المواقف اللبنانية المتصلبة وقصيرة النظر تعطل التحرك الدولي لانهاء الشغور الرئاسي
ازمة النزوح التي تهدد الكيان سببها تقاعس رسمي لبناني وعدم تجاوب سوري
الدول المنشغلة بقضايا كبيرة، هي بالنسبة اليها اهم من القضية اللبنانية، لا تزال رغم ذلك تولي لبنان بعض الاهتمام، وهذا يدل على اهمية هذا البلد، استناداً الى الدور الذي لعبه في الماضي يوم كان يحكمه رجال اكفياء حولوه الى مستشفى الشرق وجامعة الشرق ومنارة في هذه المنطقة. فالامم المتحدة وبلسان ممثلة الامين العام للمنظمة الدولية انطونيو غوتيريش دعت الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، يضع البلاد على الطريق الصحيح، عبر تشكيل حكومة فاعلة تقوم بالاصلاحات اللازمة ويطالب بها الجميع. كذلك التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وسفير المملكة في بيروت وليد بخاري حول دعوة اللبنانيين الى انهاء الشغور القاتل في الرئاسة الاولى، واستعادة السيادة وفرض الامن ومنع تهريب المخدرات وتنفيذ الاصلاحات. هذا فضلاً عن تحرك اللجنة الخماسية، بعد تراجع الدور الفرنسي وتقدم الدور القطري الذي سينشط اكثر في مطلع الشهر المقبل، ورغم انه مستمر اليوم.
اذاً الاهتمام الخارجي مؤمن، ولكن المشكلة الكبرى هي في سياسيي هذا البلد وقصر نظرهم، الساعين وراء مصالحهم الخاصة ومصالح الجهات الخارجية التي تقف وراءهم وتدعمهم، وبالطبع ليس من اجل خدمة لبنان، بل لتنفيذ مآربها.
انطلاقاً من هذا الواقع المؤلم تتجه الانظار الى الدور القطري الذي ينشط بقوة، بدءاً من التحرك الذي يقوم به ابو فهد جاسم آل ثاني الذي يجول على السياسيين اللبنانيين المعنيين بالازمة الرئاسية، بعيداً عن الاعلام، فاجتمع الى الرئيس نبيه بري، والرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد رعد عن كتلة الوفاء للمقاومة، والنائب جبران باسيل عن التيار الوطني الحر، وهو مستمر في جولاته، تمهيداً لقدوم وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد الخليفي، الذي تردد انه يحمل معه افكاراً جديدة سيطرحها على المسؤولين اللبنانيين، قد تساعد في انتخاب رئيس للجمهورية، ويعلق عليه اللبنانيون الكثير من الامل نظراً لما لقطر من دور فاعل. فهي على علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية ومع ايران ومع الولايات المتحدة، وهذا كله يساعد على الحلحلة، فهل تنجح قطر حيث فشلت فرنسا، ام ان المبادرتين تكملان بعضهما. وتبقى المسؤولية على عاتق اللبنانيين.
هذا الجو الايجابي تقابله موجة تشاؤم سببها ما تسرب عن محادثات ابو فهد جاسم، اذ تقول التسريبات ان الاطراف اللبنانية على موقفها وعلى تصلبها، وكل طرف متمسك بطروحاته. فالممانعة مصرة على ترشيح سليمان فرنجية وترفض البحث في الخيار الثالث، يقابلها موقف معارض متمسك بالدستور وهو مستعد لقبول النتيجة اياً تكن. فمن هي الجهة القادرة على تليين هذه المواقف المتصلبة، وهل ان المبادرة القطرية مدعومة دولياً وعربياً ستحقق التغيير؟
في هذه الظروف الصعبة، وبعد عام من الشغور الرئاسي الذي انعكس انهياراً في مختلف الميادين سياسياً واقتصادياً ومالياً ومعيشياً، فيما الاطراف اللبنانية تدير ظهرها لكل ما يخدم البلد، وتسعى وراء مصالحها، تبرز ازمة تدفق النازحين السوريين الذي فاق كل الحدود، واصبح يشكل خطراً وجودياً على البلد، في ظل عدم جدية في الموقف اللبناني الرسمي، وهو في الاساس المسؤول الاول الذي اوصل هذه الازمة الى هذه الدرجة من الخطورة، يوم رفضت الحكومة اقامة مخيمات على الحدود تؤوي النازحين وتضبطهم، فتركت لهم الحرية فتغلغلوا في المجتمع اللبناني ودخلوا كل قرية ومدينة، حتى بات احصاؤهم وضبطهم صعباً كثيراً.
وهي لا تزال بعيدة في تراخيها وعدم الجدية في معالجة هذه الازمة الخطيرة. يضاف الى ذلك امران. الاول يتمثل في عدم رغبة النظام السوري في اعادتهم، وهو اليوم يستعملهم ورقة ابتزاز للحصول على الاموال لاعادة اعمار ما هدمته الحرب. ولذلك فان اي حوار في هذا الموضوع من المستبعد ان يلقى النجاح. والامر الثاني هو المؤامرة المكشوفة التي يقودها الاتحاد الاوروبي وبعض المنظمات الدولية التي تخشى من ان يتحول النزوح السوري نحو دولها التي تسعى بكل قواها لمنع دخولهم الى اراضيها. وهذا الموقف التآمري المكشوف يحتم على المسؤولين اللبنانيين مواجهته بقوة وحزم، خصوصاً وان لبنان لم يوقع على الاتفاق الدولي المتعلق باللجوء، وهو غير ملزم بان يستقبل لا اللاجئىن ولا النازحين. فلماذا كل هذا التراخي؟
في القضيتين رائحة مؤامرة. فالشغور كما يقول البطريرك الراعي متعمد، لابعاد الرئيس المسيحي الوحيد عن الجامعة العربية. وفي الخارج تسعى الدول لحماية مصالحها وابعاد النازحين السوريين عنها، حتى ولو ادى ذلك الى انهيار لبنان بالكامل فهل يستفيق اللبنانيون على هذا الواقع الاليم، ام انهم مشاركون في المؤامرة؟