سياسة لبنانية

عودة الحريري لملمة للتطرف السني وانعاش لتيار الاعتدال وتحريك لملف الاستحقاق الرئاسي ومؤشر لمرحلة جديدة

شكلت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان بعد غياب ثلاث سنوات واربعة اشهر «المفاجأة» للوسط السياسي، وكثرت التفسيرات حول اسباب هذه العودة التي فاجأ توقيتها اقرب المقربين. ورأت اوساط «بيت الوسط» انها تنطوي على دلالات ومعان جمة في ظل التطورات في المنطقة، وخصوصاً في لبنان بعد احداث عرسال التي شكلت، وفق اوساط سياسية مراقبة، نقطة تحول ليس في لبنان بل في المنطقة، ودليلاً لبداية مسيرة تتجه نحو معالجة الازمات بدءاً بالازمة اللبنانية.

انعكست العودة ارتياحاً لدى اللبنانيين من خلال اعادة الامل الى الناس، كما انعكست انفراجاً في الوسط الاقتصادي وفي اسواق المال التي شهدت تحسناً على الصعد كافة من البورصة الى تحرك الاسواق المالية وغيرهما من القطاعات المرتبطة بالوضعين المالي والاقتصادي.
كثرت التفسيرات لعودة الحريري بين من رحب وايد واعتبرها مؤشراً لبدء حل الازمة في لبنان، ومنتقد ومتسائل ومستغرب؟ تقول اوساط في تيار المستقبل ان التطورات التي حصلت في المنطقة لا سيما في العراق بعد «الانقلاب» الذي قام به تنظيم داعش واعلانه حكم الخلافة في الدولة الاسلامية، التي راحت تتسع داخل العراق وسوريا، بعد ازالة الحدود بين البلدين ومحاولة محاصرة اقليم كردستان، وربط لبنان بالدولة الاسلامية، واقامة امارة لبنان من خلال حوادث عرسال، سّرعت العودة بعدما ابدت اوساط محلية وعربية خشيتها من اختفاء عنصر الاعتدال داخل الشارع السني وارتفاع منسوب التطرف والتشنج بين السنة والشيعة، والخوف من ان يفقد لبنان لا سيما الشارع السني طابع الاعتدال.

اسباب العودة
ما هي الاسباب المفاجئة التي حتمت العودة وانتفاء الاعتبارات الامنية، التي اضطرت الحريري، بناءعلى ايعازغربي – عربي وتحديداً اميركي – سعودي الى البقاء خارج لبنان؟ تقول اوساط 14 اذار ان العودة جاءت بعد ثلاث محطات: الاولى نداء العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز الشهير، الموجه الى قادة العالم لمحاربة التطرف والارهاب الذي تشنه الحركات التكفيرية باسم الدين والاسلام. والتانية هبة المليار دولار من المملكة لدعم الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية يشرف الحريري على تنفيذها، وقد وضع فور وصوله الرئيس تمام سلام في تفاصيلها. اما الثالثة فنداء بطاركة الشرق الذي دق ناقوس الخطر في ما يتصل بوضع المسيحيين في العالم العربي، وندد بعدم تحرك المسؤولين المسلمين والعرب والدوليين لمساندتهم، مطالبين بإصدار فتاوى رسمية تحرم الاعتداء على المسيحيين.
وكشفت الاوساط السياسية ان عودة الرئيس الحريري جاءت ترجمة للموقف السعودي الذي اعلن الحرب على الارهاب. لقد بادر مجلس الوزراء بعد الهبة السعودية بالاعلان عن تطويع 12 الف جندي لمصلحة الاجهزة العسكرية والامنية، اعقبه صدور مواقف سياسية حثت الشباب على الانخراط في هذه المؤسسات. واشارت الى ان الوضع الداخلي قد يكون دخل حالاً من الاختمار اسهم بدوره في عودة الحريري، لاعادة خطوط التواصل بين القوى السياسية في الداخل، بدليل الاتصالات التي تلقاها الحريري بسلامة العودة من اكثر من طرف، لا سيما رئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني والعماد ميشال عون ووليد جنبلاط وقيادات 14 اذار وغيرهم. ودعت مصادر في قوى 14 آذار الى عدم الاغراق في التفاؤل في ما يتصل بأسباب وأهداف عودة الحريري، على أهميتها، مشيرة الى ان أكثر من ملف حمله على العودة وليس بالضرورة ان تكون العودة مؤشراً الى إنجاز الطبخة الرئاسية، كما حاول ان يوحي البعض، غير انها تشكل حافزاً للتسريع في إنهاء الأزمة.
وتحدثت اوساط في 14 اذار عن بداية مسعى للحل من دون ان يكون في الافق اية تسوية. ولم تخفِ المصادر مدى أهمية وجود الحريري في لبنان من زاوية التأثير في الوضع السني الذي يشهد حالاً من التشنج والغليان، بعد موجة التطرف والإرهاب التي باتت تشكل خطراً على وجه الاعتدال السني، مشيرة الى ان عودته تسحب فتيل التوتر وتعيد للاعتدال وهجه. اما اوساط قوى 8 آذار فعزت العودة الى قرار سعودي بوجوب لملمة الحالة السنية المتفلتة في لبنان، وحصر خطر تمدد التطرف، خصوصاً وان «في جعبة الحريري» مليار دولار يمكن ان توظف في جزء منها لهذه الغاية. واشارت مصادر ديبلوماسية الى ان لا جديد على مستوى الملف الرئاسي، لأن الستاتيكو القائم لم يشهد اي تغيير او تطور قد يدفع بالاطراف الممسكة بالملف الى تعديل مواقفها. واوضحت المصادران قرار فصل ملف لبنان عن ازمات المنطقة لم يصدر بعد وما زال في دائرة المحاولة، غير ان المظلة الدولية الواقية لساحته الداخلية تبقى قائمة الى حين تتفرغ دول القرار لمعالجة سائر ملفات المنطقة بدءا من ملف رئاسة الجمهورية.

هل يلتقي الحريري نصرالله؟
وتساءلت اوساط سياسية عما اذا كانت عودة الحريري مؤشراً لاستئناف الاتصالات الايرانية السعودية بعدما اشارت اوساط ديبلوماسية الى بوادر حل لازمة العراق تبدأ بتنحي المالكي والاتيان برئيس حكومة مقبولة من المكونات السياسية، لا سيما السنية والكردية والمسيحية. ولفت المراقبين دعوة الثنائي الشيعي لا سيما الرئيس بري الرئيس الحريري للعودة للتواصل والاتفاق ووضع خريطة طريق لحل الازمة الرئاسية، خصوصاً وان العودة تساهم في استرخاء الاجواء السياسية. فهل يلتقي الحريري الامين العام لحزب الله حسن نصرالله ام يكتفي بالتواصل مع بري، بعدما اشارت اوساط بيت الوسط الى انه ستكون للرئيس الحريري اتصالات وحوارات مع الافرقاء لتسريع الملف الرئاسي، على قاعدة الاتفاق على مرشح توافقي تتفق عليه القيادات المسيحية وبكركي ومن بين الافرقاء قيادات في 8 اذار من دون ان يعني ذلك اجتماعاً مع حزب الله، لان الخلاف لا يزال كبيراً حول مشاركة الحزب في الحرب في سوريا، والانعكاسات السلبية التي تركتها في الداخل، مشيرة الى ان هذه المشاركة تتحمل مسؤولية اعمال «داعش» في عرسال، وان هذه المشاركة تسيء الى الوضع اللبناني كما اعلن الحريري. ويتوقف المراقبون امام نتائج الاجتماع الذي تم بين الحريري وبري عما اذا كان سيؤس للقاء بين الحريري وحسن نصرالله بالتزامن مع الانفراجات على صعيد الازمة العراقية، فيشكل عندها لقاء الحريري-نصرالله  الاشارة المهمة لاستئناف التواصل بين ايران والسعودية. وفي المعلومات ان الرئيس الحريري يتحاشى مقاربة موضوع رئاسة الجمهورية وطرح الاسماء متمسكاً بموقفه القائم على رفض وضع اي فيتو على اي مرشح، وانه يؤيد المرشح الذي تؤيده بكركي والقيادات المسيحية. وستكون للحريري لقاءات مع العماد عون في سياق التواصل القائم بين التيارين الازرق والبرتقالي.
هل عودة الحريري هي اشارة الى قرار كبير بفصل ملف لبنان عن ملفات المنطقة؟ ينقل مراقب عن مسؤولين اميركيين «ان الادارة الاميركية تعتمد معالجة كل ملف على حدة وتحاول اطفاء النيران عندما تندلع». ويدور نقاش في الادارة حول الاستراتيجية التي يفترض ان تعتمد لمعالجة ازمات المنطقة علماً ان الخلاف بين ادارة اوباما وايران يعود الى ان الاخيرة تريد صفقة شاملة لحل ازمات المنطقة في محاولة لفرض موقع الشراكة على واشنطن في المنطقة. يقابل هذا الموقف اعتراض اميركي واصرار على حل كل ازمة على حدة على ان يتحدد  دور ايران بعد التوقيع على الاتفاق النووي. وترفض واشنطن دور الشراكة بينها وبين وطهران في الشرق الاوسط  لان هذه الشراكة قائمة بين تل ابيب وواشنطن.

فيليب ابي عقل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق