فاز إيمانويل ماكرون الأحد بولاية رئاسية ثانية، بعد حصوله على نسبة 58.54 بالمئة من أصوات الناخبين، مقابل 41.46 لصالح منافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان. ورغم تقدم ماكرون في الاستحقاقات الرئاسية، فإن «دورة ثالثة» لا تقل أهمية تنتظره وخصومه السياسيين وتتمثل في الانتخابات التشريعية المقررة في 12 و19 حزيران (يونيو) المقبل. فسيتوجب على الرئيس ضمان أغلبية برلمانية مريحة لتجنب الدخول في تحالفات والاضطرار إلى التفاوض من أجل المصادقة على مشاريع القوانين.
بعد الإعلان عن فوز إيمانويل ماكرون بولاية رئاسية ثانية، يسابق مختلف الفرقاء السياسيين الزمن لتكثيف جهودهم، استعداداً للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 12 و19 حزيران (يونيو) المقبل، إذ لا يقل هذا الاستحقاق أهمية عن سابقه، اعتباراً للصلاحيات الممنوحة للنواب البرلمانيين ودورهم في تمرير القوانين المرتبطة بخطط الإصلاح في البلاد.
وعلى بعد حوالي سبعة أسابيع من موعد هذه الانتخابات، يواجه الرئيس إيمانويل ماكرون تحدياً كبيراً يتمثل في الحصول على أغلبية برلمانية مريحة تمكنه من تجنب الدخول في تحالفات سياسية قد تعرقل العمل التشريعي وتحول دون تنفيذ برنامجه. إذ يرتقب أن تحدد الانتخابات البرلمانية تركيبة الحكومة التي سيعتمد عليها ماكرون في خطط الإصلاح، خصوصاً وأن منافسته مارين لوبان، اعتبرت أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل «انتصاراً مدوياً» وتعبيراً من جانب الفرنسيين عن «رغبة» في إقامة «سلطة قوية مضادة لإيمانويل ماكرون». معلنة أن «المعركة الكبيرة من أجل الانتخابات التشريعية بدأت».
خطاب لوبان الذي أعقب الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ينم عن استشعار اليمين المتطرف حظوظه الكبيرة في إمكانية الفوز في الانتخابات التشريعية وسعيه الجاد لقطع الطريق أمام ماكرون نحو تشكيل أغلبية برلمانية، خصوصاً إذا تكونت كتلة ائتلافية مع زعيم حزب «الاسترداد» إيريك زمور، ونيكولا ديبون إينيان زعيم حزب «انهضي فرنسا».
من جهته، يسعى جان لوك ميلنشون، مرشح أقصى اليسار في الدورة الأولى للانتخابات، لأن يصبح رئيس الحكومة المقبلة عبر الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات التشريعية. وهو ما يرى مراقبون أنه أمر غير مستبعد نظراً للنتائج المتقدمة التي حققها في الدورة الأولى من الاستحقاقات، واعتباراً أيضاً لإمكانية تحالف أحزاب اليسار التي تتوفر على خزان أصوات مهم.
وخلال خطاب النصر، أقر الرئيس إيمانويل ماكرون أن تصويت كثير من المواطنين لصالحه، لم يكن اقتناعاً ببرنامجه الانتخابي، أو إيماناً بأفكار حزبه، لكن منعاً لفوز اليمين المتطرف، مشيراً إلى أن كثيراً من المصوتين أصحاب توجه يساري في الأصل. غير أن المشكل الذي يطرحه هذا النوع من التصويت بالنسبة الى ماكرون، هو كون هذه الكتلة الناخبة لا ترغب بالضرورة في حصول ماكرون على أغلبية برلمانية، وهو ما يعني نسبية تصويتها لصالح حزبه خلال الانتخابات التشريعية. لذلك فإن النتائج التي ستظهر التوزيع الحاسم «للسلطة» تحسم بعد نحو شهرين من الآن.
أمام هذا الوضع القائم، وفي حال لم يفز بأغلبية برلمانية مريحة، سيضطر الرئيس المنتخب للتحالف مع أحزاب معارضة لبرنامجه والحكم من خلال تعايش سياسي، وهي عملية لم تشهدها فرنسا في السابق سوى مرتين اثنتين، آخرهما كانت في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك، الأمر الذي يخشى أن يتسبب في جمود تشريعي داخل البلاد.
في هذا السياق، يرى المحلل السياسي عبد المجيد بودن في حديثه لفرانس24 أن فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية أمر مهم، لكنه ليس كافياً، نظراً للنسبة التي حققتها منافسته مارين لوبان، الأمر الذي ينذر بصعوبات في مفاوضات تشكيل أغلبية برلمانية، مضيفاً أن وعي الرئيس بهذا التحدي سيدفعه لا محالة لاستدراك نقائصه واستثمار الفترة الفاصلة بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية لتلبية مطالب الممتنعين ومحاولة إقناعهم».
فهم الانتخابات التشريعية
تجرى الانتخابات التشريعية الفرنسية كل خمس سنوات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية، وهي الغرفة الثانية في البرلمان الفرنسي إلى جانب مجلس الشيوخ. وتكتسي هذه الانتخابات أهميتها في كونها تحدد الأغلبية البرلمانية في الجمعية الوطنية، وهي أغلبية لها وزن في المصادقة على مشاريع القوانين من عدمها، وبالتالي فإن لها تأثيراً مباشراً في رسم سياسة البلاد.
يتنافس المرشحون في هذا الاستحقاق من أجل نيل مقاعد الجمعية الوطنية، وعددها 577 مقعداً والتي تمثل الدوائر الفرنسية في كامل فرنسا، وقد باتت هذه الانتخابات تجرى بعد أسابيع من الرئاسيات بمقتضى قانون صادر عام 2001 كي تتزامن الفترة التشريعية مع الولاية الرئاسية.
وتتم الانتخابات التشريعية الفرنسية وفقاً لطريقة قائمة الأغلبية في دورتين في كل دائرة على حدة، لولاية تستغرق 5 سنوات. للفوز في الدورة الأولى ينبغي الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين، بشرط ألا يقل عدد المصوتين عن 25٪ من عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية.
ويتم إجراء الدورة الثانية، في حال عدم حصول أي من المرشحين على الأغلبية المطلقة، بين المرشحين الذين حصلوا على 12.5٪ من أصوات الناخبين، كحد أدنى، ويكتفى بالأغلبية النسبية في الدورة الثانية لاختيار الفائز.
وفي مقابل بحث إيمانويل ماكرون عن تحالفات، تسعى أحزاب اليسار للبحث بدورها عن تعايش سياسي، إذ صرح زعيم حزب فرنسا الأبية المحسوب على اليسار الراديكالي، جان لوك ميلنشون: «أنا لا أريد للسيدة لوبان أن تتولى البلاد، ولا أريد أن يحتفظ السيد ماكرون بالسلطة، ويجب أن أحل هذا التناقض، وأنا أحله بطريقة واحدة فقط، وأقول إن هناك جولة ثالثة».
هل يعول المرشحون المنهزمون على الانتخابات التشريعية لانتزاع السلطة من ماكرون؟
رغم الإقرار بصعوبة الجزم بطبيعة المشهد السياسي التشريعي المستقبلي، رجح المتحدث «أن يتحالف حزب الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسية مع أحزاب اليمين المعتدل وأحزاب يسارية معتدلة التوجه، مثل حزب الخضر الذي يملك رصيداً لا بأس به من الأصوات، مستبعداً في الوقت ذاته إمكانية حصول أي اتفاق بين اليمين المتطرف وأحزاب الوسط».
ويرى مراقبون أن صعوبة عملية تشكيل التحالفات البرلمانية تطرح مخاوف من حدوث شلل تشريعي يحول دون المصادقة على مشاريع القوانين ويدخل البلاد في حالة جمود، أو أن يحدث إرباكاً في التوجهات الكبرى للسياسة الخارجية للبلاد. هذا الأمر في نظر بودن مستبعد، أخذاً بعين الاعتبار المخارج الدستورية والقانونية التي تسمح في جميع الأحوال ببناء تركيبة سياسية منسجمة، ولو جزئياً، بما يسمح بتجنب تلك الحالة، كالاتفاق بين التشكيلات السياسية الأكثر قرباً وتوافقاً على مستوى الأفكار، ولو تسبب ذلك في التنازل عن بعض بنود برنامجه، مشيراً من جهة أخرى إلى أن صلاحيات الرئيس الدستورية المريحة في ما يتعلق برسم وتنفيذ السياسة الخارجية تجعل مشكل التحالفات منتفياً».
من يفضل الفرنسيون؟
بحسب استطلاع رأي أنجزته الأحد مؤسسة «إبسوس» الفرنسية لصالح قناة France TV وصحيفة Le Parisien وإذاعة Radio France، فإن 56٪ من المواطنين الفرنسيين المستطلعة آراؤهم يريدون خسارة إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية، مقابل 20٪ يريدون أن يحصل على أغلبية مريحة تتيح له «تطبيق برنامجه» و24٪ يرون أنه من الأفضل الحصول على أغلبية لتجنب اضطراره إلى «تعايش سياسي».
وفي تفاصيل الاستطلاع، فإن نسبة 84٪ من ناخبي جان لوك ميلنشون، و49٪ من ناخبي يانيك جادو، و40٪ من ناخبي فاليري بيكريس، و87٪ من ناخبي مارين لوبان و80٪ من ناخبي إيريك زمور يريدون هزيمة ماكرون في الانتخابات التشريعية.
ا ف ب