الأسبوع الثقافي

شاعران وشاعرة وثلاثة دواوين في ندوات بيروتية

من «شهوة القيامة» الى «جراح الوطن» مروراً بـ «منطقة الإضطرابات»
مع نهاية سنة 2013 وإطلالة سنة 2014 الجديدة، شهدت بيروت حركة ثقافية لافتة، وذلك مع إنطلاق «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في دورته الجديدة السابعة والخمسين، وأطفأ «النادي الثقافي العربي» شمعة أخرى من عمر المعرض، واعداً بمواعيد لقاءات تتجدد من سنة الى أخرى… ومن الندوات التي شهدتها بيروت، ثلاث ندوات شعرية نظّمتها «دار نلسن» بالتعاون مع «دار الفرات»، الأولى حول الشاعر اللبناني نعيم تلحوق وديوانه الجديد «شهوة القيامة». والثانية حول الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي وديوانه الجديد بعنوان «منطقة الإضطرابات». والثالثة حول الشاعرة اللبنانية أسماء مكارم كنعان وديوانها الجديد «جراح وطن». لكل شاعر لغته وأسلوبه، ولكل ديوان همومه وأبعاده.

حول ديوان «شهوة القيامة» اعتبر الكاتب سليمان بختي، أن قصيدة الشاعر نعيم تلحوق سؤال يطلق في وجه الدنيا، صبوة الجمال المستحيل، صرخة عبور الى نهضة مرتجاة، شوق الى حلول وذوبان يلامس أعتاب الصوفية. ونعيم تلحوق يترجح بين الحكمة والمعرفة، بين النهضة والنكوص، بين اللغة والحياة.

طاقات فنية عالية
الكاتبة خير بك ناصر، اعتبرت أن ديوان «شهوة القيامة» يتمايز بتكثيف دلالي ممهور بطاقات فنية عالية ساعدت الشاعر على توظيف مخزونه الثقافي في التعبير عن مشاهداته، فنطق شعره بأسماء تنتسب الى التاريخ وبأمكنة لها رمزيتها الفكرية، فكان منها كلمة هاجر والحجاج والمعراج، وغيرها من الكلمات التي تحمل دلالات تاريخية ودينية وحضارية، وتكشف عن قدرتها على التكثيف الدلالي والإقتصاد اللغوي، من دون أن يتخلّى عن دقة السبك وحسن التعبير وجمال الأداء، وقوانين التشكيل النحوي.

من الأول الى العاشر
 الصحافي والباحث سركيس أبو زيد استهل كلامه بالإشارة الى أن نعيم تلحوق أتمّ ظهوراته العشرة، ربما في محاكاة رمزية لتجليات إلهية عشرة، كما تقول إحدى الفلسفات التوحيدية الإلهية. لكن في سياق التطور كل تمام آني، يبقى نقصاناً في مدى الكل، ما دام نتاج فرد. وما بين العام 1986 ميلاد ديوانه الأول «قيامة العدم» الى العام 2013 ميلاد ديوانه العاشر «شهوة القيامة» سبع وعشرون سنة كرّس فيها نعيم تلحوق عطاءه شاعر القلق والبحث والإمحاء والإنوجاد والتحول والتكوين والثورة والنقد والتمرد والحب.

جدلية الشعر والفلسفة
واعتبر سركيس أبو زيد، أن نعيم تلحوق هو نتاج جدلية الشعر والفلسفة. وبداياته الشعرية كانت مع الفلسفة. مطلع شبابه قرأ كتب الفلسفة فهجر الطفولة باكراً ليبدأ بالأسئلة الكبيرة فلقح وعيه بالقضايا الكبرى. جمع بين الفلسفة والشعر، وبين اللون والأسطورة والتاريخ، فكانت قصيدته مشبعة بالفكر واستحضار الحضارة العربية وتطلعات النهضة القومية مع إنحياز جدي الى لغة غنية بالرموز والمفردات وهي أصدق تعبيراً وأبهى جمالاً ولها طعم خاص وهوية خاصة، إضافةً الى تطعيمها بمزيج فلسفي وصوفي وبلاغة شعرية من ناحية تركيب الصور، وخلق فضاء متخيّل لا يشبه الأمكنة المستعادة. للشاعر تلحوق لغته المتميزة والفريدة وأسلوبه الخاص… ينظر في شعره الى جوهر الحياة وحقيقة الكون من خلال العمق والبعد الصوفي – الذي يتميز به – كما يعمل على تطويع النص والمفردات والشعر وربطها بالعقل.

غنائية وثورة
الباحث محمود شريح اعتبر، أن في قصيدته «شهوة القيامة» عنوان ديوانه، أي تسمية الكل بالجزء، يتساءل نعيم تلحوق عن جدوى طوفانه حول أسمائه، فيصغي الى طير غربته… في هذه الغنائية الحالمة ثورة هادئة حدّاها العقيدة والغرام، وما بينهما شقاء مبارك. تجنح قصيدة نعيم تلحوق الى طرح السؤال، وسؤاله رغبة، ورغبته مدى، وقصيدة نعيم تلحوق رسم الذاكرة في غنائية رقيقة.
لافتاً، الى أن لنعيم تلحوق فنه الخاص به في صوغه ومضاته الشعرية وهي مكثفة تحفل بجدلية لا تخلو من موسيقى داخلية خافتة:

لي امرأة ترتاب لمكان
أقل من جسدي
وجهها منارة صبح
قلبها امتداد الزمان
ونبضها خبز الأمكنة…

اطلالة بيروتية
الندوة حول ديوان «منطقة الإضطرابات» للشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، قدّم لها الشاعر والصحافي عبده وازن، معتبراً أنها لمناسبة جميلة أن يكون هذا الشاعر في بيروت، مدينته بالروح والقلب، وكم يسعد بيروت أن يطل اللعبي من هنا، ملتقياً جمهوره الذي قرأه منذ عقود، والذي دأب على متابعته منذ أن أدخل السجن سنة 1972. مشيراً، الى أن فرنسا كرّمته منذ ثلاث سنوات، مانحة إياه أرقى الجوائز الشعرية «غونكور للشعر» مكافأة لأعماله الشعرية ولسيرته التي غالباً ما كانت أحد منابع إلهامه، وهذه الجائزة لم تكرّسه شاعراً مغربياً يكتب بالفرنسية فقط، بل كرّسته شاعراً عربياً حمل الى اللغة الفرنسية سمات اللغة الأولى والمكان الأول.
فشعره كان ولا يزال نقطة التقاء بين عالمين أو ثقافتين أو لغتين ينتمي إليهما إنتماء النهر الى ضفتيه.

الحالم بعالم أفضل
وتطرق عبده وازن الى خروج عبد اللطيف اللعبي من سجن القنيطرة المغربي سنة 1980 حيث وجد نفسه غريباً في وطن كان يسميه «السجن الكبير» ولم يستطع أن يواصل العيش فيه هو الشاعر الملتزم والحالم بعالم أفضل، ليختار بعد سنوات، المنفى الفرنسي الذي كان له بمثابة فضاء الأمل والحرية. لكنه لم يصبح فرنسياً البتة، بل ظل مغربياً بروحه وكيانه، وهذا ما وسم أصلاً طبيعة عمله الشعري والسردي في اللغة كما في القضايا أو الهموم التي حفلت بها قصائده ونصوصه السردية والمسرحية.

كتب مختلفة
وخلص وازن الى القول، وإن كتب اللعبي في حقلي الرواية والمسرح وأصدر فيهما بضعة أعمال، فهو ظل شاعراً، حتى في نثره شاعراً في رؤيته الى العالم ونظرته الى الوجود والتزامه في قضايا الانسان أياً كان إنتماؤه.
ولعل الشاعر الذي ترجم الى العربية حتى بات كأنه شاعر بالعربية، لم ينثن عن ترجمة شعراء وروائيين عرب الى الفرنسية. ترجم محمود درويش وعبد الوهاب البياتي وسميح القاسم، وبعض الشعراء الجدد مثل عبد الله زريقة وعيسى مخلوف وسواهما. أما كتبه، بحقولها المختلفة، فتربو على الثلاثين، فاللعبي شخص مجبول بهاجس الكتابة وقلقها…

كتاب الذات عبر الجسد
الروائية نرمين الخنسا ألقت كلمة الكاتب عيسى مخلوف الذي اعتبر ان ديوان عبد اللطيف اللعبي «منطقة الإضطرابات» هو كتاب الجسد، أو بالأحرى كتاب الذات عبر الجسد… جسد الرغبة والإغواء، هو نفسه جسد المرض والموت، جسد القوة الفظة والعضلات، جسد الرجولة الهاذية، مقابل الجسد الهش والمائل الى السقوط، مقابل جسد المرأة وعدوه الوقت الأكثر إيلاماً، لا يمكن للإنسان أن يحيا من دون جسده الذي يموت.
ويرى عيسى مخلوف، في أن ما وراء تناولها لأحوال الجسد ومعناه، تطرح كتابة عبد اللطيف اللعبي السؤال أيضاً عن معنى الكتابة نفسها حيال التغيرات الكبرى التي يشهدها العالم. الكتابة هنا ليست فقط معركة استرداد العافية، بل هي أيضاً، معركة الفعل الأدبي الذي لا يزال بإمكانه أن يحلم ويهجس بالجمال أو يجمع ويواسي…

المعنى المستحيل
أما الكاتب سليمان بختي فقال، لعلّ المعنى المستحيل الذي بحث عنه الشاعر في «منطقة الإضطرابات» هو معنى الحياة ومعنى الموت ومعنى كل ما بينهما، والذي يحوم على المعنى هو الشعر ليس إلا. في منطقة الإضطرابات الشعرية تجري الأنهار العنيفة وتضطرب العلاقات داخل القصيدة، ينبعث الرمز، يستبد الحنين بإيقاع القصيدة، وتستيقظ الأسئلة الكبرى، وتصبح جميعاً، الشاعر والقصيدة والمتلقي، في مركب واحد…
وختم عبد اللطيف اللعبي بإلقاء بعض قصائده.

ديوان «جراح الوطن»
أما الندوة الثالثة، فهي حول ديوان «جراح الوطن» للشاعرة أسماء مكارم كنعان، التي بدأتها مايا كنعان معتبرة أن المؤلفة عبرّت بنفحاتها الشعرية عمّا اختلج في داخلها من أحاسيس وآلام عاصرتها في خضم الحرب اللبنانية. وكان شعارها وما زال، قولها: «أنا لا أؤمن بالعيش المشترك، لأن العيش المشترك هو للشعوب المتخاصمة لا للشعب الواحد، بل أؤمن بإنصهار الشعب والأرض والمؤسسات في بوتقة وطنية واحدة».

نكهة الشعر وخلاص الوطن
النقيب محمد البعلبكي رأى، أن في هذا الزمن الغارق في التكنولوجيا، يبقى للشعر نكهته، ويبقى له رواده. وشعر أسماء مكارم كنعان صورة لواقع عاشته وتعيشه يومياً. على ان الأمل بغد مشرق يدغدغ أحلامها وأحلام كل لبناني.
أما الدكتور عدنان السيد حسين فرأى، أن الشاعرة أسماء مكارم كنعان، لا تزال باكية على جراح الوطن، تسأل عن خلاصه وسلامه، وتنادي بالرأي الحرّ والخروج عن الصمت، وتبقى حالمة بلبنان، جنة الله على الأرض، وطن الجمال والإنسان…

الحديث يطول
وتحدث السفير عصام جابر، عن التجربة الغنية التي عبرت عنها الشاعرة في ديوانها «جراح وطن» بقصائد جميلة، تتميز بعمق الفكرة وجمال الديباجة وحسن الصياغة وسلاسة التعبير. وتتناول قصائد الديوان، القضايا الوطنية والإجتماعية والإنسانية.
الأديب إيليا إيليا (ممثلاً رئيس جامعة البلمند الدكتور إيلي سالم) تحدث عن من وهبت العمر للوطن للناس للسلام، عن من تمردت على الحرب ودافعت عن الشعب المهجر، عن من رفضت الواقع البشع ومدت يد العون الى كل مقهور، عن من انتفضت على العادات والتقاليد البائدة، عن من علّمت دروساً في التاريخ العربي المجيد، فالحديث يطول…

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق