أبرز الأخبارصحة

للخبيث أيضاً «بروفايل»… ثورة الفحص الجيني!

كل الحقائق قد يسهل فهمها إذا اكتُشفت، لكن المشكلة تبقى في اكتشافها! وكل الأمراض قد يسهل علاجها إذا حُللت صحّ لكن هل يستطيع أي طبيب، مهما كان بارعا، اتخاذ القرار الصائب الجازم الحاسم بالعين المجردة؟
الطبُ يتطور. الحياة كلها تتطور. ومرضى السرطان أمام تطور جديد قد يُبدل كل المعادلة القائمة ويتجاوز كل البروتوكولات الجامدة ويؤسس الى مرحلة يدخل فيها الطبيب الى اللب، الى النواة، الى الجينة، قبل أن يُحلل. 
مرضى سرطان؟
تنفسوا بعمق وثقوا أن باب أمل جديد قد شُرّع أمامكم مفتاحه الخلية وقوامه الإنسان ومفهومه أن لكل مريض «بروفايل» ولكل «بروفايل» سمات ولكل سمات نهجاً وأسلوباً ولكل خبيث فحصاً جينياً ولكل جينة معلومة ولكل معلومة سرطانية خريطة علاج.
هي إذا ثورة طبية علمية بدأت تُزهر ربيعاً…

من الولايات المتحدة الأميركية أتى حاملاً أفكاراً وآمالا ًوآفاقاً. البروفسور فضلو خوري، اللبناني الجذور، رئيس قسم أمراض الدم والأورام في جامعة أماروي، لبى نداء «آي بي أس جينومكس» وجلس الى جانب رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الدم والأورام البروفسور فادي فرحات ليتحدثا عن ثورة قوامها: فحص جديد لمرضى السرطان يُحدد «بروفايل» الأورام السرطانية أو لنقل «يشخصنها» لتُصبح صاحبها، ولا أحد غير صاحبها، وليُصبح كل مريض سرطان حالة مستقلة في ذاتها.
بعربية «مكسرة» لكن بأفكار صلبة حكى البروفسور خوري عن معادلة علمية جديدة قد تنسف كل «الجوامد» في الطب السرطاني وتعطي آمالاً الى من خالوا أن وجوههم باتت للحائط… فماذا في التفاصيل؟

في دوامة العلاجات!
قديماً، قبل عقد وأكثر، كنا نتبع بروتوكولات محددة لعلاج أي ورم سرطاني، أي كنا، بحسب البروفسور خوري، نتبع مقاربة مقاس واحد يناسب الجميع، وفي حال فشل العلاج كان الطب يقف حائراً أمام خيارات علاجية محدودة: هذه أو تلك أو لا شيء! وكنا نحاول أن نختار الأنسب لحالة المريض، لكن، للأسف، كثيراً ما كنا نقف حائرين أمام الخيارات العلاجية المحدودة المتاحة، ساعين الى اختيار الأنسب منها لحالة المريض، لكن غالباً ما كانت تلك العلاجات تجريبية غير فعالة ما ينعكس سلباً على صحة المريض من ناحية فشل العلاج في محاربة الورم وفي زيادة السمية في جسم المريض نتيجة تعرضه الى دواء كان يمكن الإستغناء عنه. كنا، في اختصار، في دوامة.
وحده مريض ذاك الخبيث، الذي يستشري مثل الفطر، قد يفهم عما نتكلم. ووحدها تلك المرأة الجميلة، ابنة الأربعين، التي رأت شعرها الذي يتدلى بجاذبية فوق كتفيها يتساقط بعد كل جلسة كيميائية لتُصبح صلعاء، قد تفهم أهمية أن يعرف طبيبها، بالدليل الحسي، كل الخيارات الفاعلة الهادفة المتاحة أمامه قبل أن يقرر علاجها كما يُعالج عشرات يعانين من حالتها عينها، غير مدرك أو ربما غافل أن النساء لا يشبهن بعضهن والخبيث لا يُشبه هو أيضاً، حتى لو كان من النوع نفسه، بعضه!

الفارق الهائل في مواجهة الخبيث
تريدون الدخول أكثر في لبّ فكرة تحديد «بروفايل الأورام السرطانية»؟  هل يتم هذا باختبار دم؟ هل هناك مختبرات في لبنان قادرة على أن تقوم بهكذا اختبار؟ هل الصناديق الضامنة تعترف بجدوى هذا الفحص؟ وكم يحتاج صدور النتيجة؟ وهل يفترض بكل من يكتشف إصابته للتوّ إجراء هذا الفحص؟
رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الدم والأورام البروفسور فادي فرحات حكى عن خزعة تُسحب من الورم وتُرسل الى المختبرات في الخارج وتحتاج النتيجة من أسبوعين الى شهر لتصدر. وبدأت الجهات الضامنة في لبنان تدرس جدوى هذا الفحص بإمعان، بعدما ثبتت أهميته في إحداث الفارق الهائل في مواجهة الخبيث. فأكثر ما قد يجعلنا نفهم عدونا ونواجهه هو دخول أسرار بيته وحياته. وهكذا الخبيث كلما توغلنا في أسراره وفككنا طلاسيمه كلما ضعف أمامنا.
ماذا كان يتم، أو لنقل ما زال يتم في أحيان كثيرة، في العلاجات السرطانية؟
كان الطبيب يستخدم خبرته في تحديد الخريطة العلاجية، لكن كثيراً ما كان يصل الى طريق مسدود، تتضاءل فيها الفرص، ما يجعله يعتمد إحدى الطرق الثلاث الآتية:
أولاً، تجريب علاج آخر يعتمد على خبرات الطبيب حتى ولو لم يكن الركن العلمي متوافراً.
ثانياً، تكرار استخدام أحد العلاجات التي سبق واستفاد المريض، في يوم ما،  منها حتى ولو كانت استفادته حينها محدودة.
ثالثاً، إقناع المريض في الدخول في تجارب سريرية لاكتشاف ما إذا كان ممكنا الإتيان بأدوية جديدة.
 تُستخدم في العلاج إذا مقاربة «مقاس واحد» في المرض وهذا سيء للغاية، لا سيما أن العالم كله يتطور فهل يجوز أن يبقى العلاج السرطاني بمقاس واحد؟ هل يجوز أن تخضع إمرأة مصابة بسرطان الثدي الى علاج كيميائي لأن كل النساء المصابات بسرطان الثدي يخضعن له في مرحلته… من قال أنه يلزمها؟ تشخيص الطبيب؟ علام اتكل الطبيب في تشخيصه هذا؟ على خبرته؟ الطبيب مهما كبر حجمه وزادت تجاربه يُخطئ، ولهذا، بعدما دخلنا العصر الجيني، بات الإتكال أكثر على الفحص الجيني في رسم كل الخريطة…
 
ثورة… وبارقة أمل
في الولايات المتحدة الأميركية تتركز الدراسات الآن حول العلاجات المركزة للسرطان وذلك بعدما بلغت فاتورة الأموال التي تضيع سنوياً في معالجة الحالات السرطانية تجريبيا ما يزيد عن 14 مليار دولار أميركي! مبلغ هائل والنتيجة تقترب من الصفر. أناس يُعطون أدوية لا يحتاجون إليها وأناس يخضعون الى جلسات كيميائية لا يحتاجون إليها وأشخاص يبحثون بالسراج والفتيلة عن علاج شاف يعيد إليهم بعض الطمأنينة عبثا! والحل؟ ثورة ثورة ثورة…
89
في المئة من المرضى، بحسب دراسة عُرضت في المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لطب الأورام، يريدون من طبيبهم إطلاعهم على كل أنواع العلاجات المناسبة لحالتهم، و74 في المئة منهم مستعدون للتريث في البدء بالعلاج الى أن يتم اختيار العلاج الأنسب لهم إستناداً على نتائج الفحص الجيني لتحديد «بروفيل» الورم السرطاني. وإذا كانت هذه هي الحال في أوروبا فماذا عن لبناننا وعن عالمنا العربي؟ سيُطالب بهذا الفحص الجيني كل مرضى السرطان هنا أيضا إذا عرفوا بوجوده. فمن يعش على حبل رفيع بين الحياة والموت يبحث عن بارقة أمل وهذا الفحص بارقة جميلة في عالم نُعت بالخبث.
ماذا عن سعر الفحص الجيني هذا؟
لا يرغب عادة الأطباء في الدخول في التسعيرات، إما لأنهم لا يهتمون أو لأنهم لا يعرفون أو لأنهم يولون كل الأهمية الى ظروف العلاج بغض النظر عن الكلفة… في كل حال، كلفة الفحص المبدئية تزيد عن الثلاثة آلاف دولار أميركي…
من يفترض بهم إجراء هذا الفحص الجيني؟
ليس ضرورياً أن يجري مرضى سرطان الليمفوما  أو اللوكيميا اللذين تزيد فرصة النجاة منهما عن التسعين في المئة هذا الفحص الجيني، إنما الأشخاص الذين يفترض بهم ذلك هم من يعانون من سرطان متقدم، شرس، ومن قد تترك العلاجات التجريبية الأخرى فيهم مضاعفات جمة، ومن تدنت فرص نجاتهم كثيراً. وهنا يعلق البروفسور خوري: الفحص الجيني هذا كما المنظار الذي يؤشر لنا عن التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن اكتشافها في أي فحص آخر. وقد يُمكننا من رمي كل الأدوية والإكتفاء بدواء ربما ليس له علاقة بالورم نفسه، نعالج فيه أسباب التحول الجيني. إننا، بكلام مختصر، قادرون على التصويب بدقة على الخلل حين تُصبح الخريطة أمامنا واضحة.

خريطة العلاج
الفحص الجيني قادر على أن يقول للطبيب: مريضك هذا الذي سبق وقلت له إنه يحتاج الى علاج كيميائي لا يحتاجه. وأن مريضتك تلك التي ظننت أنها قد تتجاوز المرحلة بلا علاج كيميائي تحتاج إليه وبسرعة. ألم نقل أنه خريطة طريق؟
في كل حال جاء في دراسة نُشرت في المجلة العلمية لطب الأورام أنه يمكن الحؤول دون تعرض نحو 60 في المئة من مريضات سرطان الثدي، في مرحلتيه الأولى والثانية، للعلاج الكيميائي ومضاعفاته الجانبية نتيجة القيام بهذا الفحص الجيني.
إننا متجهون نحو المستقبل والفحص الجيني هو مستقبل الطب…

مرضى سرطان؟
راجعوا أطباءكم. أخبروهم عن جديد الطب والعلم. واسألوهم عن الفحص الجيني وألحوا… فثمة فرصة أمامكم لتبدأوا في علاج قد يرسم لحياتكم خريطة حياة تضخّ بأملٍ تستحقونه.

نوال نصر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق