جلسة الكهرباء: خسرت المعارضة لها وخسر ميقاتي ثقة الناس وتهدد البلد بالانقسام الطائفي
فوضى السياسات الخاطئة تولد ازمات قاتلة تهدد حياة المواطنين وتغرقهم في البؤس
انتهى الخلاف الحاد حول شرعية انعقاد جلسة مجلس الوزراء، بغالب ومغلوب. يوم امس عقد مجلس الوزراء بحضور 18 وزيراً جلسة برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، اقتصرت على بند الكهرباء، رغم ان جدول الاعمال كان يتضمن سبعة بنود. فخصص 62 مليون دولار سلفة لشراء الفيول لمعملي ديرعمار والزهراني، و54 مليوناً للصيانة. واستمهل اقرار حوالي ثلاثمئة مليون لتأمين التيار على مدى ستة اشهر، ويقول المعنيون ان شركة الكهرباء تصبح بعدها قادرة على تأمين التمويل الذاتي. هل هذا صحيح ام لا؟ المواطنون لا يثقون كثيراً بوعود المسؤولين الذين اثبتوا عدم صدقيتهم، فعلى امل ان يكون كلامهم هذه المرة جدياً، وقابلاً للتنفيذ.
من ربح ومن خسر في ما جرى؟
في الظاهر سجل ميقاتي فوزاً بالنقاط على معارضيه الذين خسروا المعركة وتعرض فريقهم للانقسام، اذ حضر الجلسة وزيران من الذين تغيبوا في المرة السابقة، وهما وزير السياحة وليد نصار، ووزير الاقتصاد امين سلام، وكلاهما محسوبان على الرئيس السابق ميشال عون. وبذلك تجاوز عدد الحاضرين الثلثين واصبح بامكان ميقاتي ان يعقد الجلسة حتى بغياب وزيري حزب الله. رغم ذلك يمكن القول ان الطرفين خسرا في هذا الصراع العبثي. فالرئيس ميقاتي الذي يعتبر نفسه منتصراً، بدعم من حليفه الرئيس بري وبتأييد مشروط من حزب الله، خسر ثقة شريحة واسعة من اللبنانيين وخسر موقعه في نظرهم وفي نظر قوى اقليمية مراقبة، كطرف معتدل ومحايد. والرجل المناسب في هذه المرحلة التي تتطلب رجال دولة بكل ما للكلمة من معنى، فلا تتبع سياسة النكد والتحدي في حكم بلد منهار، وجاء بيان المطارنة الموارنة الذين عقدوا اجتماعهم في بكركي برئاسة البطريرك بشاره الراعي، ليزيد من اهمية المعارضة. الا ان ميقاتي لم يستمع الى ما قاله البيان، واعلن بعد انتهاء الجلسة عن عزمه على عقد جلسات لاحقة، مما يعمق الانقسام الداخلي الذي بدأ يتخذ طابعاً طائفياً في بعض الاحيان، وهذا يشكل اكبر خطر على البلاد. فهل هذا ما يريده ميقاتي، وهل هذا ما تريده المعارضة له، وهل هذا ما يريده مجلس النواب الذي يتقاعس عن انتخاب رئيس للجمهورية، لتعود الامور الى نصابها وينتظم سير الحكم؟
اليوم يعقد مجلس النواب جلسة، قيل في الدعوة التي وجهها الرئيس بري، انها من اجل انتخاب رئيس للجمهورية، والحقيقة من اجل عدم انتخاب رئيس، بل لتعميق الشغور وتنظيمه. وهذا يوصل البلاد الى مزيد من التدهور والانهيار. ماذا سيحدث في جلسة اليوم؟ لا شيء. وستكون حلقة في مسرحية بدأ عرضها قبل ثلاثة اشهر، وهي مستمرة بفشل منقطع النظير. ولكن غياب المسؤولية يجعل اصحاب الشأن لا يبالون بالنتائج. وهكذا كلما مر الوقت يصبح مؤكداً ان الحلول بعيدة، وان لبنان بات بحاجة الى دعم خارجي، في غياب رجال دولة قادرين على وضع الامور في نصابها.
في ظل هذه الفوضى السياسية العارمة، يتابع القضاء الاوروبي تحقيقاته في قضايا الفساد وتهريب الاموال وتبييضها، وهو يواصل عمله بجدية وحرفية حتى نهاية الاسبوع، يقرر على اثرها سير المرحلة المقبلة. الا ان البارز امس وصول قضاة فرنسيين للتحقيق في جانب من جريمة انفجار المرفأ. وقد اجتمعوا الى المحقق العدلي القاضي طارق بيطار، الذي حرص على سرية التحقيق، واستطاع ان يساعد المحققيين الفرنسيين دون المس بهذه السرية. واعلن القاضي بيطار، بأنه مستمر في مهمته حتى النهاية وليس وارداً عنده التراجع.
وماذا عن الوضع الاجتماعي؟ ان هذه السياسة الخاطئة في ادارة البلاد تترك تداعيات كارثية على حياة المواطنين، الذين فقدوا كل شيء وغرقوا في يأس قاتل، بعدما ايقنوا ان الامل بخلاص قريب ضئيل، لا بل معدوم، ما لم يتم تغيير النهج المتبع، وهذا لا يمكن ان يحصل بوجود هذه المنظومة المتحكمة، والتي قادت بنفسها الشعب والبلاد الى الخراب فالازمات تتلاحق وتنصب كلها فوق رؤوس المواطنين، حتى تكاد تقتلهم. من ارتفاع سعر صرف الدولار الى موجة الغلاء الوحشية المدمرة، الى اختفاء الدواء وفي احسن الاحوال اذا وجد يكون سعره فوق قدرة المريض الشرائية. الى المستشفيات التي اصبح الدخول اليها مستحيلاً، الى المحروقات التي تحرق جيوب المواطنين الى اخر المعزوفة التي باتت حديث العامة والخاصة ليلاً نهاراً، فهل من منقذ ينتشل هذا الشعب المغلوب على امره من هذه الهوة السحيقة؟