سياسة عربية

الاهداف الخفية لعباس من وراء تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة

الدكتور رامي الحمدالله شخصية اكاديمية مستقلة قريبة من التوجه العام لحركة «فتح»، هي الشخصية التي اختارها اخيراً رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتخلف سلام فياض في رئاسة الحكومة الفلسطينية.

دكتور لغويات تطبيقية، يرأس جامعة النجاح في نابلس في الضفة الغربية، حل محل دكتور الاقتصاد البارز فياض الذي شغل على مدى اكثر من عامين منصبه السابق بتزكية كبرى من الدول الغربية المانحة، كونه موضع ثقتها في مهمة اساسية وهي اعادة الثقة المفقودة بالتجربة الاقتصادية والمالية للسلطة الفلسطينية.
وبناء على المقارنة الاولية، فإن عباس الذي اضطر قسراً وتحت وطأة ضغوط قيادة التنظيم الاساس والعمود الفقري للسلطة اي حركة «فتح» لاقالة فياض، اضطر ايضاً الى ان يختار شخصية مجهولة على مستوى التجربة السياسية والاقتصادية والمالية والادارية رغم كونها شخصية لامعة على المستوى الاكاديمي، لا سيما وهي ترأس ابرز مؤسسة اكاديمية فلسطينية وهي جامعة النجاح في نابلس منذ نحو 15 عاماً.
اختيار هذه الشخصية التي نجحت بعد وقت قصير من تسميتها لهذه المهمة في تقديم حكومة اغلبها ايضاً من المجهولين، هو بحد ذاته امر مثير للجدال والسجال. فهذا الاختيار كان عامل ازعاج وعدم رضى من قبل القوى السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، اي الجبهة الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب و«المبادرة الوطنية» التي تعتبر شريكة في توجهات السلطة الفلسطينية وسنداً لادائها السياسي، ومنذ انطلاقة السلطة في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، مما دفع هذه القوى الى انتقاد هذا الخيار الجديد صراحة ومن ثم عدم المشاركة في التشكيلة الحكومية الجديدة.

«حماس» تنتقد
وفي موازاة ذلك، بادرت حركة «حماس» الى انتقاد تكليف الحمدالله لهذه المهمة معتبرة على لسان الناطق باسمها بأنه تكليف غير شرعي، وان الحكومة التي سيشكلها الحمد الله «غير شرعية وغير قانونية»، كونها لن تعرض على المجلس التشريعي الفلسطيني المعطل منذ احداث غزة في منتصف عام 2007.
وبصرف النظر عن التبريرات التي تسوقها «حماس» لتنتقد عملية التسمية والتأليف، فلا ريب في ان الرئيس عباس فتح ضمناً ابواب المزيد من التناقض مع الحركة الاسلامية التي تتقاسم وحركة «فتح» الشريحة الاوسع من الشارع الفلسطيني وتمسكان بزمام قراره، وهذا يشكل سباحة عكس التيار لان من المفترض ان عباس يسعى الى تعزيز فرص المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي بدأت قبل فترة والتي هي عملية مصالحة بين «فتح» و«حماس» حصراً كونهما وصلا الى مرحلة القطيعة التامة والى حد التقاتل في اعقاب احداث غزة التي افضت الى طرد «فتح» من المدينة وقطاعها والى بسط «حماس» لنفوذها التام عليهما منذ ذلك الحين.
وبالتالي فإن هذا السعي يفترض ان يدفع بعباس وسلطته الى البحث عن قواسم وارضيات مشتركة مع «حماس» لتتويج هذه المصالحة وفق ما هو مخطط لها بتأليف حكومة وحدة وطنية بعد ثلاثة اشهر.
وعلى رغم ان حركة «فتح» اكدت على لسان احد ابرز قيادييها نبيل شعث، ان تأليف الحكومة الجديدة لا يعني اطلاقاً وضع اي عقبة في وجه محادثات المصالحة مع «حماس»، وانطلاقاً من اعتبار ان الحكومة الجديدة هي مؤقتة ولسد الفراغ الحاصل بفعل استقالة حكومة فياض، الا ان ذلك على اهميته لا يقنع العارفين بخفايا الشأن الفلسطيني وبالتحديد الواقفين على مسار المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية الذي لا يبدو انه في اندفاعته الصحيحة ومساره السليم.
لا بل ان المراقبين انفسهم يذهبون الى حد اعتبار ان تسمية الحمدالله لرئاسة الحكومة الفلسطينية الجديدة وهو الشخصية التي اثارت انزعاج «حماس» وظروف ولادة الحكومة الجديدة، تطلق مؤشرات وانطباعات  فحواها ان الرئيس عباس لا يقدم عبر هذه الحكومة «طلب انتساب» لمرحلة سياسية وتجربة حكومية جديدة بمواصفات مختلفة عن المراحل والتجارب الماضية.

خسارة الشركاء
واستطراداً، فإن عباس الذي خسر بحكومته الجديدة شركاءه السابقين الدائمين في تجارب الحكم المستمرة منذ ان تولى خلافة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لم يكسب في الوقت عينه الشريك الاسلامي المفترض اي حركة «حماس» ولم يربح ثقتها، بدليل انه لم يقدم لها ما يعزز ثقتها المهتزة اصلاً بتوجهات السلطة واستعداداتها الجدية للمضي قدماً في عملية المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية المنشودة حتى المحطة الاخيرة.
واذا كان عباس فقد رضا شركائه السياسيين السابقين وهم الفصائل والقوى المنضوية تحت جناح منظمة التحرير وجلهم من الفصائل التي تتقارب مع حركة «فتح» من حيث العمر والتجربة وسيرة النضالات، ولم ينجح في الوقت نفسه في تقديم «عربون» ثقة لشركائه الجدد، فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: هل هذا يعني ان عباس يراهن من خلال حكومته على اكتساب ثقة الشارع الفلسطيني العريض؟
عباس اتى كما صار معلوماً بحكومة اقرب ما تكون الى صيغ مكونات للتكنوقراط اذ اقتصر التمثيل السياسي فيها على الوزراء المحسوبين بشكل او بآخر على حركة «فتح» خصوصاً الوزراء الثلاثة المتبقين من حكومة فياض السابقة.
وهذا يعني ان غالبية وزراء الحكومة الجديدة هم شخصيات جديدة تدخل للمرة الاولى في تجربة الحكومة والادارة، وهذا بحد ذاته يجعل الشارع يعطي هذه الحكومة الجديدة مهلة زمنية قد لا تقل عن اربعة اشهر حتى يكتشف قدرات اعضائها.
لكن ذلك على بداهته لا يعني ان ثمة رهانات كبرى ظاهرة او كامنة لدى الذين يقفون وراء هذه الحكومة او لدى الشارع الفلسطيني نفسه، بامكانها ان تجترح هذه الحكومة حلولاً لازمات مستعصية خصوصاً على مستويات الاقتصاد والمال والاجتماع، اذ ان هذه الحكومة ورثت عن سابقاتها كمّاً من المشكلات لا يستهان به، تأتي في الطليعة مشكلة العجز في الموازنة العامة، رغم الوعود التي اعطاها سابقاً وزير الخارجية الاميركي جون كيري والمتمحورة حول امكان اعادة تحفيز الاقتصاد الفلسطيني كمدخل لازم واساسي لاعادة بعث الروح في مفاوضات السلام الاسرائيلية – الفلسطينية المعطلة منذ اكثر من عامين.

اهداف عباس
واذا كانت رموز السلطة الفلسطينية نفسها لم تعط الوعود الاميركية الجديدة (وعود كيري) هذه المرة اي اهتمام، ولم تعقد عليها آمالاً كبيرة، خصوصاً على مستوى التقديمات والحوافز الاقتصادية، فإن السؤال المطروح بإلحاح هو: ما الذي اراد عباس تأكيده واثباته من وراء طريقة اختيار حكومته رئيساً ونواباً (نائبين) واعضاء.
في تاريخ تجربة الحكومات الفلسطينية منذ تأسيس السلطة في عام 1994، علامات ومحطات فارقة يمكن في ضوء قراءتها معرفة دوافع الرئيس عباس ومقاصده غير المرئية من وراء هذه الحكومة الجديدة.
اقيمت السلطة الفلسطينية عند انطلاقتها كما هو معلوم وفق النظام الرئاسي، اي ان الرئيس هو الذي يرأس الحكومة الفلسطينية. واقع الحال هذا استمر لبضعة اعوام، لكن ضغوطاً غربية مورست دفعت ياسر عرفات في ذلك الحين الى تعديل النظام الاساسي للسلطة ليصير نظاماً رئاسياً – برلمانياً حيث احدث منصب رئيس الحكومة ليقاسم عملياً الرئيس صلاحياته التنفيذية.
الواضح ان الهدف الاساسي من وراء هذه الضغوط، كان ايجاد توازنات داخل السلطة تقيد الى حد ما صلاحيات الرئاسة، ومع ذلك فإن تجربة اول رئيس للحكومة الفلسطينية وهو محمود عباس نفسه مع عرفات، لم تكن ناجحة رغم ان هذا الرمز هو من رفاق رحلة عرفات السياسية الطويلة، الا ان التعايش لم يدم طويلاً، اذ اقال عرفات في شبه ازمة سياسية في ذلك الحين، خليفته (لاحقاً).
ثم كانت تجربة افضل بين عرفات ورئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع التي انتهت بوفاة الاول.
ويبدو ان ما اصطدم به عباس مع عرفات يتكرر مجدداً مع عباس نفسه الذي اصطدم مع ثلاثة رؤساء توالوا على رئاسة السلطة الفلسطينية منذ ان تولى خلافة عرفات منذ نحو ثمانية اعوام وهم: قريع ثم رئيس كتلة حركة «حماس» في المجلس التشريعي اسماعيل هنية (رئيس الحكومة المقابلة) وثالثاً كانت التجربة مع فياض التي بدأت ايجابية وانتهت سلبية.

القبض على النظام
معظم تقديرات العارفين بالشأن الفلسطيني يرون ان عباس عبر حكومته الجديدة وعبر اختيار رئيسها ونائبيه واعضائها انما يسعى الى هدف اساسي يكاد يكون واحداً وهو القبض بيد من حديد على النظام السياسي وخصوصاً السلطة التنفيذية. فرئيس الحكومة والوزراء هم في غالبتهم الساحقة طوع بنان عباس وهو على ثقة بأنهم مستعدون لتنفيذ سياسته خصوصاً وان المجلس التشريعي الفلسطيني اي صاحب سلطة الرقابة والمحاسبة معطل والى اجل غير مسمى.
وعليه، فإن عباس يعطي لنفسه مهلة مفتوحة زمنياً بغية الوصول الى الاهداف الاتية:
– اعادة تقوية نفوذه ونفوذ حركة «فتح» عموماً في اجهزة السلطة الفلسطينية ليكون اي تفكير من اي جانب في المشاركة فيها مستقبلاً صعباً ان لم يكن مستحيلاً.
– ان عباس يتهيأ عملياً لمرحلة ما بعد المصالحة الفلسطينية ان حصلت، فهو لا يريد ان يصل اليها وهو في موقع الضعيف او في حالة تراجع، كما كان الحال في الفترة السابقة، خصوصاً ان عباس يحسب حساب صعود مناخات الاحتقان في العالم العربي لخصمه الالد اي حركة «حماس».
– ان عباس وفريقه اللذين لم يتخلصا بعد من اثار الهزيمة العسكرية الشنيعة التي تعرضت لها حركة «فتح» على يد «حماس» في غزة في العام 2007 وما قبلها الهزيمة السياسية التي تجلت في اتيان حركة «حماس» بالاكثرية المريحة في انتخابات المجلس التشريعي الحالي والتي كانت ضربة كبرى هزت التنظيم الفلسطيني الام ودفعته الى تحين الفرص السانحة لاخذ الثأر ورد الاعتبار.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق