بازار سياسي يدمر حياة المواطنين ولا اتفاق حتى الساعة حول من يشكل الحكومة الجديدة
فوضى سياسية ترافق المشاورات بين الكتل النيابية، لاختيار رئيس جديد لتشكيل الحكومة الجديدة. وهذا الوقت بين الدعوة للاستشارات وتحديد موعدها فتح البازار السياسي والاخذ والرد. مما اثار موجة عارمة من الاستنكار، لتصرفات هذه المنظومة، التي كان يفترض فيها ان تسارع الى الاتفاق على حكومة انقاذ تتولى العمل على ما يمكن انقاذه. فالوضع الاقتصادي وصل الى حد غير معقول ولا مقبول، وانعكس على حياة المواطنين فدمرها، ورفع نسبة الفقراء والعاطلين عن العمل، فالاسعار سجلت ارقاماً لا يستطيع المواطنون في اكثريتهم الساحقة بلوغها، فانخفضت حركة البيع والشراء وارتفع عدد المرضى في ظل فقدان الادوية، والعجز عن الوصول الى المستشفيات التي تفرض على المرضى مبالغ كبيرة بالدولار فريش لاستقبالهم. اما المحروقات فباتت ملتهبة وهي تحرق جيوب المواطنين الذين باتوا عاجزين عن التنقل والوصول الى اماكن عملهم. فاضرب موظفو الادارات العامة وتعطلت اشغال الناس وشلت الدولة بكل مفاصلها. كل ذلك والمنظومة تعيش في عالم اخر، لا تشعر بوجع المواطنين، ولا توليهم ادنى اهتماماتها، بل هي منصرفة الى البحث عن الحصص التي يمكنها ان تحصل عليها. ولذلك فهي تساوم وتشترط وتهدد مستخدمة كل اساليب الترهيب، مما جعل البطريرك الراعي يقول في عظة القداس بعد انتهاء سينودوس الاساقفة الموارنة «اننا نصلي كي يفتح المسؤولون المدنيون والسياسيون عندنا في لبنان قلوبهم وعقولهم، فيضعوا حداً لعادة التعطيل ويسرعوا في حسم الوضع الحكومي والتحضير لانتخاب رئيىس جديد للجمهورية، من دون اي ابطاء، لا يمكن ابقاء البلاد بدون حكومة وبدون رئيس للجمهورية، وحان الوقت للحسم امام العالم ما اذا كنا جديرين بهذا الوطن وتكوينه التعددي. ان اداء الجماعة السياسية تثير اشمئزاز الشعب والعالم اذ يعطي الدليل يومياً على فقدان المسؤولية والاستهتار بالام الشعب ومصير لبنان. هذه مرحلة دقيقة تستدعي اختيار رئيس حكومة يتمتع بصدقية، ويكون صاحب خبرة ودراية وحكمة في الشأن العام، ليتمكن من تشكيل حكومة مع فخامة الرئيس باسرع وقت ممكن، من اجل اتخاذ القرارات الملحة واولها المباشرة بالاصلاحات الحيوية والمنتظرة، لذا نرفض تمضية الاشهر القليلة الباقية من هذا العهد في ظل حكومة تصريف اعمال، ونرفض الشغور الرئاسي والفراغ الدستوري، لانهما مرادفان هذه المرة لتطورات يصعب ضبطها دستورياً وامنياً ووطنياً».
حتى الساعة لم يظهر الاسم الذي يحوز على تأييد الاكثرية النيابية، لتكليفه بتشكيل حكومة جديدة، تتولى على الاقل مرحلة هذا الانهيار المخيف، لان الوقت المحدد لها لا يتعدى اياماً وليس اسابيع. فهي ولو تشكلت بسرعة بعد الاستشارات النيابية، وهذا مستبعد، نظراً لما عودتنا عليه المنظومة، حيث ان تشكيل الحكومات يستغرق اشهراً، ووصل في بعض المرات الى حوالي السنة، والوضع اليوم لا يحتمل هذا الترف السياسي، فالحكومة اذاً لن تبصر النور وتضع البيان الوزاري وتحوز على ثقة مجلس النواب لتتمكن من ان تبدأ عملها، قبل شهر ونصف الشهر على اقل تقدير، وبذلك تكون قد اقتربت من نهاية شهر اب حيث تبدأ مهلة الشهرين لانتخاب رئيس للجمهورية، ويتحول مجلس النواب الى هيئة ناخبة. ولكن وجود حكومة مكتملة وقادرة يعطي الثقة ويوقف الانهيار. الا ان التطورات والدلائل حتى الساعة لا تبشر بالخير. لقد قلنا مراراً ونكرر ان لا امل باي اصلاح او تقدم او معالجة مع هذه المنظومة. ولذلك يجب عدم اعطاء الامال الكاذبة للمواطنين، الذين باتوا يتعلقون بحبال الهواء.
الاسم الاكثر تداولاً حتى الساعة هو رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وان كان لا شيء محسوماً حتى الساعة. ومع ذلك فانه يتعرض لضغوط شديدة ومطالب تعجيزية، جعلته يخرج عن هدوئه وتفاؤله ويعلن في حفل تخريج طلاب جامعة العزم في طرابلس، منذ يومين ويقول: انه يرفض تحويل موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيس الحكومة مادة للتسويات. واضاف مخطىء من يعتقد ان رفع الصوت وافتعال الغبار السياسي والاعلامي في وجهنا يمكنه ان يلزمنا بان نزيح قيد انملة عن قناعاتنا. وتابع: لن اتردد في رفض اي محاولة لادخالنا في تسويات لا مصلحة للوطن فيها، وفي مساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا، لم تكن يوماً واردة لدينا. الاقدام على الخدمة العامة وشجاعة المواجهة شيء. اما الانتحار والمواجهات السياسية العبثية فشيء اخر.
يتبين من كل ذلك ان الشعب اللبناني ورعاته خرجوا عن صمتهم، وهم يرفضون علناً وبقوة الاداء السياسي المعيب، الذي جعل السياسيين عندنا موضع استهزاء وتندر في العالم كله، وحدها المنظومة غير شاعرة بما يجري وهي ماضية في ابتعادها عن الناس وعن مصالح الوطن. فهل تعمد ولو لمرة واحدة، وتترك مصالحها الخاصة جانباً، وتسرع في تسهيل تشكيل حكومة بعيدة عن السياسة، تعمل على وقف هذا الانهيار؟