بعد أن دقت نهاية ساعة مرحلة بوريس جونسون الحكومية، يتطلع البريطانيون ومعهم الأوربيون أيضاً لمعرفة من سيقود البلاد في الفترة المقبلة. ويوجد في السباق اسمان من المحافظين لخلافته بعد أن أجبر على مغادرة كرسي المسؤولية بسبب فضائح متعددة، ويتعلق الأمر بكل من وزير المالية السابق من أصل هندي ريشي سوناك «المعتدل»، ووزيرة الخارجية ليز تراس، التي توصف بـ«التاتشرية»، نسبة إلى رئيسة الحكومة السابقة مارغريت تاتشر، وتعتبر المرشحة الأوفر حظاً للفوز، حسب استطلاعات الرأي.
تترقب بريطانيا ومعها جميع الأوروبيين الإثنين الإعلان عن الاسم الجديد الذي سيخلف بوريس جونسون في رئاسة الوزراء. ويبدو أن ظل المرأة الحديدية التي تحظى بتقدير خاص لدى البريطانيين والمحافظين خصوصاً، يلقي بظلاله حتى اليوم على اختيار امرأة أو رجل المرحلة في تسيير دفة الحكم في الفترة المقبلة.
فرغم أنها غادرت السلطة قبل 30 عاماً وتوفيت قبل حوالي عشر سنوات، إلا أن مارغريت تاتشر كانت حاضرة في السباق إلى داونينغ ستريت، لأن البلاد تعيش ظروفاً مشابهة إلى حد ما لفترة وصولها إلى السلطة. وفي خضمها، برز اسم امرأة أيضاً، وهي وزيرة الخارجية ليز تراس.
وينظر المحافظون إلى تراس على أنها وريثة سياسية للفكرة «التاتشرية»، ما منحها الامتياز في السباق إلى زعامة الحكومة في المملكة. وإن كانت تاتشر تثير الانقسام الشديد، إلا أنها أصبحت في ما بعد أيقونتهم لانتصارها على النقابات ما ساعدها على تطبيق سياساتها الليبرالية دون مشاكل كبيرة.
ولم تؤد التجمعات واستطلاعات الرأي حول السباق سوى إلى تأكيد الفارق الكبير داخل حزب المحافظين بين تراس (47 عاماً) ووزير المال السابق ريشي سوناك (42 عاماً)، والذي سيصوت أعضاؤه بالبريد أو عبر الإنترنت.
شبيهة تاتشر
وأمام الظروف الحالية، هناك من يعتقد أن بريطانيا في حاجة لزعيم يشبه تاتشر، وله القدرة على خوض معركة التحول العميق في البنية الاقتصادية للبلاد. وبهذا الشأن، يقول جون كورتيس الخبير السياسي في جامعة ستراثكلايد إن الوضع «يشبه إلى حد كبير ذلك الذي واجهته مارغريت تاتشر في 1979: تضخم قوي جداً ونزاعات اجتماعية» مع إضرابات غير مسبوقة.
وهذه الشخصية تجسدها اليوم، برأي عدد من المحافظين وغالبيتهم «تاتشريون»، ليز تراس التي تم بسرعة تشبيهها بـ«المرأة الحديدية»، وتعد الأوفر حظا لتصبح المرأة الثالثة على رأس الحكومة في بريطانيا.
ويرى تيم بايل الخبير السياسي في جامعة الملكة ماري في لندن أن «هناك الكثير من الحنين إلى الطريقة التي غيرت -تاتشر- بها البلاد: لقد سحقت النقابات وخفضت الضرائب على الأغنياء وحسنت تملك المساكن»، مشيراً إلى أنه «لا مفر من أن يراها (المحافظون) رمزاً لعصر ذهبي».
وهذا التشبيه عززته مواقف لوزيرة الخارجية الأكثر يمينية في الحزب (دعوة إلى التبادل الحر وخفض الضرائب ورغبة في الحد من حق الإضراب)، كما ظهرت في صور تذكر بظهور مارغريت تاتشر في مناسبات، حين وضعت قبعة فرو، وعندما زارت موسكو أو على برج دبابة في إستونيا أو لما شاركت في مناظرة مرتدية قميصاً أبيض مع عقدة كبيرة جداً.
وتنتقد تراس الحياة السياسية البريطانية التي لم تستطع إفراز نخبة من المسؤولين من النساء تعادل الرجال. وقالت بهذا الخصوص: «أي امرأة في السياسة تقارن بتيريزا ماي أو مارغريت تاتشر، لأنه ليس هناك عدد من النساء مساو للرجال في السلطة»، مشيدة في الوقت نفسه برئيسة الوزراء السابقة التي توفيت عام 2013.
ريشي سوناك «المعتدل»
يبدو أن الارتباط بإرث تاتشر، هو المنفذ الوحيد للحصول على أصوات غالبية المحافظين، خصوصاً وأن الغالبية منهم ينسبون أنفسهم إلى هذه «المدرسة». وهو الطريق الذي سلكه أيضاً وزير المالية السابق ريشي سوناك، منافس ليز تراس، في انتزاع ثقة حزبه لمنحه كرسي رئاسة الحكومة.
لكن خطابه لا يصل إلى مستوى المباشرة كما هو شأن منافسته تراس، التي أثارت الجدل وسط الصحافة الأوروبية عقب تحدثها عن علاقتها المقبلة في حال وصولها إلى رئاسة الحكومة مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
لقد توجه ريشي سوناك، الذي يوصف بالمعتدل، في نهاية تموز (يوليو) إلى غرانثام، مسقط رأس مارغريت تاتشر في شرق إنكلترا. كما كتب في «ديلي تلغراف»، صحيفة المحافظين، لكي يقدم نفسه على أنه «تاتشري»، ووعد بتطبيق «إصلاحات تاتشرية جذرية ستؤدي إلى تحفيز النمو». وقال سوناك لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إن تاتشر «كانت مستعدة لكي تقول ما لا يريد الناس بالضرورة سماعه… هذا ما أتمسك به، لا أريد أن أقطع وعوداً لا يمكنني الوفاء بها».
وواجه ريشي سوناك، وهو حفيد مهاجرين هنود قد يصبح أول رئيس وزراء غير أبيض في البلاد إذا حدثت مفاجأة، صعوبة في تغيير صورته كتكنوقراطي ثري وبارع في إلقاء الدروس و«خائن» تمكن من تسريع سقوط بوريس جونسون باستقالته من الحكومة في أوائل تموز (يوليو).
هامش المفاجأة
ومن المقرر أن تعلن نتيجة السباق ظهر الإثنين. وما لم تحدث مفاجأة، ستصبح ليز تراس رابع رئيس للحكومة منذ الاستفتاء على بريكسيت، وثالث سيدة تشغل هذا المنصب بعد مارغريت تاتشر وتيريزا ماي.
وحسب المحلل السياسي في جامعة ستراثكلايد جون كيرتس: «ستكون مفاجأة كبيرة جداً جداً إذا لم تفز»، مشيراً إلى «التقدم المتراكم في استطلاعات الرأي» وقدرة تراس على «جذب أعضاء حزب المحافظين سياسياً وتقديم رسالة واضحة لهم».
ومن المنتظر أن يقدم بوريس جونسون الثلاثاء استقالته إلى إليزابيث الثانية في مقر إقامتها الصيفي في بالمورال في إسكتلندا، في سابقة للملكة البالغة من العمر 96 عاماً، والتي تواجه صعوبة في التنقل، ولن تسافر إلى لندن.
وستستقبل بعده رئيسة أو رئيس الحكومة الجديد الـ15 في عهد الملكة المستمر منذ سبعين عاماً، قبل أن يعود إلى لندن لإلقاء خطابه الأول أمام مقر الحكومة في داونينغ ستريت، ويشكل حكومته ويواجه زعيم المعارضة كير ستارمر للمرة الأولى الأربعاء في البرلمان.
بوعلام غبشي/ أ ف ب