غياب

رحيل نلسون مانديلا… ايقونة احرار العالم

أفاقت جنوب أفريقيا يوم الجمعة الفائت، دون نلسون مانديلا، أول رئيس أسود لها، وأيقونة النضال ضد الفصل العنصري وملهم ليس لجنوب افريقيا فحسب، بل للعالم اجمع. فبعد رحلة كفاح طويلة، قاد خلالها حركة تحرير بلاده من العنصرية ليصبح رمزاً لحركات التحرر الوطني في القارة الأفريقية، رحل مانديلا عن 95  عاماً لينهي حياة حافلة بالإنجازات التاريخية جعلت منه أحد أبرز رموز التحرر والمقاومة. واليوم يفتقد العالم زعيماً ورئيساً سابقاً وملاكماً سابقاً والمحامي  كما يفتقد السجين الرقم 46664 الذي شع من ضوء زنزانته التي امضى فيها 27 عاماً… هو رحيل عملاق نعاه قادة العالم ونكست له الأعلام حزناً واجلالاً.

في 11 شباط (فبراير) 1990، شخصت اعين العالم على السجين نلسون مانديلا يوم خرج بهالة من البطولة بعد قرابة ثلاثة عقود قضاها وراء القضبان لمعارضته نظام الفصل العنصري المفروض من الاقلية البيضاء في البلاد، في واحدة من اكثر الصور المؤثرة في تلك الفترة. وبعد اربع سنوات، اصبح السجين حامل الرقم 46664 رئيساً للجمهورية، مطلقاً مسيرة مصالحة وطنية في جنوب افريقيا من خلال اعادة الاعتبار للاكثرية السوداء في البلاد وطمأنة البيض لعدم وجود ما يخشونه بسبب التغيير.

«ماديبا» ساحر الجماهير
عند توليه الرئاسة في العام 1994 قال مانديلا «ندخل في عهد لبناء مجتمع يكون فيه جميع مواطني جنوب افريقيا، السود والبيض على السواء، قادرين على السير برؤوس شامخة من دون ان يعتصر قلوبهم اي خوف، مطمئنين الى حقهم الثابت بالكرامة الانسانية، أمة قوس قزح بسلام مع نفسها والعالم».
وفي العام 1993، منح معهد نوبل مانديلا جائزة نوبل للسلام وشاركه فيها سلفه الرئيس فريديريك دو كليرك الزعيم الابيض الذي افرج عن أشهر سجين سياسي في العالم.
واوضح الاسقف الانغليكاني ديسموند توتو الحائز ايضاً على جائزة نوبل للسلام، في احد تصريحاته ان السنوات التي امضاها مانديلا في السجن هي التي حولته الى شخصية ملهمة. وقال: «لقد خرج من السجن شخصاً اعظم بكثير مما كان لدى دخوله… خرج شخصاً يتحلى بالرحمة، رحمة كبيرة حتى تجاه مضطهديه. لقد تعلم كيف يفهم هفوات البشر وضعفهم وبان يكون اكثر سخاء في حكمه على الاخرين».
وبفضل اسلوبه الذكي في النقد الذاتي وانسانيته الواضحة، سحر مانديلا المعروف لدى محبيه باسم «ماديبا» الجماهير.


سطور من حياته
ونلسون مانديلا، واسمه الاصلي روليهلالا داليبونغا مانديلا، مولود في قرية مفيزو في منطقة ترانسكي، احدى افقر مناطق جنوب افريقيا، في 18 تموز (يوليو) 1918، وهو الحفيد الاكبر لزعيم من قبيلة ثمبو، وتم اطلاق اسم نلسون عليه من جانب استاذه في المدرسة.
افتتح مانديلا، الناشط منذ ايام الدراسة في كلية فورت هير جنوب شرق البلاد، اول مؤسسة قانونية للسود في جوهانسبورغ في العام 1952 بمشاركة رفيقه الناشط اوليفر تامبو. واصبح قائداً اعلى للجناح المسلح السري للمؤتمر الوطني الافريقي في العام 1961، ثم خضع في العام التالي لتدريبات عسكرية في الجزائر واثيوبيا.
وبعد اكثر من عام من العمل السري، تم اعتقال مانديلا وحكم عليه في العام 1964 بالسجن مدى الحياة خلال ما عرف بـ «محاكمة ريفونيا» حيث ألقى كلمة تحولت بياناً رسمياً لحركة مناهضة لنظام الفصل العنصري. وقال مانديلا في هذه الكلمة: «طوال حياتي، كرست نفسي لهذا الكفاح للشعب الافريقي. لقد حاربت سيطرة البيض وحاربت سيطرة السود. لقد دافعت عن مثل المجتمع الديموقراطي والحر… هذه مثل انا مستعد للموت في سبيلها».
وامضى مانديلا 18 عاماً في سجن على جزيرة «روبن ايلاند» قبل نقله في العام 1982 الى سجن «بولزمور» في كيب تاون ثم في سجن «فيكتور فيرستر» في مدينة بارل المجاورة.

اول رئيس افريقي اسود
تولى مانديلا الرئاسة لدورة واحدة من خمس سنوات، لكن بعد انسحابه من المشهد السياسي في بلاده في العام 1999، مسلماً السلطة الى زعماء أكثر شباباً واكثر تأهلاً لادارة اقتصاد حديث في رحيل طوعي نادر عن السلطة ضرب كمثل للزعماء الافارقة، كرس وقته، على رغم تدهور حالته الصحية، لمهام وساطة في حل نزاعات مختلفة خصوصاً في الحرب في بوروندي.
وفي العام 1998، عند احياء عيد ميلاده الثمانين، تزوج مانديلا الذي طلق ويني ماديكيزيلا مانديلا، من غراسا ماشيل ارملة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل. وبعد حرمانه من رؤية اولاده يكبرون بسبب سنوات الحبس الطويلة، اظهر مانديلا التزاماً في تحسين حياة الشبان، موظفاً الاموال في بناء مدارس في مناطق نائية.

قصته مع الإيدز
وفي سن الـ 83، تم تشخيص اصابة مانديلا بمرض سرطان البروستات خضع بعده لعملية ناجحة. وفي ايار (مايو) 2004، اعلن مانديلا انه سيخفف نشاطاته العامة ليتمتع بـ «حياة اكثر هدوءاً» مع عائلته واصدقائه، لكن وفاة ابنه ماكغاثو بمرض الإيدز دفعت به إلى الحياة العامة من جديد عندما أعلن عن وفاة ابنه والمرض الذي أصيب به في وقت كان الإيدز ضمن الممنوعات الاجتماعية ولم يتردد «الماديبا» (كما يطلق عليه لتبجيله) في حث مواطنيه بجنوب افريقيا على ضرورة الحديث عن هذا المرض ورفع الحرج والخوف منه «والتعامل معه كمرض عادي».

وفي العام 2009، اعلنت الامم المتحدة يوم ميلاد نلسون مانديلا يوماً عالمياً، في اول تكريم من نوعه لفرد.

ومن اخر المناسبات البارزة التي ظهر فيها مانديلا على الساحة الدولية هي مساعدته على حصول جنوب افريقيا على حق استضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، للمرة الاولى في القارة الافريقية. وقام باسعاد الجماهير في المباراة النهائية لدى ظهوره المفاجىء على مؤخر عربة للغولف حيث لقي استقبالاً حافلاً من 90 ألف مشاهد في الاستاد في سويتو، الحي الذي شهد بزوغه كزعيم للمقاومة.

حقائق غير معروفة عن مانديلا
حياة مانديلا، كانت كتاباً مفتوحاً للجميع، إلا أن هناك بعض الحقائق التي تظل خافية على البعض ومنها:
– كان مانديلا في شبابه مولعاً بالملاكمة وبعدو المسافات الطويلة. حتى في سنوات سجنه التي دامت 27 عاماً، كان يحرص على آداء التمارين الرياضية. وقال مانديلا في سيرته الشخصية: «الطريق الطويل الى الحرية»: «لم اكن معجباً بعنف الملاكمة بقدر اعجابي بالتقنية وراءها. ما كان يثير اهتمامي كيف يمكن للمرء التحرك لحماية نفسه، وبكيفية استخدام استراتيجية الهجوم والانسحاب وكيف يمكن للمرء ان ينظم نفسه طوال المباراة». كما كتب: «الملاكمة تساوي بين الجميع. في الحلبة ينتفي السن والطبقة واللون… لم أمارس الملاكمة بعد دخولي عالم السياسة. كان اهتمامي الرئيسي هو التدريب. وجدت ان المواظبة على التمرين تحد من التوتر. بعد تدريب مشدد، كنت اشعر بالخفة جسدياً وعقلياً».
– بعد اختبائه بسبب انشطته في «المؤتمر الوطني الافريقي»، لقب مانديلا باسم «بمبرنيل الاسود» بسبب قدرته على التخفي وتفادي الشرطة، تيمناً برواية «بمبرنيل القرمزي»، التي تدور احداثها حول بطل سري الهوية. وتنكر مانديلا كسائق وطاهٍ وبستاني حتى يسافر في البلاد دون ان تلحظه السلطات. ولا يعلم احد كيف تم في نهاية المطاف الكشف عن هوية مانديلا والقاء القبض عليه رغم ان تحركاته كانت سرية وبهوية مختلقة.
- درس مانديلا القانون بصورة متقطعة لمدة خمسين عاماً منذ العام 1939، واخفق في نحو نصف المواد الدراسية. ولكن دراسته الدبلوم لمدة عامين بعد انهاء الدراسة الجامعية سمحت له بممارسة المحاماة، وفي اب (اغسطس) 1952 أسس بالاشتراك مع اوليفر تامبو اول مكتب محاماة بإدارة محامين سود في جنوب افريقيا في جوهانسبورغ. وثابر مانديلا حتى حصل على درجة في الحقوق اثناء وجوده في السجن عام 1989.
– تناول وجبات الطعام مع قادة العالم التي كانت معدة على يد أمهر الطهاة، إلا أن وجبته المفضلة هي «الأحشاء».
– كان على لائحة مراقبة الإرهاب الأميركية حتى عام 2008، وحذف اسمه، بجانب أعضاء حزب «المؤتمر الوطني الإفريقي» نظراً لنضالهم ضد التمييز العنصري، عندما بلغ سن 89 عاماً.
– استمد إلهامه من الشعر الذي كان مؤنسه في سجن جزيرة روبن لعقود، ومن أبرزهم الشاعر ويليام أرنست هينلي.

نساء حياته
تزوج مانديلا للمرة الأولى من إيفلين نتوكو سنة 1944 وكان سنه حينها لا يتجاوز السادسة والعشرين، وأثمر زواجه منها الذي دام 12 سنة عن أربعة أطفال هم: ماديبا، ماغاثو، ماكازيوي وماكي.
بعد طلاقه بسنة واحدة في 1957 تزوج من ويني ماديكيزيلا التي أنجبت له ابنتين: زياني وزندزيوا وقد استمر زواجهما حوالي أربعة عقود حتى انفصالهما سنة 1992 على خلفية فضيحة «خيانة» اتهمت بها ويني وإدانتها بقضايا خطف والمشاركة في اعتداء، حيث وقع الطلاق بينهما سنة  1996.
وفي سنة 1998 تزوج مانديلا من ماريز غراسا ماشيل وهو في سن الثمانين وكانت غراسا أرملة الرئيس الموزمبيقي الراحل سامورا غراسا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق