سياسة عربية

مليارات الدولارات ضائعة في السودان

اتفاقات سلام مع حركات التمرد في دارفور، ورفض لـ «اية تنازلات» مع دولة الجنوب. هذا هو العنوان الابرز للحالة السياسية في السودان، وهي الحالة التي لم تعد تتميز بأي قدر من الثبات والاستقرار. فالازمة السودانية بكل عناصرها وتفاصيلها، ما زالت تلقي بظلالها على المشهد العام في المنطقة، وتدفع بعناصر التوتر الى مقدمة الاهتمامات.

الرسائل الواردة من كل من الخرطوم وجوبا، تؤكد بأن عناصر الازمة هناك باتت متشعبة، فمن جهة هناك ازمة بين الولايات المتحدة والسودان. ومن جهة اخرى تتصاعد الازمة بشكل لافت على خط الحدود بين دولتي السودان، وهناك نوع من عدم الثقة بسلامة توجهات السلام بين الخرطوم ومتمردي دارفور، وفجوة كبرى تفصل بين الحكومة والمعارضة على مستوى الداخل.
ميدانياً، وقعت الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة، المتمردة في دارفور، اتفاقاً لوقف إطلاق النار في العاصمة القطرية الدوحة. وبموجب الاتفاق يفترض ان يكون وقف اطلاق النار دخل حيز التنفيذ، يوم الاحد الفائت بحسب ما نقل عن نائب رئيس الوزراء القطري احمد عبدالله آل محمود. وقال آل محمود ان اتفاق وقف إطلاق النار بين حكومة الخرطوم وحركة العدل والمساواة مهم جداً للوصول الى السلام كما اعلن «عن انعقاد المؤتمر الدولي لدارفور يومي 7 و8 نيسان (أبريل) المقبلين من أجل البدء في المفاوضات. وقال إنه جرى تشكيل لجنتين لمراقبة وقف إطلاق النار، الأولى، ومهمتها حل أية مشكلة تطرأ على تنفيذ الاتفاق. اما اللجنة الثانية فهي اللجنة المشتركة، ودورها إعطاء ضمانات لسير الأمور بشكلها الطبيعي.

ادانة اميركية
الى ذلك، وبينما تتصاعد الازمة بين دولتي السودان، وعلى طول خط المواجهة، دانت الولايات المتحدة الأميركية عفواً رئاسياً سودانياً عن رجل دين بتسهيل هروب اربعة سجناء كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الاعدام لادانتهم بقتل دبلوماسي أميركي وسائقه السوداني عام 2008.
وقالت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان اصدرته ان العفو عن مبارك مصطفى يشكك في تأكيدات السودان بانه سيحاسب الذين تورطوا في عملية القتل.
وكان جون مايكل غرانفيل الدبلوماسي الاميركي الذي كان يعمل في المعونة الاميركية قتل مع سائقه السوداني عبد الرحمن عباس بالرصاص في اليوم الأول من العام 2008 بالعاصمة السودانية.
وحكم على الجناة بالاعدام العام 2009 ولكنهم هربوا من السجن بعد ان حفروا نفقاً تحته وقتلوا رجل شرطة وجرحوا آخر خلال هروبهم. وقبض على احدهم بينما قتل آخر في الصومال في أيار (مايو) 2011. وحكم على مبارك مصطفى بسبب مشاركته في تسهيل عملية الهروب. وقال بيان السفارة «من اجل تحقيق العدالة ندعو الحكومة السودانية لمراجعة العفو بحقه واعادته الى السجن. واعتبر البيان ان عدم الغاء هذا العفو يطعن في التعهدات المشتركة للسودان والولايات المتحدة في محاربة الارهاب ومسألة المسؤولين عنه».
وكانت وزارة الخارجية الاميركية قررت في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ابقاء السودان على قائمتها للدول الداعمة للارهاب واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية عليه.
وفي كانون الثاني (يناير) الماضي عرضت الولايات المتحدة جائزة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تقود للقبض على اثنين من قتلة غرانفيل وسائقه هما عبد الباسط حاج الحسن ومحمد مكاوي ابرهيم محمد. ويعتقد انهما يختفيان في الصومال.                            وفي سياق مواز، قال الرئيس السوداني عمر البشير، إن حكومته لن ترضخ لأي إملاءات أو ضغوط دولية أو إقليمية لتقديم تنازلات في خلافها مع دولة جنوب السودان وذلك خلال مخاطبته الجلسة الافتتاحية لمجلس شورى حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
وأضاف البشير أن حكومته لن تقبل أي تعديل في أي من الاتفاقيات الواردة في بروتوكول التعاون الذي وقعه البلدان في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتابع: لن يكون هناك تراجع عن الاتفاقيات ولن يكون هناك تعديل ولو في سطر واحد.
ووقع البلدان في أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد مفاوضات شاقة برعاية الاتحاد الأفريقي، على بروتوكول تعاون يشمل تسع اتفاقيات لكنها لم تدخل حيز التنفيذ حتى الآن بسبب اشتراط الخرطوم إنفاذ الاتفاق الأمني الذي يمنع دعم المتمردين قبل تنفيذ بقية الاتفاقيات وعلى رأسها استئناف تصدير نفط الجنوب الذي لا منفذ بحرياً له عبر الشمال.

الاتفاق الامني
ينص الاتفاق الأمني على إنشاء منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات في حدود كل منهما للحيلولة دون دعم أي طرف للمتمردين على الطرف الآخر. لكن الطرفين فشلا في ترسيم المنطقة العازلة بسبب اختلافهما حول مساحة منطقة «الميل 14» المتنازع عليها.
وقال البشير، في خطابه الذي جاء بعد يومين من قيام رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت بتعزيز قواته على الحدود مع الشمال، إن حكومته لن تتنازل عن شبر واحد من مساحة الميل 14. وتتهم الخرطوم جوبا بدعم متمردي الحركة الشعبية في قطاع الشمال الذين يحاربون الجيش السوداني في مناطق متاخمة للجنوب لكن جوبا دائماً تنفي ذلك.
وقال البشير إن حكومته لن تتفاوض مع متمردي قطاع الشمال وذلك في تحدٍ لقرار مجلس الأمن الدولي 2046 الذي أصدره في أيار (مايو) الماضي ويلزم الخرطوم والمتمردين بالتفاوض لإيجاد حل سلمي للنزاع. وأكد البشير تمسك بلاده بتنفيذ الاتفاق الخاص بمنطقة أبيي المتنازع عليها الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، ويقضي بإنشاء مؤسسات حكم انتقالية قبل بحث الوضع النهائي للمنطقة واستفتاء أهلها لتحديد تبعيتها. وأوضح: «لن نقفز لمناقشة الحل النهائي قبل تنفيذ الترتيبات الانتقالية ولا مجلس الأمن الدولي ولا مجلس السلم الأفريقي يمكن أن يفرضا علينا هذه المطالب».
وبحسب التقارير، فإن الخلافات المستمرة بين السودان وجنوب السودان تحرم البلدين من عائدات نفطية بمليارات الدولارات بسبب مخاوف الخرطوم الامنية التي تجمد تطبيق الاتفاقات التي وقعت في أيلول ( سبتمبر) الماضي وذلك رغم حاجتهما الماسة الى هذه العائدات لمواجهة اوضاعهما الاقتصادية الخطيرة. ويخيم التوتر الشديد على العلاقات بين الخرطوم وجوبا وذلك بسبب عدم توصلهما منذ انفصال الجنوب الى حل لخلافاتهما حول القضايا الاقتصادية والجغرافية والامنية التي كادت ان تتحول الى نزاع مسلح. ويتبادل البلدان الاتهام بدعم حركات التمرد المسلحة في كل منهما، ما يحول دون تطبيق اتفاق وقع في ايلول (سبتمبر) الماضي تحت رعاية الاتحاد الافريقي

عواصم – «الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق