الاف المحتجين حاصروا القصر الرئاسي في الخرطوم وقوات الأمن تفرقهم بالقنابل والغاز

حاول آلاف المحتجين السودانيين مساء الأحد الاعتصام في محيط القصر الرئاسي في وسط الخرطوم للمطالبة بحكم مدني ديموقراطي تزامنا مع الذكرى الثالثة لـ «ثورة ديسمبر» التي أطاحت الرئيس السابق عمر البشير، لكن قوات الأمن تصدت لهم.
وأفاد أحد مراسلي وكالة فرانس برس أن المتظاهرين أعلنوا الاعتصام أمام البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري، وبادروا في هذا السياق الى تعليق مكبر للصوت، لكن قوات الأمن سارعت الى تفريقهم ومنعهم بإطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيل للدموع.
واضاف المراسل ان الكر والفر لا يزال مستمراً مساء بين الجانبين.
وكانت قوات الامن اطلقت بعد الظهر الرصاص الحي في الهواء والغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق حشود المتظاهرين، ما أسفر عن سقوط جرحى في محيط القصر الرئاسي وفق ما قال شهود لفرانس برس.
والأحد، نزل مئات الآلاف من السودانيين الى شوارع العاصمة للمطالبة بحكم مدني ديموقراطي، بعد قرابة ثلاثة أشهر من انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الذي قاده قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وأطاح الشركاء المدنيين من حكم البلاد.
وهتف المحتجون ضد قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان مرددين «الشعب يريد اسقاط البرهان»، بحسب صحافيي فرانس برس.
وفي جنوب الخرطوم رفع المتظاهرون لافتات تدعو الى «حصار قصر» البرهان وهتفوا «الشعب أقوى أقوى والردة مستحيلة».
وفي منطقة أم درمان (غرب العاصمة)، تمكن ألاف المتظاهرين من عبور أحد الجسور بعد أن فشلت قوات الأمن المتمركزة هناك في السيطرة عليهم، بحسب ما قال لفرانس برس الشاهد العيان محمد حامد.
واثر الانقلاب العسكري وما تبعه من قمع للاحتجاجات أوقع 45 قتيلاً ومئات الجرحى، تريد المنظمات التي أشعلت الانتفاضة ضد البشير أن تعيد تعبئة 45 مليون سوداني يعيشون في ظل تضخم بلغ 300 بالمئة، ولكن هذه المرة ضد العسكريين.
وعشية هذه التظاهرات حذر رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي عزله البرهان وأقال حكومته قبل أن يعيده الى منصبه الشهر الماضي ولكن من دون حكومته، من «انزلاق البلاد نحو الهاوية».
وقال حمدوك في كلمة وجهها الى السودانيين مساء السبت «نواجه اليوم تراجعاً كبيراً في مسيرة ثورتنا يهدد امن البلاد ووحدتها واستقرارها وينذر ببداية الانزلاق نحو هاوية لا تبقي لنا وطنا ولا ثورة»، معتبراً أن «الاتفاق السياسي هو أكثر الطرق فعالية وأقلها تكلفة للعودة الى مسار التحول المدني الديموقراطي».
ولكن المتظاهرين لا يوافقون رئيس الوزراء الرأي.
وقال متظاهر في بداية العشرينات كان يغطي كتفه بعلم السودان «خرجت لرفضي الاتفاق السياسي كله.. نريد حكومة مدنية وليس سلطة عسكرية».
وأكد شاب آخر في مقتبل عمره أن «ثورتنا قامت من أجل سلطة مدنية كاملة وهذه هي مطالبنا».
ذكرى «الثورة»
منذ ساعات الصباح الأولى، أغلقت قوات الجيش والشرطة الجسور الرئيسية التي تربط وسط الخرطوم بمنطقتي أم درمان (غرب العاصمة) وبحري (شمال) لمنع المتظاهرين من الوصول الى مقر القيادة العامة للجيش.
وشاهد أحد صحافيي فرانس برس قوات من الجيش تضع كتلاً اسمنتية على عدد من الجسور التي تربط وسط الخرطوم بأم درمان وبحري. كما تمركزت بجانب الجسور سيارات نصبت على بعضها مدافع رشاشة، وبجانبها جنود مسلحون.
وأغلق الجيش كل الطرق المحيطة بمقر قيادته في وسط المدينة بسيارات مسلحة وأسلاك شائكة وحواجز إسمنتية، كما أغلق شارع المطار، أهم شوارع المدينة، بسيارات عسكرية مسلحة.
وكانت دعوات من لجان المقاومة بالأحياء السكنية وتجمع المهنيين السودانيين ( تحالف نقابي ) وتحالف الحرية والتغيير، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، دعوا إلى تظاهرة في وسط الخرطوم تتجه نحو القصر الرئاسي للمطالبة بتنحي الجيش عن السلطة وتسليمها الى المدنيين بمناسبة الذكرى الثالثة لـ «الثورة» على البشير.
ففي 19 كانون الأول (ديسمبر) 2018، وبعد أن ضاعف البشير المعزول دولياً سعر الخبز ثلاث مرات، خرج السودانيون الى الشوارع يطالبون باسقاط النظام ما اضطر الجيش الى عزله بعدها بأربعة أشهر.
واختار السودانيون ذلك اليوم لأنه في التاريخ نفسه من العام 1955 حصل السودان على استقلاله بعد أن كان يخضع لحكم ثنائي بريطاني مصري.
«الانقلاب نكسة»
وقال أشرف عبد العزيز رئيس تحرير صحيفة «الجريدة» المستقلة لوكالة فرانس برس إن «الانقلاب وضع عراقيل أمام التحول الديموقراطي وجعل العسكريين يسيطرون بصورة كاملة على السياسة والاقتصاد».
ولا أحد يعرف حصة الجيش في الاقتصاد السوداني ولكنه يسيطر على شركات عديدة تعمل في مجالات متنوعة من تربية الدواجن الى الانشاءات.
وأعاد الجيش رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك ولكن من دون أعضاء حكومته. كما تعهد إجراء انتخابات حرة في تموز (يوليو) 2023، إلا أنه لم يتم بعد تشكيل حكومة جديدة بدلاً من تلك التي حلها البرهان في 25 تشرين الأول (أكتوبر).
في المقابل يجد أنصار الحكم المدني الديموقراطي، الذين يتهمون حمدوك بـ «الخيانة» صعوبة في فرض أنفسهم على أرض الواقع. فقد كانوا منقسمين قبل الانقلاب ولا يزالون غير قادرين على الاتفاق.
مع ذلك، يعتقد خالد عمر وزير رئاسة مجلس الوزراء السابق والقيادي في تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أن «الانقلاب نكسة» في طريق التحول الديموقراطي، لكنه «فرصة لتصحيح النواقص التي شابت الصيغة السابقة» للحكم الانتقالي.
ا ف ب