تخلي الدولة عن دورها يسقط القانون ويحول الولاء الى الطائفة والزعيم
بعد احداث دامية مؤلمة وقعت يوم الخميس الماضي في محلة الطيونة زرعت القلق في نفوس المواطنين واعادتهم بالذكرى الى ايام الحرب الاهلية المشؤومة، ساد الهدوء في نهاية الاسبوع وعطلة عيد المولد النبوي الشريف، خرقته بعض التهديدات والتصريحات التصعيدية، فابقت الاجواء متوترة والاعصاب مشدودة ورغم ذلك فان الاطراف كلها كانت تؤشر الى عدم الرغبة في الحرب الاهلية وشددت على العيش المشترك.
هذه الاحداث جاءت نتيجة تشنجات وتهديدات، صوبت كلها نحو التحقيق في جريمة انفجار المرفأ، والمحقق العدلي القاضي طارق البيطار. كل ذلك ما كان يمكن ان يحصل لو كان عندنا دولة مسيطرة على كل فئات الشعب، وعلى كل الاراضي. فالدولة القادرة تفرض سلطتها على الجميع ويصبح القانون سيد الاحكام، لان لا سلطة ولا دولة بدون سلطة القضاء. ولكن المنظومة الحاكمة تخلت عن دورها الذي يحدده لها الدستور والقانون، فتفلتت الامور واصبحت الكلمة للقوة وللطائفة وللزعيم، وكل هؤلاء اصبحوا اقوى من الدولة.
ان الحكومة التي تعلم انها غير قادرة على حماية التحقيقات في الكثير من الجرائم، لماذا تقيم وتقبل الدعاوى، ولماذا تحيل القضايا الى المجلس العدلي. فانكسارها في هذا المجال يفقدها الهيبة وثقة الناس والمجتمع الدولي بها. الحملة الشرسة ضد المحقق العدلي طارق بيطار ليست موجهة ضده شخصياً، بل الهدف منها وقف التحقيق في جريمة انفجار المرفأ، ومنع الوصول الى الحقيقة. لماذا؟ الجواب عند اصحاب هذه الحملات التي تثير الشك في الداخل والخارج.
في هذا الوقت يواصل الجيش تحقيقاته في احداث الطيونة، وهو منصرف الى تحديد المسؤوليات، بعيداً عن كل الاتهامات التي سبقت التحقيق وراحت توزع التهم على مختلف الجهات. اما الحقيقة فستعلن فور انتهاء الجيش من مهمته. فرأفة بهذا الوطن وبالمواطنين عودوا الى الهدوء، والاستماع الى صوت الحق والضمير، والكف عن اشعال الاجواء وتوزيع التهم وتصعيد التوتر. وهناك حوالي عشرين موقوفاً يجري التحقيق معهم بسرية تامة.
واليوم يعقد مجلس القضاء الاعلى جلسة كان تردد انه يحضرها القاضي طارق بيطار، يطلع المجلس خلالها على سير التحقيقات في جريمة انفجار المرفأ. الا ان اللقاء تأجل الى الخميس. وتأتي هذه الخطوة بعد ان هربت الحكومة من التطرق الى الموضوع والقت الملف الملتهب الى مجلس القضاء الاعلى، بحجة انها لا تريد ان تتدخل بالسلطة القضائية، وفقاً لمبدأ فصل السلطات.
حتى ان الحكومة ارجأت كل اجتماعاتها في مجلس الوزراء، الى حين التوصل الى حل مرض للجميع، يعيد الامور الى طبيعتها. وكالعادة يكون القانون والشعب معاً الخاسران الوحيدان. واياً يكن الحل الذي سيتم التوصل اليه سيكون على حساب الحقيقة، لانها ممنوع عليها ان تظهر. واذا قضى الحل بتنحي البيطار وقبله تنحى القاضي فادي صوان، فان اي محقق جديد سيتولى القضية، سيكون مصيره مشابهاً اذا صمم على كشف الحقيقة.
ومن الاحداث التي سيشهدها هذا الاسبوع جلستان للمجلس النيابي دعا اليهما الرئيس نبيه بري. الاولى لانتخاب مفوضين في هيئة المجلس تليها جلسة تشريعية تبحث بصورة خاصة بتقديم موعد الانتخابات الى اذار بدلاً من ايار، كي لا تصادف في شهر رمضان المبارك. وستتناول بالبحث ايضاً الكوتا النسائية. وهناك العديد من الاطراف يؤيدون انصاف المرأة واشراكها في الحياة التشريعية بصورة فعالة، مع العلم ان لبنان كان من اوائل الدول العربية التي اعطت المرأة حق الاقتراع. كما سيتم البحث في كيفية اقتراع المغتربين. هل يكون لهم ستة نواب، ام انهم يشاركون في انتخاب كل النواب، على غرار ما جرى في الانتخابات الماضية عام 2018. فعلى امل ان تحل كل القضايا، ويعود الهدوء، وينهي مرحلة التوتر التي سادت. فتتمكن الحكومة من متابعة العمل لمعالجة قضايا الناس وهمومهم المعيشية والبدء بالاصلاحات المطلوبة محلياً وخارجياً، لتستعيد الثقة المفقودة بها وبالدولة اللبنانية ككل. ويبقى الحل الامثل لكثير من القضايا الشائكة، في ان تستعيد الدولة سلطتها على كل الفئات والقطاعات، فلا يبقى اناس فوق القانون كافراد المنظومة السياسية واناس تحت حكم القانون، بل يجب ان يتساوى الجميع امام حكم الدستور والقانون، والا سيبقى المجتمع الدولي والعربي يدير ظهره للبنان ويدفع الشعب اللبناني وحده الثمن الباهظ.