الأسبوع الثقافي

الشاعرة ايناس مخايل… قصائد نابعة من الذات الانسانية

وقّعت الشاعرة والاعلامية ايناس مخايل ديوانها الشعري الجديد الذي يحمل عنوان «نبدأ من جديد» وهو الرابع لها بعد: نار لا تنطفىء – هكذا نملك الدنيا – رسالة فرح. يقع الديوان في 175 صفحة من القطع الوسط، ويتضمن مجموعة كبيرة من القصائد التي تدور حول موضوعات مختلفة، وللحب حصة الأسد. ولا غرابة في ذلك، فلولا هذه الكلمة الصغيرة قي حجمها والكبيرة في جوهرها، لما كان هناك شعر وشعراء! وقد استطاعت الشاعرة، في «نبدأ من جديد» ان تعبّر عن الحب وكل ما يمّت اليه بصلة، كالاحلام والآمال، كالشوق والحنان، كالوجع والحنين… بكثير من الصدق والابداع، ومن الفهم والعمق، في لغة شعرية جميلة تشدّ القارىء اليها بدلاً من ان تبعده. وايناس مخايل تكتب القصيدة الحرّة والمميزة، المفتوحة على الحياة… القصيدة الحرّة التي لا تعترف بالحدود والسدود، القصيدة النابعة من الذات الانسانية التي تختزن كل المشاعر وكل الاسرار… وكما في كتاباتها الابداعية، كذلك في احاديثها الصحافية، فان ايناس مخايل تعبّر عن آرائها ومواقفها واهدافها بحرية وجرأة حول مختلف الموضوعات… وهنا الحوار معها عن ديوانها «نبدأ من جديد» العابق بالحب والحنين والالهام.

في ديوانك الجديد «نبدأ من جديد» نفحات من الحب الشفاف والصادق، تترجح قصائده بين الفرح والحزن معاً… فهل كُتب للشعراء والعشاق عدم الراحة؟
انها المشاعر الانسانية هي المحور، بكل ما تحمل من تقلبات واوجاع وسلام. نحن نعيشها كبشر بتفاعلاتها وانفعالاتها قبل ان نكون شعراء او عشاق، ومنها يتأتى الشعر والحب بكل وجوهه. لعلّ ابرز المعالم تكمن في المشاركة والمحبة، اذ لا خلاص من دونهما.
ان النفس البشرية هي انعكاس لجماعة ونتاج اوضاع واحوال… ان كنا نبكي مع الباكين ونفرح مع الفرحين فنحن ننتمي الى البشرية. وان كنا في عالمنا الخاص لا يهمنا مَن حولنا فنحن نعيش في غابة. هناك الكثير من العادات والتقاليد والامثال والاقوال واساليب عيش تعزز مبدأ الانانية وتعمل من اجله. ومن المؤلم ان الشعراء والعشاق هم من القلّة الذين يعرفون ان لا خلاص الا بالمشاركة والمحبة حتى ننعم بالراحة والهدوء والسلام، وهذا شأنهم وقضيتهم وهدفهم وتتمحور حوله كل احلامهم وطموحاتهم.

لا يقهر الزمان الا الحب
ما هو مفهومك للحب؟

كتبت اربعة كتب وما زلت اكتشف الجديد في مفهوم الحب. انه مكافأة السماء للبشر، يغلّف الحياة بشفافية ويعطيها القدسية ويحصنّها من العبثية.
فكيف لنا ان نصف ما لم نعرفه بعد بشمولية كاملة؟ ولم نره كما هي الحقيقة؟ أي عشق يضاهي هذا الكم من عطاءاته؟ اي هوى يماثل تضحياته الجسام؟ او اي هيام الى غد مشرق؟
نعم، الحب نور ونار. لقد اعلنت في كتاباتي مفهومي للحب. منها:
– الحب هو اتخاد الكل في مشيئة واحدة.
– الحب لا يخيّرنا… يجمعنا ويبعثرنا، انه نظام الكون والطبيعة.
– لا يقهر الزمان الا الحب.
– بالحب وحده تكون الحرية.
– الحب يرفعنا الى مستوى التحلق والابداع، الى مستوى المغفرة.
– في الحب يتحقق المستحيل، وتتكامل الاضداد، وتتحد الصورة، هو احساس متجدد مع الحياة وتغيّرها، هو يربط الزمني بالأبدي.
– الحب صلة وصل بين هذا العالم، وعالم الاساطير والاحلام.
وكثيرة هي القصائد التي اظهرت مفهومي للحب، ولا يسعني تعدادها كلها، اخترت الابرز من كل ما كتبت.
واريد ان اوضح، ان للحب طبيعتين: جسدية وروحية، ولا يعيش إلاّ بالاثنتين. مَن يحب لا يؤذي، لا يستسلم لأية تجربة، يقاوم، وان وقع يقف من جديد. درب الحب هي نفسها درب الخير، ودرب الخير هي الاخلاق، وبهذه المعادلة وحدها نحقق الانتصار على ضعفنا وعلى مَن يستضعفنا، ودائماً مع الحب «نبدأ من جديد».

الحب هو شعور انساني لا تحدّه كلمات…
ما دور الحب في الشعر، والعكس؟

الحب بشموليته ووجوهه هو الدافع والمحرّك للشعر. حب الخير يجعلنا نحارب الشر. حب الجمال يبعدنا عن البشاعة. حب الحقيقة يضعنا في مواجهة مع اعادئها. وهكذا… كل شيء نحبه هو وليد مشاعر انسانية، والتعبير عن هذه المشاعر بلغة معيّنة قد يأتي شعراً.
وهنا اشير الى كلام قلته في زاوية «يتيمة الدهر» في مجلة «الحوادث» تحت عنوان (الحب لغة): «اللغة حياة والحياة حب والحب لغة. ومن هنا، نرى اساليب جديدة اخترقت مملكة القلب. فدخول التكنولوجيا ووسائل الاتصال السريعة جعلت الكثيرين يلجأون اليها، واعتمدوها ليس كوسائل تخدم راحتهم، انما وسائل تبعدهم عن الحقيقة، ويغيبون عن الجوهر. اذا كنا قد سلّمنا بأن الحب لغة، فهذا لا يعني تحويل القلب الى آلة. فالآلة مأمورة وانما القلب هو الآمر. انسان هذا العصر يواجه اصعب حرب. الحرب على انسانيته، التي تسعى الى افقاده احاسيسه ومشاعره، وتجعله دمية في ايدي المال والسلطة. الحياة ترفض ما عداها، تحتم علينا التماشي معها في تغيراتها وتقلباتها، من دون خسارة مبدأها الاساسي، وهو العيش بحرية وكرامة وسيادة.
وانطلاقاً من هذا الكلام يكمن دور الشعر في الحب عندما نقدر ان نزرع عبر كتاباتنا هذه القيم، فيكون الحصاد كثيراً، وما على الشاعر الا تمثيل هذه القيم عبر عبارات وجُمل تساعده على خرق الآخر والتأثير به حتى يمكننا جميعاً الاتحاد في الحب. بين الشعر والحب علاقة تربط الخالق بالمخلوق، والانسان بأخيه، من دون التقيّد لا بعرق ولا بدين ولا بجنس… نردّد دائماً قصائد لا نعرف ما هي هوية صاحبها وانتماءاته والتزاماته. هذه هي روعة الشعر وروعة الحب. لا حب لا شعر. لا شعر لا حب. الحب هو شعور انساني لا تحده كلمات، انه ممارسة يوميّة تأخذ صوراً شعرية، تحكي حكايات البطولة والعظمة والاسطورة.
وأنهي باختيار من «نبدأ من جديد»: «كونوا من المؤمنين بالحب. وما الايمان إلا هذا النسيج بين الواقع والاسطورة».

كتابة الذات بكل اختلاجاتها…
لمن تكتب الشاعرة ايناس مخايل الشعر؟

اكتب ذاتي بكل اختلاجاتها. في ديوان «رسالة فرح» صفحة 143 جاء: «الآخر جزء من الذات». هذا الآخر الذي في داخلي يقرأني وأنا اكتبه قبل أي من القرّاء. أخاطبه ويخاطبني، احبه ويحبني، يشكو لي واشكو له، يفرح معي ويحزن معي. هذا الآخر هو الأنا والأنتم. هو الأنا والنحن.
وفي ديوان «هكذا نملك الدنيا» قلت صفحة 78 و79:
«فيا ورقتي
لفيني هدية
الى مَن تضمنت احاسيسي احاسيسهم
ومشاعري مشاعرهم
واجعليني في قلوبهم
نبضاً يعلن الحياة».

نعم، الى كل هؤلاء اكتب.
في قصائدك حنين الى الماضي بكل ما فيه من ذكريات… ما الذي يشدك الى زمن فات؟
هو الحب الجاذب الاول والوحيد الى الماضي والى الحاضر، وهذا ما وضحته في اجوبتي السابقة. فالحب ابدية والثبات بالحق والحب حتى الابدية. هو الجديد كما قلت في بداية «نبدأ من جديد» وجاء في احدى قصائدي: «أنت زمني الباقي الى الابد».

الماضي خطوة الى المستقبل
الى أي حدّ نستطيع الهروب من الماضي ونبدأ من جديد؟

ليس المطلوب الغاء الماضي. الماضي اساسنا، هو صورتنا الاصيلة، التي من دونها لا امتداد. هو مَن يعلّمنا. عندما نقول «نبدأ من جديد» هذا لا يعني محو الماضي وحقيقة تاريخنا، انما هي عبارة تحثنا على القيامة من واقع يرمي بثقله علينا بكل ما فيه من آلام وأحزان وتجارب ومحن وصعاب… علينا تخطي العذاب وتجاوز القهر، بقوة مبنية على قيّم الحق والخير والجمال والحرية والحب، وبثبات قوامه الايمان والمعرفة والسعي والارادة.
كل هذه المعاني الجميلة زرعت فينا من ماضٍ جميل، ولكي تستمر علينا ان«نبدأ من جديد» متمسكين بجذورنا واصالتنا وساعين الى الافضل والاحسن برجاء وامل وحب. وعلى الانسان ان يتعامل مع ماضيه بمصالحة تحوّله عدم النظر الى الوراء بل تكون الحافز الى الامام. وهذا ما قصدته، لا الهروب. فالماضي خطوة الى المستقبل، هكذا هي الحياة. ولولا الماضي لا حاضر .

مَن هو الحبيب؟
في بعض نصوصك الشعرية تكتبين وكأنك بلغت من العمر عتياَ، وانت ما زلت في عمر الربيع… لماذا؟

لأنني احببت وتألمت، لأني احسست وبكيت. لاني قرأت وتعلّمت. ولان كل ما مرّ بي ومررتُ به كتبتُ.
اللافت، ان صوت الشاعرةفي «نبدأ من جديد» هو الابرز، وهو الاعلى… فهي تبوح بمكنوناتها المختلفة، من حب وحنين وحرقة وقلق… فأين صوت الحبيب؟
مَن هو الحبيب وسط هذا الكم من البشر؟ مَن هو الحبيب إلاّ الأنا المتمركزة في داخلنا والباحثة عن الآخر في اعماقها ومن حولها؟ مَن هو الحبيب إلاّ القادر على امتلاكنا بالفكر والجسد؟ الحبيب هو الذي اذا جلسنا بمفردنا حضر في ذاكرتنا وخيالنا. هو الذي اذا سكتت كل الكلمات يبقى كلامه محور اهتمامنا. هو ان اغمضنا جفوننا تضيء عيناه عتمة ليلنا. هو فرح القلب وابتهاج النفس وغبطة الروح. الحبيب هو مَن عرف كيف يشغل حواسنا واحاسيسنا بالذي يكنه لنا. ان سكتَ تكلمتُ، وان تكلمتُ سكتَ. فصوته صوتي، وقلبه قلبي وروحه روحي. فلا يعود انا وهو بل نصبح نحن، وما اجمل هذا.

للشعر الحرّ أهمية كبرى
تكتبين الشعر الحرّ الذي هو سمة العصر، ما اهمية هذا النوع من الشعر في رأيك؟

لهذا النوع من الشعر اهمية كبرى، لانه يبحث عن مصادر ايحاء جديدة وليس طموحه فنياً صرفاً، هذا الاسلوب يقدّم الامكانات من قوة تعبير، وتوازن ايقاعي، ومجانسات صوتية، وتناسقات ومتناقضات في الشكل والجوهر. كل ذلك يساعد على الغوص في الحقيقة واكتشاف مدلولاتها.
ان اهمية الشعر الحرّ انه يخرج من كل تحديد ويمثّل انعكاسات مختلفة. ويعتمد على الحميمية والتأثير ويبلغ الى اعماق النفس البشرية ومكنوناتها. والاهم ان كاتب هذا الاسلوب له رؤيته الخاصة للعالم وللحرية. الشعر الحرّ هو ثورة الفكر وهو نوع من النضال المتواصل للانسان ضد مصيره. ويمكننا القول، انه صورة عن الروح نفسها وفي هذا ذروة اهميته.
وكيف تتصورين مستقبل القصيدة الحرّة؟
ان مستقبل القصيدة الحرّة هو مستقبل الانسان بكل ابعاده وتطوراته النفسية والروحية، والقصيدة الحرّّة هي مرآة لكل ما في داخله من اشواق واحلام واهداف لا تتحقق الا بايحاءات ترسم المصير الانساني على الاصعدة والمجالات كافة. ومن هنا، ارى اهمية دور الشعراء في رسم خريطة جديدة لعالم جديد، ومن دونهم لا صورة انسانية حقيقية لاختلاجات الضمير وتطلعاته الى افق الحرية حيث النور والحياة.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق