تصعيد في غزة يقابله تصعيد على الحدود الجنوبية اللبنانية فهل ينزلق البلد الى الحرب؟
تحرك رسمي غير فاعل والحل الوحيد انتخاب رئيس للجمهورية واعادة بناء السلطة
الايام الثلاثة الماضية كانت كارثية على قطاع غزة، اذ صعد العدو الاسرائيلي اعتداءاته على القطاع بشكل غير مسبوق فشن غارات مكثفة بحراً وبراً وجواً على المنازل والاماكن السكنية مستهدفاً المدنيين، فارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين حتى تجاوز الثمانية الاف وفاق عدد الجرحى العشرين الفاً.
هذا التصعيد قابله صمت دولي، وطغى صوت المدافع على اي كلام عن وقف لاطلاق النار، وفشلت كل المحاولات في انهاء هذه الموجة الاجرامية المدمرة بما في ذلك الوساطة القطرية، التي سعت الى هدنة يتم خلالها تبادل الاسرى، لان اسرائيل رفضت اي كلام عن وقف للقتال، متسلحة بالدعم الدولي.
الوضع المتدهور في غزة انعكس على الوضع في جنوب لبنان، فتوسعت رقعة القصف الاسرائيلي. وفيما كانت محصورة بمسافة اربعة او خمسة كيلومترات عن الحدود بلغ القصف الاسرائيلي اكثر من 20 كيلومتراً، فشن طيران العدو غارة على جبل صافي، زعم ان صواريخ اطلقت من هناك باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة. هذا التصعيد زاد المخاوف من انزلاق لبنان نحو حرب، غير قادر على تحمل تداعياتها، ويرفضها معظم اللبنانيين، نظراً للاوضاع الكارثية التي يمرون بها. وزاد من المخاوف التصريح الذي ادلى به الرئيس نبيه بري. فهو الذي اعتاد ان يكون عنصر تهدئة، ووقف منذ بداية الازمة موقفاً رافضاً للحرب، اعلن في حال صعّد العدو في غزة، فانه يؤيد تأييداً مطلقاً اي قرار يتخذه حزب الله.
ولكن ماذا عن موقف الحكومة، وهي التي من المفترض ان تكون ممسكة بكل السلطات؟ لقد اعلن رئيسها قبل ايام وبصورة صريحة وواضحة انه لا يملك القرار، متنازلاً عن السيادة، فزرع اليأس في النفوس، وزاد من عزلة لبنان وفقدان الثقة به. واعلن ميقاتي انه سيقوم بجولة على الدول العربية طالباً مساعدتها ودعمها للابتعاد عن الحرب. وقد بدأ الجولة بالفعل من قطر حيث قابل اميرها الشيخ تميم بن حمد. ولكن لا ينتظر الكثير من هذه الجولة لان الثقة بلبنان اصبحت شبه معدومة. فقد عقدت في الاونة الاخيرة مؤتمرات عدة في الاردن ومصر وغيرهما، حضرتها معظم الدول المحيطة بفلسطين والبعيدة عنها. وحده لبنان كان غائباً، لانه لم يدع اليها. فبعدما كان يعول عليه في الملمات، لما كان له من كلمة مسموعة ودور بارز، يوم كان سيد نفسه يملك كامل سلطاته وحقوقه، اصبح اليوم، مهملاً منسياً بلا كلمة ولا تأثير.
ويساعد على هذا الانهيار وزراء لا يتمتع بعضهم بالمواقف الفاعلة التي يتوجب على رجال الدولة ان يقفوها. وهم لا يتقيدون لا بالقانون ولا بمقررات المجلس، بل ان كلمة من يقف وراءهم هي وحدها المسموعة. وهم بذلك يحمون مصالح من يمثلون لا مصلحة الوزارة التي يستولون عليها. فالقانون عندهم يطبق لخدمة مصالحهم ومصالح داعميهم، دون مصلحة البلد والمواطنين. لذلك يركز بعض الغيارى على هذا الوطن في توجيه الدعوات الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية يكون المنطلق الى اعادة تكوين السلطة واطلاق المؤسسات المشلولة وعودتها الى العمل من جديد. فنحن اليوم بحاجة الى حكم متكامل وحكومة فاعلة تمسك بزمام الامور وتحقق الاصلاح وتعيد بناء الدولة. وهناك ملفات كثيرة في غاية الاهمية تتخبط هذه الحكومة في ايجاد الحلول لها وابرزها قضية النزوح السوري الذي يتحول يوماً بعد يوم الى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في كل لحظة. وهناك الشغور الزاحف الى المؤسسات من رئاسة الجمهورية الى قيادة الجيش التي يقترب حلولها بعد اسابيع معدودة. فتصوروا جيشاً بلا قيادة. فعندما يحال قائد الجيش الى التقاعد في العاشر من كانون الثاني المقبل، يفترض ان يتولى القيادة رئيس الاركان، اذا تعذر تعيين قائد اصيل. ولكن مركز رئيس الاركان شاغر ايضاً، فمن يتولى زمام الامر ولبنان يمر في ادق مرحلة من تاريخه؟
يتحدثون عن خطة طوارىء يجري الاعداد لها، اذا اشتعلت الحرب. ولكن من يؤمن بكل الخطط التي تضعها هذه الحكومة، هي التي فشلت في كل ما حكي عن خطة مالية واخرى اقتصادية وثالثة للتعافي الى اخر المعزوفة. لقد جاءت كلها عكس ما كان يجب ان تكون عليه. فركزت كلها على استغلال المواطن، حتى كادت تقضي عليه، ولم ينفذ اي منها. حتى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي. لقد مر عام ونصف العام على الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل اليه، وحتى الساعة الامور واقفة تراوح مكانها. وحده المواطن ضحية هذه السلطة غير الجديرة بالثقة والمسؤولية.