مآسي لجوء السوريين الى اوروبا

الخمسون مليون دولار الاضافية التي وعد رئيس الوزراء الايطالي، انريكو ليتا، بتقديمها الى لبنان، لدعم جهوده لمساعدته على مواجهة وزر استقبال الهاربين من جحيم الحرب السورية، ترمي كذلك، الى هدف آخر، اساسه اوروبي، وانعكاساته اوروبية، تحت وطأة ازمتها الاقتصادية والخوف من استغلال القاعديين للوضع. مآسي تدفق اللاجئين الساعين الى الهرب من جحيم بلادهم، وسعياً وراء عيش كريم، معروفة منذ قبل وصولهم الى جزيرة لامبيدوزا الايطالية، التي هي احدى محطات وصولهم الاولى، الى ما يعتبرونه الفردوس الاوروبي.
الهرب من الجحيم السوري، تحوّل الى عملية تجارة واستغلال مربحة، واصبحت رحلة الهرب والانقاذ اكثر طولاً وخطورة، ينفذها تجار البشر، بمزيد من قلة الذمة وانعدام الضمير، ويصل ثمن «البطاقة» احياناً – حتى الآن، الى 10 و12 الف دولار، وفي حسابات ضحايا الهجرة، ان ثمنها «يضمن» كذلك – ولا ندري كيف – تأمين تأشيرة شرعية لدخول الدول. واعرف احدهم انتظر شهراً في بيروت، وعاد من حيث اتى، لانهم قالوا له ان «المسؤول» تأخر شهرين. ويقال ان هناك عصابات، تتولى تهريب سوريين الى لبنان، بعد اخذهم الى تركيا ثم مصر… فالى لبنان.
والمؤسسة التي تتولى متابعة الطرق التي يعتمدها مهربو البشر للوصول الى ايطاليا واوروبا، هي المؤسسة الدولية للهجرة، وخصوصاً من سوريا، الآن.
فان عدد السوريين الذين وصلوا الى ايطاليا عن طريق البحر، يسجل تضخماً متزايداً ويشمل، في صورة خاصة شواطىء مناطق كالامبريا، وبوليا وصقلية. ويروي، انخل اوروبيزا مدير مكتب تنسيق اعمال المنظمة الدولية للهجرة، في المتوسط ان «اكثر من 2800 سوري وصلوا الى ايطاليا، عبر البحر، في سنة 2013». مقابل 582 في سنة 2012 و328 في سنة 2011.
والسوريون الذين يصلون بحراً الى ايطاليا، عبر جزيرة صقلية، يمرون اجمالاً عبر لبنان والاردن فالى مصر، ومنها الى ايطاليا، ويتولى مهربون مهنيون تنظيم الرحلة، مقابل ما بين 8000 و12000 دولار».
الملاذ الافضل
وتشكل شواطىء منطقتي بوليا وكالامبريا الملاذ الافضل. ويردف انخل اوروبيزا: «ان من يصل الى هاتين المنطقتين، يأتي عادة من معسكرات اللجوء في تركيا، حيث تتولى شبكات مهربين، تأمين جوازات سفر مزورة مقابل مبالغ تتراوح بين 2500 و6000 دولار، وتكلف الرحلة المباشرة من تركيا الى ايطاليا بين 2000 و3000 دولار، لانها رحلة طويلة وخطرة. وقد يكتفي المهاجر، بالانتقال الى اليونان، ومنها الى ايطاليا».
ومن المؤكد ان الزحمة على طريق البحر، اضمحلت في هذه الايام، بسبب احوال الطقس وهيجان امواج البحر وغضب رياحه.
ومما يظهر من روايات السوريين، الذين نجحوا في الوصول الى اوروبا، ولو بثمن مقتل كثيرين منهم، ومن فشل، والتقيناه في بيروت ام في اوروبا، اشار الى انه يعبر ايطاليا، ممراً، لان هدفه الحقيقي هو شمال اوروبا اي المانيا، والسويد والنروج ضبطاً، ويؤكد لهم الذين ينظمون عمليات التهريب، انهم يضمنون هذا الانجاز، بفضل جوازات سفر مزورة، وينهي اوروبيزا: «ان المعلومات التي تمكنا من جمعها تؤكد مرة جديدة، ان هؤلاء الناس هم ضحية مهربين بلا ضمير، يستغلون مآسيهم للاثراء، حتى من نقلهم في ظروف في غاية الخطورة».
ولعل الحدث الذي اثار الضجة الاكثر انسانية، هو تلك المرأة التي ماتت في القارب الذي كان ينقلها الى ايطاليا، وماتت على الشاطىء، فاعتمد زوجها واولادها التبرع باجزاء حيوية منها، لمن يحتاج اليها، فعاش ايطاليون بقلبها، وكبدها وعينيها.
وأطلقت كاريتاس ايطاليا، برنامجاً بالتعاون مع الفاتيكان، لمساعدة 5400 عائلة سورية عبر مشروع توأمة، يشمل 20 الف شخص، اضافة الى مشروع لايواء اكثر من 300 عائلة ومساعدتها، وبدأ تنفيذ المشروع مع احد مخيمات اللاجئين السوريين في سهل البقاع.
في اسبانيا
وتعيش اسبانيا ظاهرة، مماثلة حيث لم يشكل عدد السوريين سوى 20 في المئة من 2500 طلب لجوء قدمت في سنة 2012، وروت عائلة، انها دفعت 33000 دولار ثمن انتقالها الى مليلا، حيث تعيش اسبانيا تجربة دخول عائلات بكاملها. وتحولت مدينتا سبتا ومليلا، ومطارات مدريد وبرشلونة مرتعاً لعمليات مافيا، تؤمن جوازات سفر مزورة وتحتاج الحكومة الى سنة لحل عقدة اصحابها، الذين يكونون قد وصلوا عبر مصر والجزائر. فتتولى عصابات المافيا ايصالهم الى الحدود الاوروبية الداخلية وقليلون هم الذين يطلبون اللجوء في اسبانيا وايطاليا ويفضلون ان تطبق الشرطة في حقهم، «قانون الاجانب» الذي يقضي بطردهم»، ويردف كارلوس مونتيرو، مدير مركز اقامة اللاجئين المؤقتة، «انهم يعرفون ان الحكومة لا تستطيع اعادتهم الى بلادهم التي هي في حالة حرب، وكثيرون يطلبون انتقالهم الى بلاد اخرى، حيث لهم اقارب».
وروى شاب سوري من حلب، عمره 33 سنة، امضى 3 اشهر في معسكر للاجئين في مليلا، انه كان يدرس في دبي، حيث صادرت الشرطة جواز سفره، لكنه يدعي انه نجح في الفرار ووصل الى اسبانيا، مروراً بتركيا والجزائر والمغرب.
وتدخل مبادرة رئيس الحكومة الايطالية في بيروت، الى التبرع بمساعدات مالية. وبتدريب الجيش اللبناني، في اطار تدابير الوقاية، التي تعتمدها اوروبا، في اطار السعي الى اغلاق ابوابها، بالرغم من نداء وجهته الامم المتحدة، بتحمل مسؤولياتها الانسانية وبفتح ابوابها امام السوريين الهاربين من الحرب، بعض هذه الدول وافقت خجولة، والبعض الآخر، رفض ونسب خبراء هذا الرفض، الى موجات القومية الشعوبية المتصاعدة في داخلها.
وكانت الامم المتحدة حددت رقم 30000 لاجىء سوري، تقبلهم الدول الاوروبية حتى سنة 2014. ولم يفت المراقبين، تواضع هذا الرقم، بالنسبة الى حجم الكارثة الانسانية في سوريا.
طلبات اللجوء
وتتوزع طلبات اللجوء التي قدمها سوريون، بين تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 وتشرين الاول (اكتوبر) 2013، حسب الجدول الآتي المؤقت:
اليونان: 420، ايطاليا: 590، اسبانيا: 615، بلغاريا: 2310، النمسا: 1000، فرنسا: 955، سويسرا: 905، المانيا: 11005، هولندا: 1465، بريطانيا: 1545، النروج: 700، السويد: 10570.
والمشكلة هي في ان اوروبا سيّست مشكلة اللجوء والهجرة، بينما تتزايد كثافة الاجواء العنصرية، مما ادى في رأي جوليا زلفنسكايا، الخبيرة القانونية، في المجلس الاوروبي للاجئين والمنفيين، الى تحول الصناديق التي كانت مخصصة للهجرة، الى دعم اغلاق الحدود». بينما يقول، نيقولا برجه رئيس القسم الاوروبي، لمنظمة العفو الدولية: «ان القوانين الدولية، تقول بان لكل انسان، الحق في الهرب من الحروب»، مما يفرض على كل الدول الاوروبية، قبول اللاجئين».
وفي مواجهة اغلاق الابواب امام اللاجئين الشرعيين، تحولت الاكثرية الساحقة، الى الطرق غير الشرعية، عبر المافيات وتجار البشر، مع النتائج التي تلاحظ واصبحت السويد الملجأ الافضل، وانتقت السويد، ان تكون الاستثناء، بين الدول الاوروبية، حيث يقدر عددها ان عدد السوريين المتواجدين فيها، يزيد على 100 الف، اكثريتهم دخلوا في طريقة غير شرعية.
و اما السويد الملاذ الاوسع صدراً، فانها استقبلت طلبات لجوء دائم 13700 سوري، يتوقع ان تمنحه الى 95 في المئة منهم، وهذا الامر ممكن. بفضل توافق الحكومة والمعارضة الاشتراكية على مواجهة التيارات الشعوبية وتطرفها ضد الاجانب.
واذا كانت الامم المتحدة، طلبت من الدول الاوروبية ان تستقبل شرعياً 30 الف سوري، فان المانيا عرضت استقبال 5000، والنروج 1000 وفرنسا وفنلندا 500 لكل واحدة منهما واسبانيا 30.
ولكن عدد الوافدين غير الشرعيين يفوق هذه الارقام بكثير.
في البرتغال
ومن ذيول المتاجرة بتعاسة السوريين يتواجد حالياً في البرتغال 74 سورياً، تكون اكثريتهم عائلات، جرى توزيعهم على عدد من مراكز الاغاثة والجمعيات الخيرية في ليشبونة واستوريل، باشراف الشرطة بعد وصولهم الى مطار العاصمة البرتغالية، يوم الثلاثاء الماضي، حاملين جوازات سفر مزورة. حصلوا عليها في تركيا، بواسطة شبكات متخصصة بتهريب الناس. وتقول الصحافة البرتغالية ان اللاجئين دفعوا ثمن جواز السفر المزور، حوالي 4000 دولار، ومع تعهدات بادخالهم الى اوروبا، طاروا من تركيا الى الدار البيضاء، ومن دون ان يتركوا المطار، طاروا الى غينيا بيساو في نية الانتقال منها الى ليشبونة، على متن احدى طائرات الخطوط الجوية البرتغالية الحكومية.
ولكن موظفي الخطوط الجوية البرتغالية في البلد الافريقي، ارتابوا في جوازات السفر التي كانت معهم، والتي كانت اما مزورة كلياً، اما لا تتناسب مع شخصية الذين يحملونها. وروت الصحف البرتغالية ان رجال الامن الغيني، اجبروا قائد الطائرة على نقل السوريين بقوة السلاح والتوجه بهم الى ليشبونة، في الوقت المحدد حيث احتجزتهم قوة من الشرطة المسلحة، لدى وصولهم عند الساعة السادسة والنصف صباحاً، وكان بين المجموعة 30 دون السن القانونية من بينهم 15 صبياً وامرأة حامل، نقلت الى المستشفى لاصابتها بنزيف، ربما من الخوف، وطلب جميع الوافدين، من مناطق يسيطر عليها الثوار، اللجوء لاسباب انسانية، وافادوا انه لم يكن في نيتهم التوقف في ليشبونة عندما خرجوا من سوريا، وانما اعتمادها محطة مرور، وصولاً الى المانيا والسويد حيث لديهم اقارب، ولكن رحلتهم الاوروبية توقفت في البرتغال الفقير، حيث طلبوا اللجوء.
ولدى التدقيق، تبين ان بعضهم يحمل جوازات سفر سورية، تحمل اسماء اخرين، وتسعى الشرطة البرتغالية، الى معرفة ما اذا كان بينهم اصوليون، انتحلوا صفة لاجئين، للدخول الى اوروبا، وقد يتطلب قرار منحهم اللجوء ام لا اشهراً. واسرع مصدر في الاتحاد الاوروبي في بروكسل، يقول ان قرار منحهم اللجوء ام لا، يتعلق بلشبونة وحدها، ولا دخل لاوروبا كاتحاد بالامر.
وكان للحادثة ذيولها الديبلوماسية والاجتماعية والاقتصادية المباشرة، بين البرتغال ومستعمرتها الافريقية السابقة، فاوقفت شركة الطيران البرتغالية رحلاتها الى غينيا – بيساو، الى اجل غير مسمى (ثلاث رحلات في الاسبوع كانت تربط ليشبونة وبيساو (عاصمة الدولة الافريقية) قبل ان تتخذ «التدابير الامنية اللازمة»، وكانت حكومة رئيس الوزراء البرتغالي المحافظ بيدرو باسوس كويلهو، على علم بقرار شركة الطيران الحكومية، وكذلك رئيس الجمهورية، هنيبعل كافاكو سيلفا.
غينيا – بيساو مندهشة
اما غينيا – بيساو، فاعربت عن دهشتها لما حصل ، مع العلم ان ليشبونة، لا تعترف رسمياً بحكومة بيساو التي اكتفت بالقول، انها ستتكلم بعد ان تحقق في كيفية صعود ركاب يحملون جوازات سفر مزورة، الى الطائرة.
وتعيش غينيا – بيساو حالة لا استقرار سياسية متفشية، منذ انقلاب سنة 2012… الذي حوّلها الى قاعدة مافياوية، على طريق تهريب المخدرات والبشر، وكانت شركة الطيران البرتغالية الرابط الوحيد بين غينيا – بيساو والخارج.
ويبقى مصير السياح الذين اشتروا بطاقات للسفر الى غينيا – بيساو، في عيد الميلاد على متن الشركة البرتغالية، التي اكدت لجريدة «دياريو دو نوتيسياس» ان الشركة ستعيد ثمنها الى اصحابها، (وعددهم 1000) وتقترح استبدال رحلة الى داكار، بالسفر الى بيساو، اذا كان هناك مقاعد غير شاغرة على متن الطائرات.
ويقدر العارفون عدد السوريين الساعين الى الوصول الى اوروبا، بمليون حتى الآن.
ج. ص