صحة

تحرروا من التابوهات… الجنس حاجة لا عيب!

تعتبرنّ أنفسكنّ متحررات؟ لا تبالينّ بالتقاليد الجامدة، المقيدة، العتيقة؟ تضعنّ أكفكنّ على أفواهكنّ خجلاً كلما سمعتن كلاماً عن غشاء البكارة؟ متزوجات؟ عازبات؟ تعشنّ التحولات العالمية؟ تعشنّ الأوهام؟
الصحة الجنسية (والإنجابية) للشابات والشباب تبدأ من فوق، من الرأس، من قلب العقل، فهل أنتم (وتحديداً أنتن) في صحة جيدة؟
الجواب أتى في حوار شيّق دار بين رئيس الجمعية اللبنانية للتوليد والأمراض النسائية الدكتور فيصل القاق مع الإعلاميين في لقاء نظمه فريق مشروع الصحة الإنجابية والجنسية للشباب في كلية العلوم الصحية التابعة للجامعة الأميركية في بيروت. فتعالوا نسرح في ما كان يُصنف عيباً، والكلام فيه محرماً، والتوغل في جنباته ضرباً من ضروب «قلة الأدب»!

لأن الجنس اللطيف مكبل أكثر بعيوب التعاطي مع ما يُعد عيباً في مجتمع ما زال يؤطر شرف البنت في غشاء بكارة ومستقبلها في زوجٍ، مجرد زوج، على قاعدة: الرجل رحمة ولو كان فحمة… سنكثر من استخدام «نون النسوة» و«تاء التأنيث». لا عنصرية إذاً في توجهنا الى المرأة وإن كان الموضوع يهم المرأة والرجل لكن، نكرر، قد تبدو المرأة الضحية الأولى في الأفكار العبثية التي تجتاح بواطن العقول وتُبنى عليها المفاهيم المغلوطة.
ماذا في التفاصيل؟
لعلّ المشكلة الأولى تبدأ من تأخر سن الزواج. فالفتيات ما عدنّ يتزوجن في «الطعش» ولا طبعاً في «العشرين» وفي المعدل العام الذي يلفت إليه الدكتور القاق هو: أن معدل سن الزواج عند الذكور كان في السبعينيات 24 سنة وعند الإناث 20 سنة. تبدلت هذه النسب كثيراً بتبدل الزمان فبات المعدل عند الذكور اليوم 33 سنة وعند الإناث 29 سنة والتوقعات تشير الى أن يُشكل العازبون في 2025، بين 34 و45 سنة، نسبة 25 في المئة وهذا طبعاً يؤثر على الصحة الإنجابية.
والحلّ؟ علاقات خارج الزواج؟ حملٌ خارج الزواج؟
لا أحد طبعاً يُشجع على «الفجور» لكن ما يُراد التشجيع عليه هو ضرورة التخلي عن المفاهيم الخاطئة تجاه كل ما يمس هكذا أمور بدءاً من غشاء البكارة، فالصغار يكبرون على مفهوم أن الدماء تسيل حين يُفضّ غشاء البكارة غير مدركين أن هذا قد يحصل وقد لا يحصل، وأن هناك أكثر من 12 نوعاً من غشاء البكارة، بعضها مطاطي، ما يُلغي طبعاً شرط النزف في العلاقة الأولى، لكن كم من المشاكل تبدأ من تلك اللحظة التي يتهم فيها الزوج زوجته بخداعه، فتتكسر كل العواطف والأحلام عند حدود المفاهيم المسطحة.
ثمة من يتمتم الآن وهو يقرأ: وما بالهم هؤلاء؟ وفي أي عصر يعيشون؟  صحيح، في أي عصر يعيشون، لكنهم هنا وهناك وهنالك وفي كل مكان. ثمة من يعيش حالة إنفصامية، في شخصيتين: واحدة ظاهرة منفتحة عصرية وثانية يحتفظ بها لنفسِهِ ولا تظهر إلا في اللحظات التي يُصبح فيها على تماس مباشر مع حقيقة ما، فيفجرها جاعلاً كل ما من حوله يتناثر. ثمة كثيرون بينكم الآن يقولون ما لا يعملون ويؤمنون بما لا يقولون.

المثقف والخطوط الحمر
البداية تكون تثقيفية. التثقيف، بحسب الدكتور القاق، بداية. ألم تسمعوا بمقولة جان جاك روسو: ثقافة المرء هي التي تحدد سلوكه… لكن يبقى السؤال: كم يتمكن هذا المثقف من تجاوز الخطوط الحمر التي يُكبله بها المجتمع؟
هناك دراسة نُشرت في لبنان فيها أن ستين في المئة من الشباب ليس لديهم مانع من إقامة علاقات جنسية خارج الزواج. ودلت دراسة الى أن 45 في المئة من الشباب اقاموا في سن المراهقة علاقات جنسية سطحية، لكن قلة قليلة جداً منهم استخدمت حبوب منع الحمل أو الواقي الذكري ظناً منهم ان هكذا علاقات خارجية سطحية لا تؤدي الى حمل ولا تتسبب بالتهابات، وهذا طبعاً غير صحيح أبداً، فقد تحصل حالات حمل أيضاً حتى ولو لم تكن العلاقة كاملة.

لحتى تكمّل هالدني
أمور كثيرة قد تختلط على كثيرين حتى على من يظنون أنفسهم «مثقفين»… فما الحال إذاً مع الصغار؟
وزارة الشؤون الإجتماعية تعمل منذ نحو عقد على توعية المراهقين تحديداً على الصحة الإنجابية والجنسية في قالب علمي دقيق موثوق وصريح تحت عنوان: لحتى تكمّل هالدني… فكيف يُفكر المراهقون أن «الدنيا تكتمل»؟
ثمة فجوة كبيرة طبعاً في معلومات هذه الفئة العمرية، بين 13 سنة و17 سنة، وتنسحب هذه الفجوة أحياناً الى من هم أكبر بكثير، وثمة مغالطات كثيرة تبنى عليها المعلومات. وال
أهالي، الكبار، يخجلون من الحديث في المواضيع الجنسية مع أولادهم، لكن الحاجة الى ذلك تزيد، ولعلّ المشكلة الأهم التي تواجه الأهالي، بحسب اختصاصية علم النفس مي جبران، هي اقتناعهم أن أولادهم معصومون عن الخطأ، علماً أن ليس هناك أي كبير أو صغير بمنأى عن الأخطاء، لهذا واجب الأهالي الإصغاء كثيراً الى ما قد تردده عيون أطفالهم لا حناجرهم فقط وبناء ثقة متينة معهم. وعليهم ألا يخجلوا من الكلام معهم في المسائل الجنسية. وليخبروهم أن العلاقة الجنسية ليست عيباً شرط أن تقترن في مجتمعاتنا بالود والحب، وبمجرد شعور الآخرين أن هناك من يصغي اليهم سيتمتعون بالأمان. يفترض إذاً أن تعرف الأمهات والآباء أن بناتهم سيكبرن وسيبرز ثديهن وستنبت ذقون أولادهم وسيمرون جميعهم بتغييرات نفسية تصاحب التغييرات الجسدية. والقلق الذي تعاني منه الأمهات والآباء قد يعاني منه الأولاد.
ماذا عن الإباضة والعادة السرية والإحتلام ليلاً والعادة الشهرية؟ وكم من التفاهات التي يبني عليها الشباب معلومات مستمدة من مصادر غير صحيحة؟


تابوهات
إحدى القابلات القانونيات سألت شباباً في عمر المراهقة عن معلوماتهم عن العادة السرية والإجابة أتت: غمزاً وضحكاً! ثمة تابوهات عند الشباب والشابات حتى بين من يظهرون أنهم “open” الى أقصى الحدود!
التثقيف إذاً ضروري ليس بين الشباب فحسب بل بين الكبار الذين يظنون أنفسهم مثقفين أيضاً. تريدون مثلاً؟ ماذا لو قصدت فتاة غير متزوجة عيادة أحد الأطباء كي تجري فحصاً نسائياً؟ ثمة من سيسألها بالتأكيد: وما اسم زوجك؟ والمفاجأة الكبرى ستظهر إذا عرفت من تُعبىء الملف أن المرأة التي تقف أمامها بلا زوج! ثمة حالة حصلت من هذا النوع طلبت فيها معبئة الطلب من المرأة وضعها تحت خانة اسم زوج وهمي كي يكون الملف كاملاً! ما نزال نعيش في اختصار في القرن الواحد والعشرين، في مجتمعات كثيرة، في الزمن الجاهلي!
هل المطلوب هو الإفراط في التحرر؟
طبعاً لا…
ما هو المطلوب إذاً؟
المطلوب هو التعاطي مع المسائل التي هي مثل الأكل والشرب والهواء، ونقصد بها المسائل الجنسية، بلا غمز وهمس، فهي حاجة لا «عيب». انها مسألة تكوينية لا طارئة. إنها حقيقة تنفيذها في الخفاء جريمة في حق جيل ومجتمع.

نفاق اجتماعي
ما رأي الباحثين في السلوكيات الإجتماعية في النمط العربي مع المسائل الجنسية؟
رئيس مركز البحوث السلوكية في الجامعة الأميركية في بيروت سمير خلف يعتبر: أن الطريقة التي نتصرف فيها تتعارض مع مواقفنا تجاه الجنس ويقول: هناك نفاق اجتماعي بارز على جميع المستويات.
ماذا يقصد سمير خلف بكلامه هذا؟ يجيب: تأخير الزواج يخلق قوة من الطاقة الجنسية الزائدة لدى الشباب، لا بد من البحث عن طرق للتعبير عنها، غير أن المعايير الإجتماعية لا تزال تدين ممارسة الجنس خارج إطار الزواج للمرأة بالتحديد. لهذا ظهرت أشكال أخرى للزواج التقليدي في العالم العربي بينها زواج المتعة والزواج العرفي وزواج المسيار.
والنتيجة؟
مطلوب تغيير جذري في لغة التعامل مع المسائل الجنسية كي يترافق مع «الإنفتاح الظاهر» واقعية ترتكز على ثقافة وقناعة لا على مفاهيم موروثة ترتدّ تناقضا بين الخارج والداخل فيحصل الإنفصام المعرفي وتولد المشاكل الإجتماعية. أما التوصيات فلها، في الموضوع، تتمة.
أكسروا إذاً التابوهات بوعيّ لا باستهتار وتحرروا من الموروثات الساذجة!

نوال نصر
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق