اجرام العدو الاسرائيلي يتصاعد والمنظومة تماطل في التمديد لقائد الجيش خدمة لمصالح شخصية رخيصة
الاجرام الاسرائيلي في الحرب على غزة بلغ الذروة في الايام الماضية. فقصف جيش العدو المدارس ولم يوفر تلك التي تشرف عليها الامم المتحدة، فأوقع مئات الضحايا بين قتيل وجريح وافرغ مجمع الشفاء من النازحين والمرضى دون اي حس انساني، بل ارغمهم على الخروج بطريقة وحشية، ولم يوفر الجهاز الطبي. ثم عمد الى العبث بغرف العمليات والمختبرات زارعاً الفساد والدمار والموت الزؤام. ولم تقتصر اعتداءاته على مجمع الشفاء وحده، بل شمل عدداً من المستشفيات، رافضاً كل الوساطات الناشطة لتحقيق هدنة انسانية، وفتح ممرات آمنة لادخال المساعدات الى السكان الذين هجرهم من منازلهم، وقد بدأت المجاعة تهددهم.
في هذا الوقت تستمر الاعتداءات والاستفزازات الاسرائيلية على الحدود مع لبنان. ويقصف جيش العدو عدداً من القرى والحقول زارعاً الدمار، ومشعلاً الحرائق في المزروعات. وعلى الرغم من الاراء التي تتحدث عن ان ذلك يجري ضمن قواعد الاشتباك، الا ان القصف بدأ يتوسع بعيداً عن الحدود، فترد عليه المقاومة الاسلامية بالاسلحة المناسبة وتلحق به الاضرار. الا ان هذا التوسع في رقعة الاشتباكات والقصف ينذران بتفلت الامور، بحيث قد يقع حادث كبير يؤدي الى خروج الوضع عن السيطرة، فيدخل لبنان في حرب غير قادر من جميع النواحي على تحملها. ومن هنا كثرت المطالبات بتسليم الحدود الى الجيش اللبناني بمعاونة قوات حفظ السلام (اليونيفيل) وفقاً للقرار 1701، الذي لم يحترمه العدو يوماً. وكل ذلك يجري امام اعين العالم كله، الذي يلتزم الصمت حيال هذه الجرائم المروعة.
والحرب في غزة والاشتباكات الدائرة على الحدود اللبنانية بدأت تداعياتها تظهر بوضوح على الداخل اللبناني، سياسياً واقتصادياً. على الصعيد السياسي تراجع الحديث عن ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، في هذه الظروف الصعبة التي تحتم الاسراع في انجاز هذا الاستحقاق، ليكتمل جهاز السلطة فتصبح قادرة على الامساك بزمام الامور. الا ان المعنيين يديرون الاذان الصماء، ويتصرفون وكأن البلاد في احسن حال. وحيال هذا الامر تتحمل القوى السياسية المسيحية القسم الاكبر من المسؤولية، لان الخلافات التي تتحكم بالعلاقات في ما بينها اضعفتها وجعلت القوى الاخرى لا تحترم حقوقها، طالما هي منشغلة عنها. فلو كانت القوى المسيحية متضامنة وملتفة على بعضها لشكلت قوة فاعلة تؤثر في مجرى الاحداث. ولا بد من نصيحة الى هذه القوى ان تكف عن التصريحات التي لا تنفع بشيء. فاما التحرك الفاعل والا فالصمت انفع.
واهمال الاستحقاق الرئاسي بدأ ينعكس على قضايا اخرى لا تقل اهمية، وفي طليعتها التمديد لقائد الجيش، الذي لا يجوز المس به ولبنان مهدد بحرب مدمرة. والمثير في الامر ان معارضة البعض للتمديد ليست نابعة من مصلحة وطنية ولا من مصلحة الجيش، بل من اجل مصالح شخصية رخيصة يعرفها الجميع، مهما حاولوا نكرانها. واذا كان البعض حريصاً على صلاحيات رئيس الجمهورية، فالواجب يقضي بان يترك تعيين قائد الجيش الى الرئيس المنتظر، وهو القائد الاعلى للجيش. فكفى تلاعباً بمصالح كبرى خدمة لمصالح صغيرة لا تهم سوى اصحابها. وكفى استخفافاً بعقول الناس.
وتداعيات الحرب الدائرة تنعكس على الاقتصاد اللبناني، اذ ان الاحصاءات تؤكد تراجع الشركات، وتوقف كل المشاريع، وركود الاسواق بنسبة كبيرة. ويزيد الامر سوءاً الاداء السياسي لهذه الحكومة التي اثبتت ان مصلحة الناس لا تعنيها، لا من قريب او بعيد. وليس ادل على ذلك من موازنة العام 2024 الجارية مناقشتها في اللجان وهي الخالية من اي اصلاحات او تقديمات، صحيح انها كما يقال لا تتضمن ضرائب جديدة لانه لم يبق باب الا وطرقته في هذا المجال، ولكنها رفعت الرسرم بشكل عشوائي غير مدروس، يعجز المواطن الذي يعيش حياة طبيعية ان يتحمله، فكيف بالمواطن اللبناني الذي انهكته المنظومة على مدى عشرات السنين ونهبت امواله وافقرته، ودفعت السواد الاعظم الى الهجرة بحثاً عن حياة كريمة. والخطير في هذه القضية انه اذا لم تقر هذه الموارنة في المجلس النيابي، باعتبار انه هيئة انتخابية، لا يحق له التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، فان الحكومة ستصدرها بمرسوم، ويقع المواطنون في الهوة العميقة اذ يستحيل عليهم تحمل الاعباء التي تفرضها هذه الموازنة وعندها لن يصبح امام هذا الشعب الصامت الا ان يتحرك لمواجهة ظلم طبقة طغت وتجبرت حتى اوصلت البلد الى هذا الجحيم القاتل. صحيح ان هذا الشعب نائم لا يتحرك، ولكن عندما يقرصه الجوع وقد دخل من ابواب كثيرة، فانه سيثور حتماً متخطياً كل الحواجز والتهديدات.
سارعوا الى التمديد للعماد جوزف عون واللواء عثمان لتستقر المؤسسات الامنية، واتركوها تعمل لانها الوحيدة الباقية تعمل رغم كل ما اوقعتموها فيه من ظلم وحرمان.