افتتاحية

العرب منقسمون وموسكو تتقدم على حساب واشنطن

اختلف العرب في ما بينهم فدمروا بلدانهم وقضوا على آمال شعوبهم. فعم الخراب والدمار في كل مكان، وفتح الباب امام التدخل الاجنبي، وحاول كل طرف الحصول على حصته من الكعكة الدسمة. وحركت الدول الكبرى التي تقف دائماً بالمرصاد، الطائفية البغيضة، فاستعرت الخلافات وانقسم ابناء البلد الواحد على بعضهم البعض.
ففي اليمن لعبت الطائفية دورها المدمر. اختلف ابناء الشعب في ما بينهم، وسرعان ما تحولت الخلافات الى اشتباكات مسلحة، فدخلت ايران على الخط وساندت فريقاً ضد فريق اخر، وامعنت في تخريب اليمن، املة في اضعافه لتضع يدها عليه، وهي سياسة درجت عليها ايران منذ ان جاهرت في نيتها تصدير ثورتها الى كل مكان تستطيع الوصول اليه. فساندت الحوثيين، واستغلت اطماع رئيس سابق لليمن، هو علي عبدالله صالح، فعقد الصلح مع الحوثيين، الذين كانت له صولات وجولات من الحروب معهم، وتحالف الطرفان ضد الشعب اليمني وحكومته الشرعية، والنتيجة باتت معروفة لدى الجميع، وهي خراب ودمار، ولن يستقيم الوضع الا اذا عاد الطرفان المتنازعان الى رشدهما. فيتحالفان ضد القوى الخارجية ويعيدان توحيد بلدهما المقسم، وتبدأ مرحلة اعادة الاعمار.
وما حدث في اليمن يشبه الى حد بعيد ما جرى في العراق. وهنا ايضاً لعبت الطائفية البغيضة لعبتها. وانقسم الشعب وبدأت مرحلة من الحروب المتنقلة من منطقة الى اخرى. وكالعادة تدخلت الدول الكبرى وغذّت الخلافات ووجد كل طرف عربي من يدعمه من القوى الخارجية، فسقطت الحدود ودخل تنظيم الدولة الاسلامية على الخط، وها هو العراق يعاني ويلات الحروب المدمرة. وما حدث في اليمن والعراق حل ايضاً بليبيا وتونس وغيرهما.
اما الكارثة الاكبر في كل هذا المشهد فهو ما حل بسوريا. بدأت القضية بتحركات سلمية مطالبة بالاصلاح، وبدل ان يتلقفها النظام ويستوعبها واجهها بالقوة، فدخلت الاطراف الخارجية على الخط واشتد القتال الذي تحول وبسرعة الى اشتباكات مسلحة مدمرة. وعلى الفور تدخلت ايران لمساندة حليفها الوحيد في المنطقة الرئيس بشار الاسد، وتبعتها روسيا وكانت الكارثة.
دخلت روسيا بآلتها العسكرية الفتاكة في الحرب السورية، ولا يهمها الشعب السوري ولا النظام حتى، الا بمقدار ما يؤمن لها مصالحها، فعاثت في البلاد خراباً، وقصفت المدنيين ودمرت المستشفيات والمدارس، تحت ذريعة انها تقاتل الارهاب. وقد شهد الجميع في العالم بأن حرب روسيا لم تكن يوماً موجهة ضد الارهاب، بل ضد الشعب السوري. كل ذلك والمجتمع الدولي واقف يتفرج، ولم يهتز له جفن وهو يرى الاطفال والنساء يقتلون بالصواريخ الروسية الفتاكة.
وما ساعد روسيا على الاستمرار في حربها امران اساسيان لم يكن سهلاً مواجهتهما. الامر الاول هو مجلس الامن الذي انشيء في الاساس لحماية الشعوب المغلوبة على امرها، ورد العدوان عنها، ومُنح سلطة لا تقاوم وتتمثل في البند السابع من قرارات المجلس. الا ان هذه القوة الدولية تضمنت آلية لتدمير نفسها، تمثلت في الفيتو الذي منحته الدول الكبرى المتسلطة لذاتها. وبمجرد ان تعمد دولة من هذه الدول الخمس الى استخدام الفيتو يتعطل عمل المجلس، ويصبح عاجزاً عن القيام بمهماته. فبأي حق تمنح هذه الدول هذا الامتياز؟ وما هو فضلها على غيرها لتنعم بما لا يحق للدول الاخرى ان تنعم به؟ ان الامور لا يمكن ان تستقيم ويعود لمجلس الامن الدور الذي انشىء من اجله، الا بتعديل نظام هذا المجلس، والغاء حق الفيتو وتحقيق المساواة بين الدول المشاركة في الامم المتحدة.
الامر الثاني الذي شجع الروس على المضي في تحقيق اهدافهم والحفاظ على مصالحهم، هو التخاذل الاميركي من خلال السياسة التي مارسها اوباما. فانكفأت الولايات المتحدة الى داخل حدودها، وتخلت عن شعاراتها القائلة بحماية الشعوب المستضعفة. حتى اصبح القاصي والداني يهزأ بها من الفيليبين الى روسيا الى كوريا الشمالية الى غيرها. فسياسة اوباما اعادت الولايات المتحدة الى الوراء سنوات عديدة. قد يكون قدم للداخل خدمات جلى، ولكنه أفقد بلاده دورها وهيبتها واحترامها، فهل يتمكن الرئيس المنتخب دونالد ترامب من اعادة بناء اميركا القوية، ام انه سينقاد وراء موسكو ويستمر في تقديم الدعم لها لتتزعم العالم على حساب الولايات المتحدة.
لقد استغل بوتين هذا التخاذل الاميركي فاستأسد في مواقفه، وانتزع القرم، وسيطر على سوريا حتى بات هو الآمر الناهي فيها، ولا يزال يواصل تمدد نفوذه بحثاً عن مكاسب اخرى يحققها. هذا هو الوضع العالمي اليوم وهذا هو وضع المنطقة، فهل من منقذ عادل وحكيم يعيد الامور الى نصابها؟ وهل يستطيع دونالد ترامب ان يتخلص من روسيا خصوصاً بعدما تردد ان بوتين تدخل لانجاحه في الانتخابات؟ العالم امام مرحلة مصيرية فلمن تكون الغلبة؟

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق