حرب شوارع في عين العرب ودعوات لشن عملية برية

تطورات مثيرة تشهدها مدينة كوباني الكردية على الحدود السورية – التركية. فالمدينة التي يصر تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» على احتلالها مهما كلف ذلك من ثمن، يصر سكانها الاكراد على حمايتها، والى الدرجة التي يقوم البعض من ابنائها وبناتها بتنفيذ عمليات انتحارية لايقاع الاذى في صفوف غزاتها،. وصدهم عن الدخول اليها.
وفي المقابل، هناك عمليات القصف الجوي الذي تنظمه طائرات تابعة لدول التحالف، حيث تتواصل الغارات وعمليات القصف الصاروخي، وتلحق الضرر بقوات داعش التي تقول التقارير انهم اصبحوا في داخل المدينة، وانهم يخوضون حرب شوارع مع المقاتلين الاكراد الذي يدافعون عنها.
وتشير آخر المعلومات الى ان قوات داعش تراجعت من بعض المواقع، تحت ضغط القصف الذي يقوم به التحالف، لكنها تعيد ترتيب اوضاعها من اجل استعادة المواقع التي انسحبت منها، وانها تواصل الاحتفاظ بمواقع داخل المدينة.
ما يجري في مدينة كوباني، اثار جدلاً واسعاً على الساحة. وتجاوز الجدل مسألة المفاضلة بين القصف الجوي والزحف البري الذي تطالب به بعض الدول، ومنها تركيا. وتتصدر الحالة الجدلية مسالة الموقف التركي مما يجري، حيث تصر انقرة على ان يتم التعامل مع الموقف بحملة برية وليس قصفاً جوياً.
ضغوطات شعبية
وفي الاثناء تتعرض حكومة رجب طيب اردوغان الى ضغوطات شعبية يقوم بها اكراد اتراك هدفها دفع انقرة الى مساندة اقاربهم وابناء جلدتهم في الجانب السوري.
ميدانياً، وبحسب التقارير العسكرية والاعلامية، يشن تنظيم الدولة الاسلامية هجوماً في شرق مدينة عين العرب السورية الكردية بهدف استعادة احياء انسحب منها ليلاً بعد ضربات طائرات الائتلاف الدولي التي قتل فيها 45 مقاتلاً جهادياً خلال اليومين الماضيين.
هجمات واشتباكات
وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن، تدور اشتباكات عنيفة في شرق مدينة عين العرب بعدما شن تنظيم الدولة الاسلامية هجوماً لاستعادة الاحياء التي فقد السيطرة عليها.
وكان المرصد ذكر في وقت سابق ان مقاتلي التنظيم انسحبوا ليلاً من مناطق عدة في شرق مدينة عين العرب ومن الاطراف الجنوبية الغربية. واوضح المرصد ان الانسحاب جاء بعد استهداف مواقعهم الخلفية بالغارات ما خلف خسائر بشرية في صفوفهم كما تأكدت اصابة اربع عربات على الاقل للتنظيم.
وتمكن التنظيم مساء الاثنين الفائت من دخول كوباني التي يتقدم نحوها منذ اكثر من ثلاثة اسابيع، بعد معارك ضارية مع مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية. وسيطر على ثلاثة احياء في شرق المدينة وتمركز على بعض الاطراف الجنوبية والجنوبية الغربية قبل ان يتمكن المقاتلون الاكراد من صده، ما اجبره على التراجع بعض الشيء.
حرب شوارع
ووفقاً للتقارير، دارت حرب شوارع بين المقاتلين الاكراد وعناصر تنظيم الدولة الاسلامية في احياء عدة من مدينة عين العرب السورية المهددة بالسقوط في ايدي عناصر داعش رغم ضربات التحالف الدولي التي يعتبرها الاكراد غير كافية.
وبعد ثلاثة اسابيع على بدء الهجوم على عين العرب تمكن عناصر التنظيم من الدخول الى هذه المدينة الاستراتيجية الكردية الواقعة على الحدود مع تركيا.
وسيطروا اولاً الاثنين على ثلاثة احياء في الناحية الشرقية للمدينة قبل ان تتوسع المعارك الى جنوب وغرب المدينة التي تكتسب اهمية كبرى بالنسبة الى الاكراد الذين يدافعون عنها بضراوة لكنهم اقل عددا وتسلحا من عناصر داعش المجهزين بدبابات.
وشنت طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة مجدداً ضربات على مواقع يسيطر عليها التنظيم في جنوب غرب كوباني.
وخلت المدينة في الاسابيع الماضية من غالبية سكانها الذين تخوفوا من ردود انتقامية يقوم بها الجهاديون الذين يرتكبون فظاعات في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في سوريا والعراق مثل اعمال الاغتصاب والاعدام.
وتناقلت الوكالات تصريحات لناشط كردي يدعى مصطفى عبدي مفادها ان طائرات التحالف ضربت مواقع التنظيم. لكنه اكد ان هذا القصف لم يترك اثراً على تقدم مقاتلي داعش على الارض بعدما نصبوا الاعلام السوداء للتنظيم على بعد مئة متر شرق وجنوب شرق كوباني.
وقال ان المقاتلين الاكراد لا يزالون متفائلين. فهم ليسوا مجهزين سوى باسلحة خفيفة وانما يعرفون جغرافياً المنطقة جيداً. وسيدافعون عن المدينة حتى اخر عنصر منهم.
وتتولى وحدات حماية الشعب الكردي، ابرز ميليشيا كردية سورية، الدفاع عن المدينة.
وبدأ التنظيم هجومه في اتجاه كوباني في 16 ايلول (سبتمبر)، وتمكن من السيطرة على عدد كبير من القرى والبلدات في المنطقة ضمن قطر يبلغ حوالى اربعين كيلومترا. ومن شأن السيطرة على كوباني ان تتيح لهذا التنظيم التحكم بشريط حدودي طويل وواسع مع تركيا.
وقتل في المعارك مئات المقاتلين من الطرفين، ونزح اكثر من 300 الف شخص، عبر اكثر من 180 الفاً منهم الحدود نحو تركيا.
وكانت كوباني تعد قبل الحرب في سوريا حوالي 70 الف نسمة لكن عدداً موازياً من الاشخاص لجأ اليها في السنوات الماضية.
تحذير اردوغان
من جهتة حذر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من ان مدينة عين العرب على وشك السقوط بايدي داعش مشدداً على ضرورة شن عملية برية لوقف تقدم «الجهاديين».
وصرح اردوغان في كلمة نقلها التلفزيون امام لاجئين سوريين في مخيم غازي عنتاب (جنوب) ان القاء القنابل من الجو لن يوقف الرعب. وقال: «الرعب لن يتوقف بغارات جوية وما لم نتعاون لشن عملية برية مع الذين يخوضون المعركة على الارض».
في الاثناء، تناولت صحف أميركية التحالف الدولي لمواجهة «داعش»، ودعا بعضها إلى نشر قوات برية لإنجاز المهمة في ظل عدم كفاية الغارات الجوية، وأشارت أخرى إلى ضرورة اطاحة النظام السوري من أجل تحقيق تدمير تنظيم الدولة.
فقد نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالاً اشترك في كتابته كل من فريدريك كاغان وكيمبرلي كاغان، دعوَا فيه الولايات المتحدة إلى ضرورة إرسال قوات لنشرها على الأرض، وإلى وجوب إجراء تحالف مع السنة في كل من الداخل العراقي والسوري على حد سواء، وذلك إذا ما أرادت واشنطن فعلا أن تقضي على تنظيم الدولة.
وأضاف الكاتبان أن هذه القوات البرية ستعمل على تحديد مواقع مسلحي تنظيم الدولة التي لا يمكن رؤيتها عن طريق الأقمار الصناعية أو بالطيران، وبالتالي كي تقوم طائرات التحالف الدولي بقصف تلك الأهداف.
ومضى الكاتبان إلى القول إن الضربات الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي لا ترقى إلى أن تسمى «حملة جوية»، وإن تنظيم الدولة ما زال يتقدم في العراق وسوريا بالرغم من الضربات الجوية المتلاحقة.
واختتم الكاتبان بالقول إنه حان الوقت للتفكير بنهج جديد يمكنه أن ينجح بالقضاء على تنظيم الدولة، وإلا فعلى الجميع التعايش مع دولة وجيش تنظيم الدولة الإسلامية.
من جهتها، وصفت الخارجية الاميركية معركة كوباني التي يتابعها العالم «مباشرة» على شاشات التلفزيون بـ «المرعبة»، واعتبرت ان هذه المدينة السورية الكردية الحدودية مع تركيا يجب الا تسقط بايدي تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف.
امر مرعب
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جنيفر بساكي حول المحادثات الهاتفية الاثنين والثلاثاء بين وزير الخارجية الاميركي جون كيري ورئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو ان الجميع يعتبر متابعة ما يحدث في كوباني بشكل مباشر امراً مرعباً.
واضافت «لا احد بالطبع يريد رؤية كوباني تسقط» في حين اعرب زميلها في البيت الابيض جوش ارنست عن «القلق الشديد» حيال مصير المدنيين.
وفي الاثناء، قتل 14 شخصاً في صدامات عنيفة وقعت الثلاثاء في تركيا بين قوات الامن ومتظاهرين اكراد كانوا ينددون بعدم تحرك انقرة ضد مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية الذين يسعون لاحتلال مدينة عين العرب على الحدود مع تركيا.
وهاجم الناطق باسم وحدات حماية الشعب الكردية بولات جان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وقال «ليس لديه أية نية في محاربة تنظيم داعش»، متهماً اياه «بدعم التنظيم ودفعه إلى الهجوم على مدينة كوباني بريف حلب».
وأضاف جان في تصريحات بثتها مواقع كردية انه «يرفض أي تدخل تركي بري في كوباني»، منتقداً تصريحات أردوغان الذي اعتبر فيها أن «كوباني على وشك السقوط»، متهماً اياه بدعم «داعش» ودفعه إلى الهجوم على كوباني حتى يظهر هو «مثل المنقذ». واعتبر جان أن لا نية لأردوغان بمحاربة «داعش» وأنه يريد أن يضع الأكراد بين خيارين إما «الاحتلال الداعشي أو الاحتلال الاردوغاني».
ولفت جان الى ان «تركيا لو كانت جدية في محاربة التنظيم، لسمح اردوغان للشباب الكرد بالتطوع والتوجه إلى كوباني، وفتح الطريق أمام الشباب الكردي السوري بالعبور إلى البلدة لمحاربة «داعش»، والسماح لنا بايصال الذخيرة بكميات كبيرة الى كوباني من محافظة الحسكة حيث يتواجد مقاتلون أكراد، لكن لا تواصل جغرافي بين المنطقتين بسبب تواجد التنظيم».
من جانبه دعا الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون إلى اتخاذ خطوات عاجلة لنجدة المدنيين المحاصرين في مدينة «كوباني» بريف حلب.
ودعا «من يملك الوسائل الضرورية العمل بشكل عاجل وبسرعة لحماية السكان المدنيين في عين العرب المحاصرة»، مشيراً إلى أن «المدينة تتعرض لحملة بربرية همجية من قبل داعش».
وأضاف «نراقب بقلق بالغ الهجوم المتواصل من قبل إرهابيي داعش على عين العرب، والذي أدى إلى مقتل الكثيرين، وتسبب أيضاً في فرار جماعي للسكان المدنيين، بما في ذلك إلى تركيا المجاورة».
منطقة عازلة
الى ذلك، اعلنت الرئاسة الفرنسية الاربعاء ان الرئيس فرانسوا هولاند يؤيد اقامة «منطقة عازلة بين سوريا وتركيا لاستقبال النازحين»، وذلك بعد اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان.
وقال الاليزيه في بيان ان «رئيس الجمهورية اصر على ضرورة تجنب مجزرة لسكان الشمال، وعبّر عن دعمه للفكرة التي قدمها الرئيس اردوغان» بشأن المنطقة العازلة. واضاف ان هولاند واردوغان بحثاً «الوضع المقلق في شمال سوريا، وخصوصاً مدينة كوباني»، التي يحاصرها جهاديو تنظيم الدولة الاسلامية. وقد «لاحظا تطابق وجهات النظر حول تقديم المزيد من المساعدة الى المعارضة السورية المعتدلة، التي تتصدى لتنظيم الدولة الاسلامية ولنظام بشار الاسد».
ودعا اردوغان مراراً الى اقامة منطقة عازلة ومنطقة للحظر الجوي في شمال سوريا لحماية القطاعات التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة والسكان الذين يفرون من الحرب في بلدهم. ومن جهته، قال وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا إن القتال ضد داعش سيكون صعباً، وقد يستغرق عقوداً، ملقياً اللوم في ذلك على قرارات الرئيس باراك اوباما. وفي تصريحات نشرتها صحيفة «يو اس ايه توداي»، قال بانيتا «اعتقد ان الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاماً»، وقد يمتد تهديد التنظيم المتطرف إلى ليبيا ونيجيريا والصومال واليمن.
احمد الحسبان