دوليات

واشنطن… مرحلة «التحول الكبير» في الموقف من سوريا

خطوات وزير الخارجية الاميركية الجديد، جون كيري، الاولى، في الديبلوماسية الدولية، سميت «دورة الاستماع»، لان هدفها التعرف مباشرة على حقيقة الاوضاع في الشرق الاوسط وفي اوروبا.

في العالم صراعات مسلحان، يشغلان هاجس الولايات المتحدة هما: مالي وسوريا.
في الصراع الاول، قررت الولايات المتحدة المشاركة بارسال قوة من الطائرات من دون طيار، الى النيجر، لدعم القوات العسكرية الفرنسية والافريقية، التي تخوض معركة، ذات نهايات لا تزال مجهولة الافق، ضد التشكيلات الجهادية، المرتبطة بالقاعدة. ولكن سوريا تبقى الملف الاكثر تعقيداً، بينما تمكنت الديبلوماسية العربية والاوروبية من اقناع الجناح السياسي، في المعارضة السورية، الممثلة باحمد معاذ الخطيب، بالمشاركة في المؤتمر الذي عقده اصدقاء سوريا، في روما، يوم الخميس 28 شباط (فبراير) الماضي، فوفرت صفعة لوزير الخارجية، وللغرب المتهمين بالتلكؤ في عمل شيء، لاسقاط النظام.
وتشكل سوريا معضلة، بالنسبة الى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فما العمل؟

مخاوف واشنطن
في تونس ومصر، دعمت الولايات المتحدة، الاخوان المسلمين، ضد الديكتاتوريات القديمة وحلفائها، ولكن عليها ان تدافع عن المبادىء الديموقراطية وبالتالي، الوقوف ضد بشار الاسد، من جهة، والمحافظة على مصالحها الستراتيجية، من جهة ثانية. فواشنطن تخشى، ان ينعكس سقوط النظام، ذيولاً سلبية على اسرائيل، وصعود التنظيمات الاصولية الاكثر راديكالية، وتتساءل عن مصير الاسلحة الكيميائية التي يملكها النظام والتي تخشى ان تقع في اياد غير مرغوب فيها.
وكان، جو بايدن، نائب الرئيس الاميركي، ابلغ جيورجيو نابوليتانو، رئيس الجمهورية الايطالية، مؤخراً: «ان الولايات المتحدة، لا تريد ان تغرق في آتون عراق جديد». وكان اوباما اياه، كبح حماساً، لوزيرة خارجيته السابقة، هيلاري كلينتون لتزويد الثورة السورية بالسلاح.
ولكن برزت منذ مدة في الاجواء اشارات، عن تحول اميركي، على وشك ان يتحقق، وانه قريب من ان يصبح حقيقة، وان الولايات المتحدة على استعداد لمساعدة الثوار السوريين، في طريقة مباشرة، ولا حديث حتى الآن عن سلاح، يتولى امره اصدقاء الثورة العرب. وكان يقتصر على عربات «محمية»، وسترات مضادة للرصاص، وتدريب وغيرها.
وتقول «واشنطن بوست» التي نشرت الخبر، ان وزير الخارجية جون كيري، ناقش الموضوع مع الحلفاء، خلال المؤتمر الذي عقده اصدقاء سوريا في روما، في 28 شباط (فبراير) الماضي وقبله، وكما تقضي العادة، يقال في هذه الحالات، ان الموضوع «قيد الدرس» ولكن من الواضح، ان الولايات المتحدة وصلت الى مرحلة الاستعداد للتحول الكبير.
وسبق لـ «السي. اي. ايه» والبنتاغون ووزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، التشجيع على التزام عملي اكبر الى جانب الثوار. لكن الرئيس اوباما عارض الفكرة، خوفاً من ان تأتي التطورات في مصلحة القاعديين والاصوليين، ولعدم ثقته، كثيراً، بثورة مفككة الصفوف، وكانت العقدة: اذا اعطينا السلاح، فالى من سينتهي؟ وتركت واشنطن اخرين يفعلون مثل بعض الدول العربية، وتركيا وليبيا، التي ارسلت سلاحاً منذ البداية، بينما كانت الولايات المتحدة تكتفي بالتنسيق.

شراء اسلحة
وكشفت نيويورك تايمز، انه جرى شراء كميات من الانظمة المضادة للمصفحات من كرواتيا استخدمت في منطقة درعا.
ويعتبر المراقبون ان الكشف عن هذه الاخبار، عشية انعقاد مؤتمر روما، يرمي الى الضغط على واشنطن من اجل ان تسقط في سرعة الفيتو الذي وضعته على مد الثورة السورية بالاسلحة، كمرحلة ضرورية. ويبدو ان اللوجستية المعتمدة كانت دقيقة وتقضي بشراء اسلحة من زغرب، تعود الى ايام الحروب البلقانية، في تسعينيات القرن الماضي، تنقلها طائرات «اليوشين- 76» الى الثوار السوريين، عبر درعا، وكان عميل من كرواتيا، عرض هذه الاسلحة على الولايات المتحدة، منذ السنة الماضية.
وتميزت بفعالية خاصة هذه الاسلحة التي اجبرت الجيش السوري على التحول الى حرب دفاعية، الصواريخ من طراز ستينغر، التي تهدد الطائرات والطوافات الحربية، والمدفعية الخفيفة، التي سهلت عمليات الهجوم على القواعد العسكرية، وهي تعيق تحركات الدبابات من صنع روسي.
وتعيد المواجهة بين الاسلحة الواردة من كرواتيا للثوار والاسلحة التي تمد بها روسيا الجيش  السوري، الى الواجهة، المميزات التكتيكية، التي عرفتها حروب البلقان، حيث كان الصرب يقاتلون بأسلحة كان يمدهم بها الاتحاد السوفياتي السابق، في تسعينيات القرن الماضي.
«عملية كرواتيا» السلاحية، التي كذبتها سلطات زغرب، ليست مصدر المد الوحيد للاسلحة التي تصل الى الثوار، كمايدل امتلاكهم ملقمات بنادق من صنع اوكرانيا، ورمانات يدوية من سويسرا وبنادق بلجيكية. ويترافق ذلك مع امدادات الاسلحة التي تصل الى الجيش السوري من ايران، بواسطة طائرات نقل ايرانية تحمل شعار «ماهاراجا ايرلاينز».
ويعتبر مراقبون خيار الثوار السوريين، مقابل اشتراكهم بمؤتمر روما تحميل وزير الخارجية الجديد جون كيري، انذاراً واضحاً: اذا استمر تلكؤ الولايات المتحدة، في مدهم بالسلاح، فان الاعتماد سيكون على جهات اخرى.

ضغوطات الحلفاء
وتشارك في تحقيق التحول الاميركي، متى حصل، اضافة الى ما سبق، ضغوطات من الحلفاء الاوروبيين، وضرورة دعم التشكيلات الثورية المعتدلة، وان كانت مقربة من الاخوان المسلمين، للتوازن مع التشكيلات القاعدية المتزايدة قوة، مع الوقت وتقف الى جانب واشنطن دول اوروبية، على الاقل، هي: فرنسا، وبريطانيا، والمانيا، وابطاليا، تدعم التوجه الجديد، حسب ما يقال على ان تحدد كل منها، نوع الامدادات التي ستقدمها وكميتها.
وتتحدث الصحف الاميركية، عن اختلاف في وجهات النظر، بين جون كيري والبيت الابيض. فأولويات باراك اوباما تقضي باعادة الجنود الاميركيين من افغانستان الى البيت، مما اثار غضب الرئيس الافغاني حميد كرزاي، وجعله يرد بطلب انسحاب القوات الخاصة الاميركية من ولاية وارداك، بوابة كابول. وانهاء – اذا كان ذلك ممكناً - الحرب على الارهاب، التي اطلقها جورج بوش الابن.
وبينما يريد جون كيري، استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، فانه يطمح الى ان يترك بصمة في التاريخ. وقد يكون هذا الطموح مفهوماً، لدى مرشح سابق لرئاسة الولايات المتحدة (هزمه جورج دابليو بوش في سنة 2004)، ولكنه طموح في اجواء غير مشجعة.
وهناك من يعتقد، بأن هذا التوجه لا يشكل اولوية الوقت الحاضر، حتى بالنسبة الى اسرائيل، فنتانياهو عيّن وزيرة مختصة في المفاوضات مع الفلسطينيين، ولكنه اشار عشية الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي الى اسرائيل في 4 اذار (مارس)، الى ان ايران ستكون البند الاول في المحادثات.

مفاوضات كازاخستان
وكانت جرت في الاسبوع الماضي في كازاخستان، مفاوضات بين فريق خمسة زائد واحد وايران، التي استبقتها بالاعلان عن تركيز اجهزة طرد مركزية جديدة، في مجمع ناتنز، في سبيل الضغط على المؤتمر، او لتأكيد قلة التفاؤل التي احاطت به، منذ قبل ان يبدأ. واكد تأجيل المؤتمر، من دون نتائج الى تأكيد نية الايرانيين جرّ المجتمع الدولي الى مفاوضات مضنية، لن تنتهي، قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري في ايران، في شهر حزيران (يونيو) المقبل، الا اذا وقعت مفاجأة، ممكنة دائماً.
ولكن في غاية تبسيط الامور، اختصار المفاوضات النووية الاخيرة، في خانة الفشل الذي كان يتوقعه الجميع، لان مواقف الفريقين تختلف الى حد يؤدي الى استحالة حصول اي اتفاق، ولان الدعاية، التي يطلقها الفريقان، شوهت المناقشات، فايران تطالب بالاعتراف، بانتمائها الى نادي الدول التي تغذي اليورانيوم. بينما يعرض «نادي الدول الست»، وهي: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا والمانيا، تخفيض العقوبات المفروضة، جزئياً، مقابل ان تخفض ايران نشاطها الذي يؤدي الى انتاج الوقود النووي وصنع القنبلة وبالتالي زيادة الرقابة.
وتصر ايران على اعلان ما تسميه «حقوقها النووية» قائلة ان المجتمع الدولي يرفض حقها في الطاقة النووية، ولكن احداً لم يعترض على تشغيل، مثلاً، مواقع الانتاج في بوشهر، التي بدأت العمل، رسمياً في ايلول (سبتمبر) 2011، فالمشكلة هي في الاصرار على تغذية اليورانيوم، الضرورية للحصول على الوقود النووي، وعلى امتلاك الوقود المغذى الذي تصنع منه القنبلة النووية.
بينما تتولى روسيا بيع ايران الوقود النووي الذي يشغل منشآت بوشهر، وتعود فتجمع البقايا المشعة التي تصدر عنه، ضمانة، وتعويضاً عن عدم الثقة، وللتشكيك في نوايا طهران، التي تؤكد نيتها في بناء 20 مفاعلاً نووياً آخر في المستقبل.

عرض غربي
قدمت المسؤولة عن السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، باسم الدول الست، الى رئيس الفريق الايراني المفاوض، في مؤتمر ايماتي، في كازاخستان، عرضاً بتخفيض العقوبات، على المتاجرة بالذهب، والبتروكيميائيات وبعض العقوبات المصرفية، مثلاً، مقابل التوقف عن تغذية اليورانيوم في معدل 20 في المئة. وهو العرض اياه الذي طرح من دون نتيجة في اجتماعات بغداد، في سنة 2012. وسيعود موفدو ايران ومجموعة الدول الست، الى الاجتماع، خلال شهر اذار (مارس)، بينما يتطلب رفع كامل العقوبات، خصوصاً الاميركية منها، الذي يحتاج رفعها الى موافقة الكونغرس الى مسار سياسي، قد يدوم اشهراً، ان لم يكن سنوات.
من هنا الرهان على الخطوة الاولى من الدول الاوروبية، لانشاء اجواء ثقة، بينما تصر اسرائيل على اشاعة اجواء الحرب.
وفي دورة الاستماع هذه التي سيجتمع خلالها بنظيره الروسي، لافروف وبمسؤولين عرب لمس جون كيري، انه على الولايات المتحدة، ان تتخذ القرار في سرعة حول السلام ام الحرب، في منطقة تدور فيها حروب بالواسطة، وتهدد الازمة السورية بالتمدد الى الدول المجاورة، بدأت ذيولها تتلمس في لبنان مثلاِ، وسط ازهار «ربيع عربي» بدأت تتساقط اوراقها.

جوزف صفير


 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق