الانهيار يتسارع والمحاسبة غائبة وحكومة تصريف الاعمال هي الباقية
توقف الحديث عن تشكيل حكومة جديدة ولم يعد احد من المعنيين مهتماً بها، فلا قصر بعبدا سيحدد موعداً للرئيس المكلف، ولا ميقاتي في وارد زيارة القصر قبل تلقيه الدعوة. ولذلك يعتبر الملف مقفلاً. وحكومة تصريف الاعمال هي وحدها الباقية.
انتظر المواطنون ان يتحرك المجلس النيابي، فيدخل على خط التشكيل، عبر قيامه بوساطات لتقريب وجهات النظر. فهو في النهاية الذي يراقب عمل السلطة الاجرائية. الا ان المجالس النيابية لم تعود اللبنانيين على القيام بمثل هذا الدور. حتى المجلس النيابي الحالي الذي قيل انه يحمل التغيير، لزم الصمت ولم يحرك ساكناً. هكذا هي الطبقة السياسية في لبنان، ولو كانت غير ذلك لما وصلنا الى هذا الانهيار المريع.
ولعل الخارج الذي يتطلع الى لبنان بعين الاستغراب من اداء السياسيين اللبنانيين، تهمه مصلحة هذا البلد اكثر من اهله. فتأتي شخصيات مسؤولة من الدول الاوروبية والاميركية وترسم طريق الانقاذ، الذي بات معروفاً وهو الاصلاح، لكي يستطيع العالم ان يمد يده للبنانيين. ولكن الاذان السياسية صماء. تصريحات واحاديث عن خطط انقاذية وغيرها، والنتيجة واحدة: لا نتيجة. فلا الوعود تحققت ولا الاصلاح تم، وبقي الانهيار سيد الموقف. وفي كل يوم، يفتعلون حادثاً يشغل الناس عنهم وعن ادائهم المدمر. فبعد مداهمة مصرف لبنان، وقعت امس حادثة توقيف النائب البطريركي المطران موسى الحاج، مطران الاراضي المقدسة، الذي اوقف لدى الامن العام في الناقورة لاكثر من 12 ساعة، خضع خلالها للتحقيق، وضبطت الاموال والهدايا التي ينقلها من مواطنين في الاراضي المقدسة الى اقاربهم. كما جرد من اغراضه الشخصية وهاتفه. وبعد مداخلات عالية افرج عنه. توقيف المطران الحاج رسالة الى البطريرك الراعي، الذي دعا الى اجتماع عقد بعد ظهر امس صدر على اثره بيان شديد اللهجة. وقال ان الرسالة وصلت ولكنه باق على مواقفه ولن يتبدل شيء. وطالب بمحاسبة المسؤولين عن هذا العمل المعروف الغايات والاهداف.
هذا الانهيار الشديد سياسياً وقضائياً يتماشى مع انهيار خطير جداً على حياة الانسان في لبنان، بحيث بات السؤال كيف يتمكن اللبناني من البقاء واقفاً ومتابعة العيش. فالكهرباء منذ اكثر من ثلاثة اسابيع غابت نهائياً ودخل البلد في عتمة شاملة. واذا وقف الحظ في بعض المناطق الى جانب سكانها، فانهم يحظون بساعة واحدة من التيار كل 24 الى ثلاثين ساعة. فتعطلت الثلاجات والمكيفات وكل الادوات الكهربائية. كل ذلك والمسؤولون غير المسؤولين يتصرفون وكأن الامر طبيعي، ولا يقومون ولو بحركة او بادرة تساعد على تحسين الوضع، مع العلم ان عدداً كبيراً تخلوا عن المولدات، بعدما بلغت الفواتير حداً غير معقول. فاين المليارات التي انفقت على قطاع الكهرباء؟ طبعاً لا من مجيب. فالمجلس النيابي الذي مهمته الاولى المراقبة والمحاسبة لم يحرك ساكناً، في الماضي ولا اليوم فالامر لا يعنيه. ولو كانت هناك محاسبة لما وصلنا الى جهنم
والحرمان لا يقتصر على التيار الكهربائي، بل يتعداه الى المياه المقطوعة طوال ايام الاسبوع وان تكرموا على المواطنين، يعطونهم قطرات قليلة لساعات اقل، ثم يقفلون خزاناتهم. فاين المليارات التي انفقت على السدود التي لا تزال جافة؟ فهل بعد ذلك من حاجة لبقاء وزارة الطاقة قائمة؟ وما السر في التمسك بها، بحيث تكون السبب احياناً في عرقلة تشكيل الحكومات. واذا اردنا ان نعدد الحرمان الذي يطاول حياة المواطنين لاحتجنا الى مساحة اوسع، فاين الدواء واين المستلزمات الطبية واين اموال اللبنانيين واين الخبز ومن يهرب الطحين؟ اللائحة طويلة والمحاسبة غائبة والمجلس النيابي المفروض فيه ان يهب ويحاسب غائب تماماً والمواطن يدفع الثمن الى ان يتمكن من الهجرة ومغادرة هذا البلد الذي يضحي بابنائه في سبيل مصالح خارجية ومصالح خاصة.