افتتاحية

سياسيون ليسوا على قدر المسؤولية

تعرض لبنان في مطلع هذا الاسبوع لأخطر ازمة واجهته في تاريخه عندما ظهر آلاف المسلحين المتسترين وراء اللاجئين السوريين، فاختبأوا في مخيماتهم، حتى اذا ما سنحت الفرصة لهم هاجموا الجيش، واحتلوا عدداً من مواقعه وعملوا تخريباً في بلدة عرسال اللبنانية.
طبعاً الجيش كان يراقب الوضع منذ اسابيع، وكان الجميع على اطلاع بان عملاً عدوانياً ما يدبر في الخفاء ضد السيادة اللبنانية وضد الجيش وضد اللبنانيين جميعاً. ونظراً لأهمية عنصر المفاجأة فقد استطاع المهاجمون ان يحققوا في البداية بعض النتائج لصالحهم كالاستيلاء على عدد من مواقع الجيش مستعينين بعدد ضخم من المسلحين. الا ان الجيش وبسرعة طلب تعزيرات، واستجمع قواته وشن هجوماً مضاداً استرجع فيه كل هذه المواقع. وقد سقط له عدد من الشهداء والجرحى، ولكنه كبد المهاجمين الارهابيين اعداداً كبيرة من القتلى والجرحى والاسرى.
هذا الحادث الخطير جداً كشف عن جملة حقائق ان دلت على شيء فعلى عدم مسؤولية وكفاءة رجال السياسة عندنا، وعلى ان الجيش اللبناني والقوى الامنية كافة هما الضمانة الوحيدة لهذا الوطن ولولاهما لضاع كل شيء.
نقول هذا لأن هناك فئة من السياسيين لم يعن لهم الحادث شيئاً، ولا ادركوا مدى الخطر الذي يسببه الفراغ في المؤسسات الرسمية، وخصوصاً مؤسسة رئاسة الجمهورية. فاستمروا في عنادهم مصرين على مقاطعة جلسات مجلس النواب لتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، مؤكدين ان مصلحتهم الشخصية لا تعلو عليها مصلحة، لا مصلحة الوطن ولا الوطنية. فالمهم عندهم ان يتحقق حلمهم، وهو على اي حال سراب، بعيد المنال، ولكن مبدأهم «عنزة ولو طارت».
فئة اخرى من السياسيين، وبعد اشهر طويلة من انتقاد التدخل في الحرب السورية، استفاقت فجأة على ان هذا التدخل ليس مضراً، وليس هو السبب في استجلاب التكفيريين والداعشيين الى لبنان، ليهاجموا جيشه وينتهكوا ارضه وسيادته، فاكدوا ان التدخل في سوريا اصبح مقبولاً لديهم، على عكس موقفهم في الفترة الماضية، وقالوا ان ليس صحيحاً ان التدخل في سوريا هو الذي استجلب المسلحين الى لبنان.
فئة ثالثة رأت في تصدي الجيش للمهاجمين عملاً مسيئاً اليهم. وكان يجب في نظرهم ان ينسحب الجيش عندما اطلت فلول المسلحين، فيترك لهم الساحة يرقصون فوقها على جثث اللبنانيين. وطالبوا الحكومة بان تطلب من الجيش وقف تصديه لهم، وبذلك تتساوى الامور في نظرهم وتستقيم، ويصل كل صاحب حق الى حقه، اما حق لبنان وحق اللبنانيين فهو امر غير مهم ولا يعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
وهناك فئة لا تزال تكابر وترفض الاعتراف بان وجودها خارج الحدود هو الذي ساهم في مجيء الداعشيين الى لبنان، وبالتالي فهي مصرة على البقاء حيث هي، مع علمها الاكيد ان عودتها تترك انعكاسات ايجابية على الوطن.
هذه الفسيفساء من الآراء اللبنانية تكشف بما لا يقبل الشك عن عقم سياسة هذه الطبقة السياسية التي تتسلم في غفلة من الزمن مسؤولية التكلم باسم الناس في البلاد وادارة شؤونهم، وبعد ذلك تسألون لماذا نعيش في هذا الوضع المتردي؟
لقد اثبتت هذه الاحداث ان ليس في لبنان سياسة بما للكلمة من معنى، بل مجموعات متفرقة غير متآلفة لا تهمها الا مصلحتها ومن بعدها الطوفان.
في بلدان العالم عندما يتعرض بلد لخطر داهم كالذي يدهمنا اليوم، تنسى كل الفئات مصالحها وتلقي بها جانباً، وتلتف حول الجيش الذي هو دائماً دعامة الوطن اي وطن، وتدعمه بكل ما لديها من قوة، حتى اذا زال شبح الخطر تعاود البحث عن مصالحها او اهدافها. اما عندنا في لبنان فالعكس هو الصحيح، ولا تستكين الفئات المتحاربة والمتصارعة على المغانم، مغانم السلطة ومغانم النفوذ ومغانم المال، الا بعد ان تحقق مصالحها وبعدها يمكن ان تتذكر انها تعيش في بلد يجب المحافظة عليه.
كذلك اثبتت الاحداث ان الجيش اللبناني عماد الوطن والدولة اللبنانية هما وحدهما دون غيرهما من القوى مهما عظم شأنها، اللذان يحميان الارض والانسان ويصونان كرامته وعزته. فماذا ننتظر بعد والخطر لم يعد على الابواب كما يقال، بل انه اجتاز الابواب واصبح داخل الدار؟
ان اول عمل يجب ان يلي القضاء على المجموعة المهاجمة ودحرها، التوجه فوراً الى المجلس النيابي، والمقاطعون قبل غيرهم، وانتخاب رئيس للجمهورية يعيد تنشيط المؤسسات ولم الشمل والالتفاف حول الدولة والجيش وتقديم كل الدعم لهما.
والقضية الملحة الاخرى هي مراقبة المخيمات السورية واللاجئين وضبطهم والعمل على اعادتهم الى بلدهم خصوصاً وان هناك مناطق واسعة اصبحت آمنة في سوريا ويمكنهم العودة اليها، مع العلم ان قسماً كبيراً من هؤلاء مؤيدون للرئيس السوري بشار الاسد ولا خوف عليهم من العودة. وكذلك مراقبة المخيمات الفلسطينية.
الاخطاء السياسية اوصلتنا الى ما نحن عليه فهل تساهم الصدمة في ايقاظنا من سباتنا العميق؟

«الاسبوع العربي»
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق