الاسرائيلي وطلب اليه عدم ادخال لبنان في هذه الحرب. كذلك فعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي وجه رسالة الى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مهنئاً اياه بعيد الاستقلال. وجاء في الرسالة تأكيد على ان تهيئة الظروف المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة عمل، امر ملح، وان ممثله الشخصي جان ايف لودريان يواصل العمل في هذا الاتجاه. وقال «ان فرنسا نظراً للعلاقات التاريخية التي تربط بلدينا تضاعف جهودها لتعزيز استقرار لبنان وامنه واستقلاله، وان امتداد الصراع الى لبنان سيكون له عواقب وخيمة على البلد وعلى الشعب اللبناني. ولذلك يجب الا يستخدم اي طرف الاراضي اللبنانية بشكل يتعارض مع مصالحه السياحية». بالاضافة الى ذلك هناك حاجة ملحة لتحقيق الاستقرار في المؤسسات اللبنانية. فالشغور الرئاسي المستمر منذ اكثر من عام يلقي بثقله على قدرة البلاد على الخروج من الازمة الحالية وتجنب التدهور الامني المرتبط بالحرب في غزة. فمن دون رئيس او حكومة فاعلة، لا احتمال للخروج من المأزق الامني والاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي يعاني منه الشعب اللبناني.
في هذه الاجواء الداعمة يبدأ لودريان جولة جديدة من المحادثات مع الاطراف السياسية المعنية بانتخاب رئيس للجمهورية. وكان قبل وصوله قد عرج على المملكة العربية السعودية حيث التقى المستشار الخاص لمجلس الوزراء، الوزير نزار علولا، وهو مكلف ايضاً بالملف اللبناني. ووصف السفير الفرنسي في الرياض الاجتماع بانه كان مثمراً. وان فرنسا والمملكة السعودية تدعمان الاستقرار في لبنان وتدعوان للاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية. وكما في كل مرة تطرح قضية مهمة تكثر التعليقات والتكهنات. فقد ذكرت وسائل اعلامية ان لودريان سيعرض على المسؤولين الذين سيلتقيهم اقتراحين، الاول عقد مؤتمر وطني على غرار مؤتمر الدوحة، يصار خلاله الى اتفاق على اسم مؤهل لتسلم المسؤولية ويتم انتخابه رئيساً للجمهورية. او ان يعمد رئيس مجلس النواب نبيه بري الى فتح مجلس النواب، والدعوة الى جلسة مفتوحة، لا تقفل الى ان يتم انتخاب رئيس، وهذان الاقتراحان امامهما صعوبات، لا يمكن ازالتها بسهولة. اذاً لماذا جاء لودريان ان كان الامر هكذا؟ تقول مصادر مطلعة ان فرنسا لا تريد ان تعترف او ان تستسلم للفشل الذي منيت به، على مدى الاشهر الماضية، بل انها مصرة على متابعة اهتمامها بهذا الملف، ومتمسكة بمبادرتها، وان كانت تراجعت عن تأييد اي شخص. والموضوع الثاني هو العمل على تهدئة الوضع على الحدود الجنوبية، ومنع انجرار لبنان الى الحرب وقد اجرى الرئيس ماكرون اتصالات مع اسرائيل لمنع امتداد القتال الى الحدود الشمالية للدولة العبرية. وهناك مطالبات داخلية وخارجية بتنفيذ القرار 1701 ونشر الجيش على طول الخط الازرق بمعاونة اليونيفيل.
يبدأ لودريان جولته على المسؤولين اليوم بزيارة البطريرك الماروني بشاره الراعي، ثم الرئيس نبيه بري، فرئيس الحكومة، بعدها ينتقل الى معراب للقاء رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. كما تردد انه سيكون له لقاء مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد. وسيطرح خلال لقاءاته قضيتين: انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم جر لبنان الى حرب غزة، فهل ان الظروف نضجت لتحقيق هذين الهدفين؟ هذا وتستمر زيارة لودريان حتى يوم الجمعة المقبل. فهل يوفق هذه المرة بعدما فشل في الزيارات السابقة؟ قالت الاوساط السياسية المعارضة، ان فشل فرنسا عائد الى الموقف المنحاز الذي بدأت به وساطتها ثم اضطرت الى التراجع.
في هذا الوقت تتجه الانظار الى الدوحة وما يمكن ان يصدر عن الاجتماع المخابراتي الذي يضم رئيس الـ سي اي ايه، الاميركي، ورئيس الموساد الاسرائيلي ورئيس المخابرات المصرية. ووزير الخارجية القطري والبند الاول المطروح على الطاولة، وقف اطلاق النار بصورة دائمة، والبدء بالعمل على تحقيق حل الدولتين، الذي اثبتت الوقائع ان لا سلام في المنطقة بدون اعطاء الفلسطينيين حقوقهم، واقامة دولتهم في الضفة والقطاع، وتكون عاصمتها القدس الشرقية. فهل يوفق المجتمعون في مسعاهم؟ الامر في غاية الصعوبة لان نتانياهو يعرف انه فور توقف القتال ستسقط حكومته ويعود الى منزله وربما الى السجن، نظراً للدعاوى المقامة ضده وقد حاول ضرب القضاء انقاذاً لنفسه، فهل يقبل بوقف النار؟