سياسة عربية

السلطة الفلسطينية… ماذا جنت وماذا خسرت؟

خلال الاسبوع الماضي، اوردت وكالات الانباء خبراً مفاده ان رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله وقع مع الحكومة الاميركية ممثلة بالقنصل العام في رام الله مايكل راتين اتفاقية لتحويل دعم مالي لموازنة السلطة الوطنية الفلسطينية بقيمة 148 مليون دولار. الخبر لافت وينطوي على دلالات ابرزها ان الادارة الاميركية عادت الى مرحلة تقديم جرعات دعم مالية للسلطة الوطنية التي يرأسها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

رغم ان ثمة من يرى ان مبلغ الدعم المعطى لهذه السلطة هو متواضع نسبياً، ولا يسد الا ثغرة صغيرة في العجز المالي الذي تعانيه مالية السلطة، الا ان هذه الخطوة هي في رأي المتابعين عن كثب لتطورات الوضع الفلسطيني في الآونة الاخيرة، جزء لا يتجزأ من عملية دعم وتشجيع للسلطة الفلسطينية كمكافأة غير معلنة لها على سيرها في التوجه الاميركي الرامي الى اعادة احياء مسار المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية الذي تعطل لاكثر من ثلاث سنوات، وبدا في لحظة من اللحظات انه باتت من سابع المستحيلات اعادة احيائه، بصرف النظر عما يمكن ان تؤدي اليه الجولة الجديدة من هذه المفاوضات التي ولجت عملياً عتبة شهرها الثالث.
محطات المكافأة
التي قدمت لسلطة محمود عباس، صارت عديدة، ولا شك في ان من ابرزها القرار الاسرائيلي بالافراج عن اكثر من 106 معتقلين فلسطينيين اطلق منهم قبل عيد الفطر المبارك نحو 26 معتقلاً، اضافة الى ذلك ثمة وعود اسرائيلية اعطيت للجانب الفلسطيني جوهرها تخفيض الاجراءات الامنية والحواجز والمعابر بين المناطق الفلسطينية في مرحلة لاحقة.
وفي كل الاحوال، ثمة من يرى ان السلطة الفلسطينية استعادت توازنها في الآونة الاخيرة وبدأت تفعل عملها وحضورها.

حسابات ورهانات جديدة
وهذا الوضع المستجد لم يكن فقط نتاج عودة السلطة الى طاولة المفاوضات المجهولة المصير والنتائج مع الجانب الاسرائيلي انصياعاً للرغبة الاميركية واتكاء على وعود اميركية بعضها عاجل وبعضها الاخر آجل، بل لان ثمة حسابات ورهانات جديدة تولدت خلال الاشهر القليلة الماضية لدى عباس، والقيادة الفلسطينية عموماً.
فالمعلوم ان هذه القيادة بكل مؤسساتها ورموزها القيادية، عاشت منذ ما صار يعرف في القاموس السياسي العربي بـ «الربيع العربي» ما يشبه وضعاً ضبابياً قلقاً. فالمعلوم انه في بداية هبوب رياح «الربيع العربي» في تونس ثم في مصر وليبيا وسوريا، فقدت القضية الفلسطينية الكثير من وهجها والقها، حتى بدت وكأنها دخلت في متن الهامش، وباتت وكأنها صارت نسياً منسياً، خصوصاً ان احد الذين قادوا انتفاضات «الربيع العربي» لم يضع مسألة الصراع العربي – الاسرائيلي في رأس جدول اهتماماته وفي اولوياته.
وهكذا ظهر من يعتبر ان «القضية الفلسطينية» هي اولى ضحايا «الربيع العربي» كون الدول التي دخلت تحت مظلة هذا الربيع دخلت في الوقت نفسه في تناقضاتها ومشاكلها الداخلية التي تكاد تخرج عن نطاق الحصر.
وفي مرحلة لاحقة، وبالتحديد عندما امسكت جماعة «الاخوان المسلمين» بالسلطة في القاهرة، برز من يعتبر ان وضع السلطة الفلسطينية صار اكثر حراجة ودقة، فالذين وصلوا الى رأس هرم السلطة في قاهرة الحضر، هم من الطينة العقائدية والايديولوجية نفسها للحركة المنافسة للسلطة وهي حركة «حماس». وبين عشية وضحاها، صارت «حماس» الطفل المدلل لحكم الاخوان في مصر وفقدت حركة «فتح» مكانتها وحظوتها التقليدية التاريخية التي كانت لها ابان نظام الرئيس حسني مبارك في عاصمة الدولة العربية الاكبر.
وعليه، تعزز وضع حركة «حماس» في القاهرة، وصارت معبر ومقر قياداتها، ومكان مؤتمراتها العامة ومربط فرسها عموماً.
واكثر من ذلك، بدت حركة «فتح»، العمود الفقري للسلطة الفلسطينية، وكأنها تساق سوقاً الى المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية التي كانت العاصمة المصرية محورها طوال اشهر عدة، وخصوصاً ان الهدف المضمر من وراء هذه المصالحة وفق الرؤية المصرية وشروط حركة «حماس» هو ان تصير هذه الحركة شريكة اصيلة لحركة «فتح» في السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، واستطراداً في القرار الوطني الفلسطيني، مما يعني نهاية حقبة التفرد التاريخي والذهبي لحركة «فتح»، في قيادة السلطة الفلسطينية، مما جعلها الحزب الفلسطيني الحاكم على مدى اكثر من ثلاثة عقود من الزمن.

 اسيرة التطورات
وعموماً، وجدت حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية نفسها في لحظة من اللحظات، اسيرة بالمطلق لتطورات الاوضاع والمواقف في الساحات العربية التي بدأت تعيش فوق صفيح ساخن، وتقع تحت وطأة تحولات وتبدلات متسارعة.
وعليه، كانت سلطة محمود عباس شبه وحيدة في مواجهة الغضبة الاسرائيلية عليها، بعدما ذهبت الى الامم المتحدة وكسبت مقعد عضو مراقب هناك، لدرجة انها اوشكت على الافلاس، واوشك العاملون فيها والمتكسبون من وجودها على الجوع ولا سيما بعدما حاصرتها اسرائيل مالياً ولم تف بعض العواصم العربية بتعهداتها الكاملة لها.
وعليه ايضاً، اضطرت هذه السلطة طوال العامين الماضيين الى ان تعتمد سياسة النعامة، اذ خبأت رأسها في الرمل وبعدت عن الانظار لانها ايقنت ضمناً ان الاوضاع الجديدة في العالم العربي الواقع تحت تأثير رياح الربيع المصري، ليست بالضرورة ثابتة ولذا رفضت ان تمد جسور صلة مع الآتين الى السلطة، وتقطع قنوات اتصال مع الذاهبين.

تجارب مرة
وبمعنى اخر، خافت سلطة محمود عباس خوفاً فعلياً من تكرار تجارب مرة سابقة سواء في مصر، او في سوريا، التي اشتعلت فيها الاوضاع ودخل قسم من اللاجئين الفلسطينيين القاطنين هناك طرفاً مع المعارضة وآخر مع النظام.
وكذلك كان المشهد في الساحة اللبنانية، وان كان الامر مختلفاً نوعاً ما، اذ كان المطلوب من السلطة الفلسطينية بصفتها المرجعية الرسمية للمخيمات الـ 15 المنتشرة على طول الساحة اللبنانية، ان تحول دون انزلاق هذه المخيمات او بعضها الى دوامة الصراعات اللبنانية – اللبنانية، وخصوصاً مع اشتعال احداث عبرا في شرق صيدا قبل فترة.
لذا كان موقف السلطة الفلسطينية دقيقاً وتحت مجهر الجميع واي خطأ ترتكبه او يرتكبه فصيل فلسطيني بعينه، سيزيد من ازمة العمل الوطني الفلسطيني، وخصوصاً ان اطراف الصراعات العربية – العربية، باتت «لا ترحم» ولا تمهل ولا تغفر.
ولا ريب في ان قيادة السلطة نجحت الى حد بعيد في ان تنأى بنفسها عن هذه التطورات والتحولات العربية المسلحة، واكتفت بدور المراقب فلم تحرق اصابعها في اي من هذه الصراعات ولم تبادر حتى الى عرض نفسها كوسيط لادراكها ان حدة التناقضات ومنسوب الصراعات، لا يسمحان بمثل هذا النوع من «الترف السياسي» في هذه المرحلة.
لذا بطبي
عة الحال، لم تكن حركة «فتح» منزعجة ضمنياً مما تعرضت له منافستها حركة «حماس» عندما انقلب المشهد في القاهرة، وتداعى خلال وقت قصير جداً ومن خارج كل الحسابات والرهانات حكم «الاخوان المسلمين»، وصار الاعلام المصري يتحدث عن «حماس» وكأنها شريكة في اخطاء وخطايا النظام الاخواني الساقط لتوه، وصارت دويلة «حماس» في غزة وقطاعها مصدر الارهاب المتفشي في صحراء سيناء، والذي فتح ابواب مواجهة شرسة مع قوات الامن المصرية في نظر الرأي العام والاعلام المصريين، لدرجة ان قيادات من «حماس» وجهت صراحة الى قادة من حركة «فتح» تهمة التحريض عليها في المحافل المصرية والعربية عموماً.

 «حماس» تدفع الثمن
باختصار، المنافس الشرس لحركة «فتح» وهو حركة «حماس» بدا غارقاً ويدفع ثمن انتمائه الايديولوجي والديني. لذا فإن السؤال: هل ثمة مجال لحراك سياسي جديد تبدأه الحركة الاعرق في الساحة الفلسطينية وهل ثمة فرصة امام عباس لحصد مكاسب ونتائج معينة؟
يبدو واضحاً ان القيادة الفلسطينية على قناعة من ان التحولات العربية والتناقضات العربية طويلة، والى ان تنجلي الصورة ويستقر المشهد العربي، فإن الاسلم والانسب بالنسبة الى هذه السلطة ان تمرر الوقت بالعودة الى طاولة التفاوض مع الاسرائيلي مهما كانت النتائج، وبالتالي الاستمرار في سياسة الانكفاء عن واجهة الحدث العربي، عسى ولعل الايام تتمخض عن معطيات جديدة.

ا. ب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق