أبرز الأخبارعالم عربي

ثغرات لوجستية تعلق «الضربة» ولا تلغيها

بدا واضحاً ان الرئيس اوباما لم يقرر الغاء فكرة «الضربة» التي لوح بتوجيهها الى النظام السوري. وبدا واضحاً ايضاً ان الرئيس اوباما لا يزال متمسكاً بتلك الضربة، ويحرص على تعداد مزاياها، والكشف عما يعتقد انها ايجابيات ستنعكس على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. الدليل على ذلك الخطاب الذي القاه مساء الثلاثاء الفائت، والذي جدد خلاله التلويح بتوجيه الضربة.

 الجديد في الموضوع ان اوباما وضع بدائل وخيارات. فقد ربط بين التراجع عن الضربة وتدمير السلاح الكيماوي السوري. وكشف النقاب عن ان الضربة اصبحت مؤجلة لبعض الوقت دون ان يحدد وقتاً لها، في حين اشار مقربون من الرئيس الى ان الموعد لن يتأخر طويلاً، وقد يكون بعد ايام. واشارت «تسريبات» من المطبخ الاميركي الى ان الضربة ستكون بعد اسبوع تقريباً في حال قطع اوباما الشك باليقين، وتأكد من ان النظام السوري يتلاعب بالوقت. وان موسكو ليست قادرة على ضمان تنفيذ مضامين مشروعها الذي نجح في نزع فتيل الازمة مرحلياً.
من هنا يعتقد محللون ان الضربة اصبحت محكومة باكثر من عامل: اولها: العامل الاميركي الذي يملك حق الحكم على جدية وعمق الضمانات، وكذلك جدية الاجراءات الخاصة بتدمير المخزون الكيميائي والتي ستوكل الى جهات متعددة، وثانيها : التسهيلات التي سيمنحها النظام السوري لتلك الجهات.
وثالثها: قدرة الجانب الروسي على فرض حضوره في ذلك الملف، ومدى الزام الجانب السوري بالاستجابة لكل المتطلبات.

 


تهديد اوباما
ففي خطابه، هدد الرئيس اوباما بتوجيه «ضربة محدودة» في الزمان والمكان تهدف إلى شل قدرات النظام السوري على استخدام السلاح الكيميائي الذي قال إنه استخدمه في 21 من الشهر الماضي «ضد شعبه وأدى الى مقتل أكثر من ألف وخمسماية إنسان». وواصفاً ما حدث بأنه يشبه الممارسات النازية التي واجهتها أوروبا في القرن الماضي. واعتبر أن مجرى هذه الحرب قد تغير مع الهجوم الكيميائي «المثير للاشمئزاز» الذي نفذه نظام بشار الأسد مؤخراً. واعتبر أوباما أن استخدام هذا السلاح يش
كل خطراً على أمن الولايات المتحدة وعلى أمن العالم. ولفت إلى أن المعلومات لدى بلاده تؤكد أن نظام الأسد مسؤول عن الهجمات الكيميائية، وأن هذا النظام قام بتوزيع أقنعة على جنوده قبل فترة من توجيه هجماته بالغازات المميتة، وذكر أن اتخاذ إجراء حاسم ضد نظام الأسد سيحقق مصلحة أميركية، حيث سيكون ذلك رادعاً للأسد أو لغيره إذا ما فكر في استخدام السلاح الكيميائي مستقبلاً. وأن توجيه ضربة للسلاح الكيميائي السوري سيحقق كذلك حماية لحلفاء الولايات المتحدة القريبين من سوريا كتركيا والأردن وإسرائيل ولبنان.
 لكنه أكد  في الوقت نفسه على ترحيبه بأي حل دبلوماسي للمسألة، ولكن بضمانات دولية للتخلص من السلاح الكيميائي السوري، مضيفاً أنه في حال فشلت هذه الجهود فسيكون توجيه ضربة ضد النظام السوري ضرورياً. وعن هذه الضربة المحتملة، حرص أوباما على التأكيد بأنها ستكون محدودة الزمان والمكان، وأن واشنطن لن تكرر ما قامت به في كل من العراق وأفغانستان، وأن الجنود الأميركيين لن يتواجدوا على الأراضي السورية.
من هنا، ووسط تسارع الترتيبات العسكرية لـ «ضربة» تعددت اوصافها، وتراوحت ما بين «الخاطفة» والمحدودة، وا
لمؤثرة، وغيرها، بدأت وتيرة الحديث عن حالة من التفاؤل بانفراج الازمة تطفو على سطح الجدل الدائر في مختلف انحاء العالم.
وتشعبت الحالة الجدلية لتأخذ مسارات التأييد والرفض تبعاً لاصطفافات محددة محكومة بمرجعيات متقاطعة ما بين تأييد النظام السوري ومعارضته. وما بين تبرير ممارسات استنكرها الفريق الاخر، ومستهجن كل ما يجري على الارض السورية. وفي الطرف المقابل من يكتم انفاسه تحسباً للآتي ليس لسوريا فقط، وانما لدول الجوار التي تشهد حالة استنفار قصوى.
الحالة الجدلية تمحورت في محصلتها ضمن تساؤلات محددة، مضمونها «هل ستوجه الولايات المتحدة والمتحالفون معها ضربة ضد النظام السوري ام لا»؟ مبرر ذلك التساؤل التحول في الموقف الغربي من قرار شبه مؤكد بحتمية الضربة الى اجواء يفهم منها وجود بعض الخيارات التي تتراوح ما بين الضربة وعدمها.
ومع ان البعض يرى تلك الاجواء اقرب الى الوهمية، بحكم تداعيات الملف وتعقيداته، ويتحدث بثقة زائدة عن ان الازمة لن تتغير الا باتجاه الاسوأ، وتدفع باتجاه عدم اضاعة الوقت، والاسراع بتوجيه الضربة، هناك من يتمسك بالتفاؤل، ويصر على اعطاء العامل
السياسي فرصة املاً بالوصول الى حل يجنب المنطقة مواجهة قد تمتد الى ما هو ابعد مما خطط لها. في تلك الاثناء، بدا واضحاً ان دائرة الجدل الآخذة بالاتساع، لم تسقط اياً من الخيارات من حساباتها. فمن جهة تتوقف عند خيارات تعزز فرص الضربة، ومن جهة اخرى تتحدث عن خيارات تبعث الامل بخيارات السلام، وفي مقدمتها المشروع الروسي الذي ينص على رقابة دولية على السلاح الكيماوي السوري الذي كان سبباً معلناً لفصول الازمة.

  تغليب الحل السياسي
وما بين هذين البعدين ثمة حراك يعمل على تغليب الحل السياسي دون ان يترك التلويح بالخيارات الاخرى. فبينما اعلنت باريس انها ستتقدم بمشروع قرار الى مجلس الامن هدفه ضمان تدمير اسلحة دمشق الكيميائية، ردت موسكو بان المقترح الفرنسي مرفوض. وبررت رفضها الى استناد المشروع الفرنسي  على البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة وهنا بدأ التشكيك بنوايا روسيا. وبالتزامن ابدت دمشق موقفاً اكثر ليناً من اي وقت مضى، حيث اعلنت على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم ان سوريا مستعدة للانضمام الى معاهدة حظر استخدام الاسلحة الكيميائية، واحترام تعهدات بلاده في اطار هذه المعاهدة، بما في ذلك اعطاء معلومات عن هذه الاسلحة.
وفي موقف اعتبره المحللون غير مسبوق، اعلن المعلم ان سوريا مستعدة للكشف عن اسلحتها الكيميائية امام المجتمع الدولي ووقف انتاجها، وعرض هذه المنشآت امام ممثلين عن روسيا وبلدان اخرى والامم المتحدة، مضيفاً: «ان الهدف من تمسكنا بالمبادرة الروسية هو التخلي عن كل الاسلحة الكيميائية.
من جهته، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان على الولايات المتحدة ان تتخلى عن استخدام القوة ضد سوريا لجعل المبادرة الروسية في شأن السلاح الكيميائي اكثر فاعلية. واعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ان بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تنسق في ما بينها لتمرير قرار في مجلس الامن الدولي الذي بدأ مداولاته بعقد اجتماع تشاوري مغلق. لكنه ارجأ الاجتماع الرسمي لاعطاء المشروع السياسي فرصة.
الاجواء العامة تشير الى ان احتمالات الضربة تراجعت بعض الوقت. لكنها لم تنته، وهذا الامر محكوم بالتطورات، وفي مقدمتها الحراك الدائر في اكثر من مكان في العالم، حيث ترفض بعض الجهات الضربة وتتمسك بالحل السياسي، وفي المقابل تتمسك جهات اخرى بالضربة وترى انها هي الحل الوحيد.
فما هي حقيقة ما يجري من نقاشات ومداولات ومشاورات على صعيد الملف السوري؟ والى اين تسير الامور؟
لقد اجاد «الاسد» عملية الانحناء، عندما وافق على تطوير مقترح روسي يقضي بوضع السلاح الكيميائي الذي يمتلكه تحت الاشراف الدولي، الامر الذي يعني – من وجهة نظر تحليلية واسعة – انه نزع فتيل الازمة التي كانت قائمة، والتي بدأ العد التنازلي لها. وكان يفترض ان تكون قد نفذت لولا بعض الثغرات اللوجستية غير المكشوفة التي ادت الى تأجيلها، في محاولة لكسب الوقت. المقترح الروسي يقضي بوضع الاسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية. وقد رحبت دمشق بالمشروع الذي لقي صدى ايجابياً لدى الرئاسة الاميركية والعديد من الدول الغربية. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: إن موسكو تعمل على خطة «فعالة ومحددة» لوضع أسلحة دمشق الكيميائية تحت السيطرة الدولية وتناقش التفاصيل مع الحكومة السورية. وأوضح في تصريحات الى الصحافيين أن الخطة ستعرض على دول أخرى قريباً، معترفاً بأن الخطة التي أعلنها ليست روسية محضة ولكنها جاءت جراء تنسيق واتصالات مع الولايات المتحدة.

 


لقاء لافروف – المعلم
اجتمع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظيره السوري وليد المعلم وحض دمشق على «وضع مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية تحت مراقبة دولية ومن ثم التخلص منه». ورحب المعلم من موسكو بهذا الاقتراح.
في هذه الاثناء، تشير تحليلات الى ان الرئيس اوباما تلقف ذلك المشروع ورحب به من زاوية انه يرفع عنه الحرج بخصوص توجيه ضربة تسرع في الاعلان عن تبنيها، واكتشف مؤخراً صعوبتها بحكم بعض الثغرات اللوجستية اولاً، والثمن السياسي الذي سيدفعه ثانياً، حيث تشير استطلاعات الرأي الى ان ما يصل الى ستين بالمائة من الاميركيين لا يؤيدون توجيه تلك الضربة، وان احتمالية عدم نجاحها تبقى قائمة.
ومع انه لا يمكن تشبيه الوضع بـ «المياه الراكدة» بحكم التفاعل الدولي الواسع مع تداعيات الملف السوري باطاره العام، وفي كل تفاصيله، الا ان المبادرة الروسية اعادت «خض» المياه من جديد، ما ادى الى ردود افعال بعضها رافض، والبعض الاخر مؤيد. لكنها في مجملها تشكك في امكانية «فكفكة» الازمة، وتفادي الضربة التي يرى محللون انها باتت مرتبطة بحفظ ماء الوجه للرئيس اوباما شخصياً. ولفريقه الحاكم. يساعد في ذلك بعض المعلومات التي تحدثت عن اسباب لوجستية اجلت الضربة وفي مقدمتها فشل مناورات مشتركة بين واشنطن وتل ابيب، حيث اعلن الطرفان عن سقوط صاروخين في البحر خلال الاسبوع الفائت، ليتبين انهما عبارة عن مشروع لتجريب بعض الصواريخ المضادة للصواريخ والمنضوية تحت مسمى «الدرع الصاروخي» المشترك بين الدولتين. وبحسب تقارير امنية وعسكرية فقد تم اطلاق صاروخ بالستي، وآخر اعتراضي، فكانت النتيجة عدم نجاح الاعتراضي في اسقاط البالستي. وكانت النتيجة تأجيل الضربة خشية ان تكون ردة الفعل السورية او الايرانية اكثر ضرراً على المواقع الاميركية والاسرائيلية.
يضاف الى ذلك ما اشارت اليه تقارير اخرى من ان النظام السوري نجح في اخلاء العديد من المواقع التي يمكن ان تكون مستهدفة، وان النظام الايراني استكمل جهوزيته لضرب مواقع في كل من الاردن ودول الخليج العربي. وان حزب الله كان مستعداً لتوجيه بعض الضربات. الامر الذي يعني اتساع دائرة المواجهة، والحاق الضرر باسرائيل التي تصنفها واشنطن في مقدمة اهتماماتها.
وفي مجال التعاطي مع المشروع الروسي اتسعت دائرة التشكيك في امكانية النجاح في وضع حد لما اطلق عليه «المأساة السورية». فقد اعتبر وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أن المبادرة الروسية الرامية إلى وضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت إشراف دولي لن توقف نزيف الدماء السورية. وجدد الوزراء خلال اجتماعهم الدوري بجدة ادانتهم «الجريمة البشعة» المتمثلة باستخدام النظام السوري السلاح الكيميائي. ودعوا مجلس الأمن والمجتمع الدولي الى الاضطلاع بمسؤوليتهما لاتخاذ الإجراءات اللازمة لردع «الجريمة» وتحميل مسؤوليتها للنظام السوري.
وبينما اعتبرالرئيس الاميركي باراك أوباما المشروع الروسي بوضع الترسانة الكيميائية تحت اشراف دولي «اختراقاً كبيراً» في جدار الازمة، فقد حذر النظام السوري من أي محاولة للالتفاف حوله. واعتبر اوباما ان الاقتراح الروسي «قد يكون تطوراً إيجابياً» في النزاع، ووعد بالتعامل معه بجدية وأعرب حلفاء واشنطن الأوروبيون عن الموقف ذاته، إذ رحبوا بالخطة لكنهم عبروا عن شكوكهم في نجاحها. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى إزالة أسلحة سوريا الكيميائية تحت إشراف المنظمة الدولية. وندد مقاتلو المعارضة الذين كانوا يأملون بأن تنفذ الولايات المتحدة ضربات ضد قوات النظام، بالخطة ونعتوها بـ «الكذب والتضليل». كذلك أعرب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن قلقه من أن تكون الخطة مجرد “تكتيك للتمويه” لكنه رحب بها بصورة عامة.

مشروع فرنسي
أما فرنسا، الحليف الغربي الوحيد الذي أبدى صراحة استعداده للمشاركة في ضربات تقودها الولايات المتحدة، فقالت إن على الأسد أن يتعهد «بدون إبطاء» بتدمير مخزونه من الأسلحة الكيميائية. واضافت انها بصدد تقديم مشروع قرار الى مجلس الامن.  وبينما اكدت روسيا انها ترفض المقترح الفرنسي، قال وزير الخارجية لوران فابوس إن بلاده ستعمل على تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يتعلق بإدانة مجزرة الحادي والعشرين من آب (أغسطس) الذي استخدم فيها النظام السوري الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية. وقال ان فرنسا ستعمل في هذا المشروع على إلزام النظام السوري باطلاع المجلس على أسلحته الكيميائية ووضع برنامج مراقبة باشراف الامم المتحدة لحظر استخدام السلاح الكيميائي.
وفي حال لم يكن الرئيس السوري صادقاً في هذا الأمر سنطالب بفرض عقوبات جادة على دمشق. واعتبر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن الاقتراح الروسي بوضع الترسانة الكيميائية للنظام السوري تحت مراقبة دولية يمكن قبوله بثلاثة شروط على الأقل، مطالباً بالتزامات واضحة وسريعة يمكن التحقق منها من جانب دمشق.
وفي طهران – حليفة دمشق – أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية مرضية أفخم  أن بلادها ترحب بالمبادرة الروسية.
ووصف الائتلاف الوطني السوري دعوة لافروف الأخيرة بانها «مناورة سياسية تصبّ في باب المماطلة غير المجدية»، ورأى انها ستسبب مزيداً من الموت والدمار للشعب السوري.. في تلك الاثناء، اجمع محللون على أن الخطة التي قدمتها روسيا بشأن الأسلحة الكيميائية السورية منحت الرئيس الأميركي باراك اوباما مخرجاً دبلوماسياً آمناً من أزمة قرار التدخل العسكري في سوريا.
وبالتزامن، رأت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري فتح الباب أمام المقترح الروسي عندما قال: إن الرئيس السوري بشار الاسد يمكن أن يتفادى الهجمات الأميركية إذا وافق على التخلي عن ترسانة أسلحته الكيميائية. وتخلص التحليلات الى ان المقترح الروسي افاد كل الاطراف. فمن جهة حفظ لاوباما ماء وجهه، ومن جهة ثانية سعى الى مساعدة سوريا على التخلص من الضربة. وقدم موسكو كدولة راغبة بالسلام، وقادرة على التأثير في مجريات الاوضاع بشكل عام.

احمد الحسبان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق