افتتاحية

الانهيار «المتعمد» من يضع حداً له؟

مرة جديدة يصوب البنك الدولي على الطبقة السياسية في لبنان، ويتهمها بالفساد وبأنها تعمدت ايصال البلد الى الانهيار، والشعب الى الفقر والجوع. وجاء في تقرير البنك «ان تأكيدات السياسيين اللبنانيين بان الودائع المجمدة في القطاع المصرفي المنهار في البلاد، مقدسة، قاسية لانها تتعارض بشكل صارخ مع الواقع». ويضيف التقرير: «ان الشعارات السياسية حول قدسية الودائع جوفاء وانتهازية… وهذا المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ وحسب، بل انه يمنع ايجاد حلول لحماية معظم، ان لم يكن كل، اصحاب الودائع الصغار والمتوسطين بالدولار والنقد». ويقول ايضاً «ان النموذج الاقتصادي للبلاد منذ اوائل التسعينيات يرقى الى مخطط بونزي وهو نوع من الاحتيال الذي يضمن دفع عوائد المستثمرين الحاليين من اموال المستثمرين الجدد».
هذا باختصار ما جاء في تقرير البنك الدولي الصادر باللغات الثلاث الانكليزية والفرنسية والعربية، موكداً ان الانهيار متعمد، وهو واحد من اسوأ ثلاثة انهيارات مالية في العصر الحديث. المسؤولون اللبنانيون كالعادة لم يعلقوا على ما جاء في هذا التقرير، لان ليس لهم ما يقولونه. فالفساد عم الداخل والخارج، والبنك الدولي ليس المؤسسة الوحيدة في العالم، التي تدين هذه الطبقة السياسية. والغريب في الامر ان المنظومة لم تكتف بعدم التعليق وتجاهل الموضوع، بل انها ماضية في قساوتها وفسادها، غير عابئة بما يقال عنها، وغير مهتمة بشعب كامل يدفع في كل لحظة ثمن فسادها.
سنتان مرتا على التفجير الآثم الذي وقع في مرفأ بيروت، وحتى الساعة لم تكشف اسبابه وتفاصيله. لقد سدت المنظومة جميع الابواب بوجه القضاء لمنعه من كشف الحقيقة، ففعّلت الحصانات، وشكلت المجلس الاعلى البدعة لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وحاولت ان يشمل المتهمين رغم انهم لا يخضعون لنظامه، بل للقضاء العدلي. وعملت على ابعاد المحقق العدلي القاضي فادي صوان، لانه بدأ يكتشف خيوط الجريمة، وعين مكانه القاضي طارق البيطار ولما قارب هو الاخر الحقيقة التي تكشف الجريمة النكراء، التي اوقعت مئات القتلى والاف الجرحى والمعوقين، ووصفت بانها جريمة ضد الانسانية، اغرقوه بعشرات الدعاوى وشلوا عمله، وعطلوا التحقيق. الا ان القاضي بيطار لم يتراجع وهو مصمم على السير بالتحقيق حتى النهاية. والمضحك المبكي ان المنظومة كلها تزعم انها تريد الحقيقة، في استخفاف لعقول الناس مرفوض ومدان.
اهالي الضحايا لا يمكن ان ينسوا او يساوموا على ارواح اعزاء لهم سقطوا غدراً، وهم يلجأون الى كل الطرق لاحقاق الحق. وقد بدأوا يحولون انظارهم الى الامم المتحدة، عبر منظمة حقوق الانسان رغم انهم لمسوا عدم حماس لدى الدول الكبرى في تبني هذا الملف فهل ان الفساد تغلغل داخل الامم المتحدة ايضاً ونخر مؤسساتها، كما يحدث في لبنان؟ الجميع يعلمون ان مجلس الامن التابع للامم المتحدة، انشيء لحماية الشعوب ورفع الظلم عنها. وبعد تقارير عدة صدرت عن منظمات دولية وكان اخرها البنك الدولي، وادانت الطبقة السياسية الفاسدة في لبنان واتهمتها بانها تعمدت ضرب الشعب اللبناني وافقاره وتجويعه، لماذا لا يأخذ مجلس الامن المبادرة، ويقصى المنظومة، ويعيد الى المواطنين الامان والسيادة والحرية والاسقرار؟
ان الشعب اللبناني مخطوف ومخدر، بعدما اغرقوه في ازمات يصعب على اي شعب في العالم تحملها، فيما المنظومة لا تزال مهيمنة على كل شيء، وهي تسخره لخدمة مصالحها، بعيداً عن مصلحة البلد والمواطنين. فهل ان الامم المتحدة تنازلت هي الاخرى عن مسؤولياتها تجاه الشعوب، وشجعت على شريعة الغاب تتحكم برقاب الناس؟ انه وضع اكثر من مأساوي، انه كارثي فمتى يستفيق الضمير لتعود الامور الى نصابها؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق