ملف حاكم مصرف لبنان يتقدم على الملف الرئاسي فمتى يأتي دور المنظومة للمحاسبة؟
حجز جوازي سفر سلامة اللبناني والفرنسي وطلب تسليم ملفه لدى القضاء الفرنسي
كلما لاح بصيص امل بقرب الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، وانهاء الشغور القاتل المستمر منذ سبعة اشهر، ينتكس الوضع ويعود الى نقطة الصفر، بسبب المطامع السياسية والمكاسب التي اعتادت عليها المنظومة على مدى سنوات، حيث كانت تتقاسم المغانم حصصاً. هذا الوضع المتأزم انعكس على حياة المواطنين، وهي اصلاً مدمرة، جراء سياسات خاطئة راعت على الدوام المصالح الخاصة، ولم تلتفت يوماً الى مصلحة الوطن والمواطن حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.
هذا الاسبوع تراجع الاهتمام بانتخاب رئيس للجمهورية، بعد الخلافات التي عصفت بين المعارضة والتيار الوطني الحر، الذي بدا جلياً من خلال الاتصالات، انه لا يزال مرتبطاً وبقوة بحزب الله والخلاف على ترشيح سليمان فرنجية ليس سوى غيمة صيف، تنتهي فور تحقيق الاستحقاق الرئاسي ويعود التيار الى تموضعه السابق. ولذلك فشلت المحادثات التي دارت بين بعض الكتل والمعارضة والتيار. وعجزت المعارضة عن اختيار مرشح ينافس فرنجية الذي يقف فريق الممانعة بقوة معه دون اخر سواه.
قضائياً حضر امس عند الساعة الثالثة من بعد الظهر الى قصر العدل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسط اجراءات امنية مشددة، ودخل الى المرآب المخصص لسيارات القضاة وصعد الى الطبقة الرابعة حيث يقع مكتب المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان. فدخل واقفلت الابواب منعاً للاحتكاك بالجمهور. ودار التحقيق على مدى ساعة وعشر دقائق حول التهم الموجهة اليه من قبل القضاء الفرنسي، فنفاها كلها وقال انها نتيجة تدخلات سياسية. وانه وقبل تعيينه حاكماً لمصرف لبنان، كان يتقاضى راتباً شهرياً قدره مئة وخمسون الف دولار، وانه كان يملك منزلين واحداً في الكوت دازور والثاني في باريس، وباختصار انه في وضع ميسور كما قال. وطلب عدم تسليمه الى القضاء الفرنسي بل محاكمته في لبنان. وقال انه بريء من كل التهم المنسوبة اليه. وفي نهاية التحقيق تركه القاضي قبلان قيد التحقيق، بعد حجز جواز سفره الدبلوماسي اللبناني وجواز سفره الفرنسي ومنعه من السفر، وربما هذا ما يريده هو، لانه غير مستعد لمغادرة لبنان والنشرة الحمراء الصادرة عن الانتربول تطوقه اينما ذهب. وطلب القضاء من الانتربول تزويده بملف سلامة لدى القضاء الفرنسي ليبني قراره بعد الاطلاع عليه وعلى الادلة حول التهم المنسوبة الى حاكم مصرف لبنان. هذا وسيتولى محامو سلامة الطعن بمذكرة التوقيف الصادرة عن القضاء الفرنسي واسترداد النشرة الحمراء من الانتربول.
وكان القائم باعمال السفارة الالمانية في بيروت قد زار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات صباحاً، وابلغه ان المدعي العام الالماني اصدر مذكرة توقيف بحق سلامة للاشتباه بارتكابه التزوير وغسل الاموال وتبييضها. وبات يخشى من ان تتحرك دول اوروبية اخرى، لسلامة ملفات قضائية فيها، فيشتد الخناق حوله. لقد اصبح محاصراً بين القضاء الاوروبي والانتربول من جهة، واستمراره في حاكمية مصرف لبنان من جهة ثانية، وبدأ البحث عن شخص يتمتع بالكفاءة ليحل في هذا المركز المالي الحساس، خصوصاً ان سلامة، وان لم يقدم استقالته، فانه سيغادر في نهاية تموز المقبل. وبما ان المحاصصة هي شعار المنظومة المتحكمة، فقد بدأ كل طرف يسعى ليكون الحاكم الجديد من حصته، تماماً كما يحصل بالنسبة الى رئاسة الجمهورية. لقد اتبعت المنظومة هذه السياسة المدمرة حتي ادت بلبنان الى الانهيار، وهي لا تزال ماضية فيها، غير عابئة بما سببته من كوارث وويلات.
اما المواطن المغلوب على امره فيأمل ان يأتي يوم، وكما ان رياض سلامة وقع في الفخ واصبح قيد المحاسبة، والقضاء سيظهر ان كان مذنباً او بريئاً، تحال فيه هذه المنظومة سبب كل الويلات، الى القضاء لمحاسبتها. ولا نعلم عندها كم يبقى خارج الاتهام. فهل تحين هذه الفرصة يوماً، وهل يصبح القضاء حراً بعيداً عن التدخلات السياسية ليتمكن من القيام بواجباته والاكثرية الساحقة من القضاة اللبنانيين، ترفض التدخلات القائمة اليوم وتريد الاستقلال الكامل.