سيكون لنتيجة الانتخابات الرئاسية في تركيا تأثيرها على ملفات متشعبة تعني موسكو، من سوريا الى أوكرانيا فحلف شمال الأطلسي والطاقة، ما يدفع للاعتقاد بأن الرئيس فلاديمير بوتين كان ليقترع لصالح رجب طيب إردوغان في ما لو أتيح له الإدلاء بصوته الأحد.
على رغم التنافس بين إرث الامبراطوريتين التاريخيتين على ضفتي البحر الأسود، نسج بوتين وإردوغان اللذان يمسك كل منهما بمقاليد الحكم منذ أعوام طويلة، علاقة شخصية وثيقة اكتسبت أهمية أكبر مذ وجدت موسكو نفسها تحت عزلة غربية متزايدة منذ بدء غزوها لأراضي جارتها الغربية أوكرانيا مطلع عام 2022.
ويقول الخبير في العلوم السياسية المقرّب من دوائر القرار في الكرملين فيودور لوكيانوف إن إردوغان بالنسبة الى بوتين هو «حالة خاصة» لأنه «يمكن الاتفاق معه على مواضيع عدة».
ويضيف «العلاقة الشخصية القديمة بين الرئيسين تساهم (في ذلك) بشكل كبير. يفهمان بعضهما البعض بشكل جيد».
في دورة الاقتراع الأولى في 14 أيار (مايو)، خالف إردوغان استطلاعات الرأي بخروجه متقدّما على منافسه كمال كيليتشدار أوغلو. وفي الدورة الثانية في 28 منه، يبدو إردوغان أوفر حظاً للبقاء خمس سنوات إضافية سيّداً للقصر الرئاسي في أنقرة.
ويقول دبلوماسي غربي عمل في موسكو والعاصمة التركية إن الروس «تنفّسوا الصعداء» بعد الدورة الأولى.
كيف يمكن لهم أن يفضّلوا رئيساً غير إردوغان، زعيم القوة العسكرية الثانية في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، والذي اختار الأسبوع الماضي أن يتحدث، وعبر شبكة «سي أن أن» الأميركية تحديداً، عن «العلاقة المميّزة» التي تربطه ببوتين؟
وقال إردوغان «نحن دولة قوية وتربطنا علاقة إيجابية بروسيا… روسيا وتركيا تحتاجان بعضهما البعض في كل مجال».
ورداً على سؤال بشأن أسباب التفاهم بين الرئيسين، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف هذا الأسبوع إن بوتين وإردوغان «رجلَي دولة يحترم كل منهما كلمته».
في المقابل، أثار كيليتشدار أوغلو حفيظة روسيا بعدما اتهمها مطلع أيار (مايو) بالتدخل في الحملة الانتخابية، وهو ما نفته موسكو بشدّة.
وفاء شخصي
اعتبر لوكيانوف أن فوز كيليتشدار أوغلو في الانتخابات سيمثّل «خطراً» على مستقبل العلاقات الروسية التركية.
ويتحدث على سبيل المثال عن إمكان أن يؤدي فوز كهذا الى تحسن العلاقات بين أنقرة وبعض حلفائها في الناتو، بعدما شابها توتر على خلفية قيام إردوغان بشراء أنظمة «أس-400» للدفاع الجوي من روسيا، ما أثار انتقادات واسعة من حلفائه خصوصاً الولايات المتحدة.
وفي حين يؤكد الكرملين أنه لا يقف في صفّ مرشح على حساب الآخر، الا أن الإشارات على من يفضّله غير خافية.
ففي أواخر نيسان (أبريل)، وخلال مشاركته عبر تقنية الفيديو في تدشين محطة نووية تركية بنتها روسيا، أشاد بوتين بإردوغان في خضم حملته الانتخابية.
وقال إن المحطة «مثال مقنع على كل ما تفعله، السيد الرئيس إردوغان، لبلادك من أجل تطوير اقتصادها ولكل المواطنين الأتراك… أريد أن أقول ذلك بصراحة: أنت تعرف كيف تضع أهدافاً طموحة وتسعى إلى تحقيقها بثقة».
ويوضح لوكيانوف إن بوتين «معروف بوفائه الشخصي… حيال أولئك الذين يتصرّفون بالمثل حيال روسيا».
لكن العلاقات بينهما لم تكن دائما في أفضل أحوالها، وشهدت توتراً حاداً في 2015 عندما أسقطت تركيا طائرة حربية روسية عند حدودها مع سوريا، كانت تشارك في إطار عمليات بدأتها موسكو دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد الذي كانت أنقرة من أشد المعارضين له وتدعم المعارضة المسلّحة ضده.
واعتبر بوتين في حينه إسقاط الطائرة الروسية بمثابة «طعنة في الظهر».
لكن بعد أقل من عام على الحادثة، كان بوتين أول رئيس أجنبي يتّصل بإردوغان لإبداء دعمه له بعيد فشل انقلاب ضده.
ومنذ ذلك الحين، وسّع الرئيسان من تعاونهما في ملفات عدة منها سوريا.
علاقة مصلحة
وما عزّز التقارب بين الزعيمين اللذين يميلان الى نزعة تسلطية، هو التوتر المتزايد في علاقة كل منهما بالغرب.
ويقول المحلل الروسي المستقل أركادي دوبنوف إن الرئيسين «متشابهان بشكل لا يصدّق من حيث الذهنية السياسية والأسلوب وعلاقاتهما مع العالم»، مثل «ازدرائهما للقيم الليبرالية للغرب».
واكتسبت العلاقة مع إردوغان أهمية متزايدة لبوتين في ظل العزلة التي يواجهها من دول الغرب منذ بدء غزو أوكرانيا أواخر شباط (فبراير) 2022.
ويؤكد لوكيانوف حاجة موسكو الى «علاقات يمكن التنبؤ بها» مع أنقرة.
وعلى رغم أن تركيا زوّدت أوكرانيا طائرات مسيّرة لمواجهة الغزو، الا انها امتنعت عن الالتحاق بركب العقوبات الغربية ضد موسكو. وأتاح ذلك لأنقرة، معطوفاً على العلاقة بين بوتين وإردوغان، أداء دور وساطة في ملفات مرتبطة بالنزاع، خصوصاً اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
وتستفيد تركيا من العقوبات على موسكو لاستقطاب أموال الأثرياء الروس واستثماراتهم، وأيضاً الحصول على النفط بأسعار مخفّضة. من جهتها، تستفيد روسيا بالإبقاء على باب مفتوح يتاح لها من خلاله تمرير واردات باتت معقّدة بفعل العقوبات الغربية.
ويشدد الدبلوماسي الغربي على أن ما بين إردوغان وبوتين ليس عاطفة شخصية بقدر ما هو «علاقة مصلحة صافية».
ويضيف «هما بارعان في الفصل: يضعان الخلافات جانباً ويعملان معاً حيث تتقاطع مصالحهما».
فرانس24/ا ف ب