آدب

عصارة عمر قانوني لمحام يتقن صناعة العدالة

بمناسبة صدور مجموعة المحامي روبير الشويري القانونية «خمسون سنة في خدمة الحق والقانون» عن «دار الاجيال للدراسات والنشر» عقد «دلب كاونتري كلوب – ثقافة»، المحيدثة – بكفيا، ندوة ولقاء مع المحامي الشويري بحضور لفيف من القانونيين والمثقفين وهيئات روحية واجتماعية وسياسية. وهنا أنقل، بعض ما قيل في الندوة عن هذه المجموعة القانونية الفريدة من نوعها، والتي تتألف من عشرة مجلدات فاخرة.

افتتح الندوة، منسّق الانشطة الثقافية في «دلب كاونتري كلوب – ثقافة» الاديب جوزيف مفرج، مرحباً بالحضور، ومتسائلاً: «لماذا خمسون سنة في خدمة الحق والقانون» للمحامي الاستاذ روبير الشويري ادرجت في برنامج انشطتنا الثقافية لهذه السنة؟
ويرى، لاننا في زمن تبلبلت فيه العدالة وتداعت الثقافات المختلفة لتُخلي مكاناً لعالم واحد، او لعولمة لا تدين الا بـ «الانسان – الرقم» وصولاً الى الصناعات الثقافية، وقوامها – الثقافة الاستهلاكية – مما يفرض استراتيجية ثقافية تنقلنا من وضعية المتلقي الى وضعية الباحث المدقق، اذ الوجبة السريعة عبر الشاشات غير وليمة الكتاب الذي تشرق حروفه بنبض الروح.
كأن ندخل الى الشبكة العنكبوتية بحثاً عن مواد او معلومات قانونية – على سبيل المثال – فيطالعنا فيض من المعلومات… لا ادري اذا كانت تفي بالغرض المطلوب لمعالجة الملفات والمطالعات القانونية التي تتطلب امانة وعلماً وثقافة ومثابرة وصبراً طويلاً.
اللّهم اذا ازدحم الجواب على بعض المسائل القانونية القابلة لاكثر من تفسير. ناهيك بالتوجه المنطقي والاسلوب في تقديم المراجعة بلغة صحيحة وبيان لا يتفلّت من الوضوح والدقة والايجاز لئلا يُساء الى فكر او حق لم يُعرض بالقالب القانوني الذي له اثره الكبير على مسار الدعوى.


صناعة العدالة
مما قاله الاديب والصحافي جورج شامي: روبير الالشويري، هذا المعلّم، يُحسن الاقتدار دون ما ادعاء او تبجّح… ويحسن الاختيار بأن يكشح عن وجه المادة اية مادة في القانون، ما يصيبها من هشاشة ووهن، فيقوّي من عزيمتها ويجعل من كل كلمة في النص حجر الزاوية في مدماك عدالته، لذا تتساوى منحوتاته النّصية في مصنّفه الدسم هذا، الذي نحتفل بصدوره، وكأنها قٌدّت من مادة مقصوبة بازميل حرفيّ رفيع المستوى، نادر المثال، يتقن صناعة العدالة ويقدّمها الى طلاب الحق والانصاف مجلوّة بلوريّة الالق واللمعان.
وتابع جورج شامي قائلاً: روبير الشويري… قليل ان يقال فيه انه ملفان شامخ من ملافنة القانون، زادت موسوعته هذه الى نضجي نضوجاً يفوق كل تقدير… وزادت الى معرفتي المتواضعة معارف من اساليب التعاطي والتواصل مع الناس… وعلّمتني بكل سهولة، وبكل بساطة، وبكل غنىً موسوعي، ان اكون فرخ محامٍ، وفرخ قاضٍ، وفرخ رئيس قلم في محكمة الزمان!

 

 

 

 


عالم مكتنز بالفوائد
وممّا قاله النقيب المحامي عصام الخوري: لن يغيب عن البال اثنان: النقيب فؤاد الخوري والمحامي روبير الشويري… ولا عجب، فالاول ابي ومعلّمي، والثاني لأنه اختار المحاماة درباً لحياته، ومكتب المرحوم والدي وَكَناً له ومنطلقاً في تحليقه، واضعاً نُصبَ عينيه أشرف المطالب.
وفي رسالة المحاماة مطلات، يُشرف عليها الانسان، ليعلن جهاراً الحقائق والواقعات، قلّما يطل عليها سواه.
الاستاذ الشويري ادركته عن قُرب… أباً من آباء المحاماة. على مدى ستين سنة، ممارسة، أرسى قواعد الحق ووضعها في خدمة الناس. عرف المحاماة محامد فكفاها. عرفها مدرسة للانسانية، فبسط عطيّة لها، وما توانى عن نجدة ومعروف، يرفع الحجّة، ويجهر بالثابتة، وتماسك الرأي وصقل الخاطر.
الى ان قال: المحامي روبير الشويري، اخلص لرسالته، فكان نديّ الكف والغزّارَةِ جواداً غَضِرَ الناصية فصرف في سبيلها العمر، واطراف ايامه وآناءَ الليالي، مدافعاً عن حقوق مهضومة أبيحت، واخرى ضيعت، وكل ذلك بجرأة تناهت فيها الهمة الشمّاء. عالمه المكتنز بالفوائد، زاده الاستاذ روبير من حكمة وخبرة والده الدكتور يوسف الشويري، وهو من هو في عالم الطب، ناهيك بأخيه ابرهيم، الذي شالَ بأعمدة مجلس الخدمة المدنية الى اعلى مكانة، وصواب ثبيتٍ.

لقاء المحاماة وموهبة الفكر
ومن ثم، قال عصام الخوري: مؤلفاته بعنوان «خمسون سنة في خدمة الحق والقانون»، اثارت في نفسي سحابة  رقيقة من سحر لُحمتها ومن شجا سداها وقد تسامى فيها مُحامينا فكراً يعتصره ونبلاً يتجلببه واناقات في عرض المواضيع وتنسقها وطيوباً تفوح كلّما تفجّر الوجدان وراق البيان.
لقد تلاقت في هذه المجموعة، المحاماة وموهبة الفكر، في ميزان عدل موثوق به، والرجل في مضمون ما كتب، كان عادلاً مرضياً للشهادة، بعيداً عن العثار، قريباً الى الدقة، وافياً للصدق في احكامه، بارعاً في المعالجة والاستدلال. هذه المجموعة هي قلائد شيم وقيم على عنق القضاء والمحاماة. وَلَكَمْ يصحّ أخذ الامور من مصدر راجح وجنان يقظ عاش في تجاربها. انه الشاهد المفضل يتعاطف في اقواله ركنان من حكمة وخبرة.
واضاف النقيب الخوري: روبير الشويري يحيا فيحيي. وهنا تشعر انه يؤرخ لا للعلم وحسب، بل لاقامتك أنت في الوجود الفاضل، ذلك الذي يرى المؤلف انه نابت من القيم، نابع من العدل. العدل هاجسه. العدل، أبداً، عنده الميزان. المؤلفات التسعة هذه، تنزل على اهل القانون عطيّة خيّرة هي بين الجليل الأجلّ ممّا جاد به فكر وخطّته يراعة في مجال تدوين وحفظ جانب مهمّ لحقبة خمسينية من الحياة القضائية في لبنان. وهي في الوقت عينه لتؤكد لكل مَن عرف روبير الشويري، ان الكلمة هي لهذا الرجل المأكل الاثير، وجوهره المقطّر، وإكسيره الالهيّ.

عصارة عمر قانوني
اما القاضي الدكتور غالب غانم فرأى، ان هذه المجموعة حملت عصارة عمر قانوني حافل، ودلّت على ان في المحاماة ما ليس مقصوراً على ساعة وساحة بعينهما، وما ليس قبض ريح، ودفاعاً عارضاً وينتهي. في المحاماة مواقف لا يزال يخشاها ذوو العسف، ومرافعات استحالت أدباً قضائياً خالداً، وذكريات جعلت قصور العدل اغنى وارقى، وانسياح في ميادين التألق اللغوي، ومواكبة للفلسفة توكل وجوه التبصّر في احوال الحياة… وفيها عِلم جمّ تفتح الواقعة اليه السبيل، فيجعلها تحتكّ بالنصّ القانوني، ومن الاحتكاك تتولّد شرارة المسألة، فيعمل العقل فيها عمله، ويلجأ الى الحجّة بعد الحجّة. والمبدأ بعد المبدأ… وتحسم النزاعات في وجهة من الوجهات، ويكون للمحامي دور اساسي فيها يتجلّى بثقافته ومنطقه ومعارفه وحسن دفاعه وعافية قلمه…
ويكون مفيداً وجميلاً ان تجتمع هذه التجلّيات في كتاب او مجموعة او موسوعة. هكذا حصل المحامي روبير الشويري، ولأجل ذلك صارت العودة الى مجموعته ضرورة لا للدلالة على ذكاء فردٍ وجديته وحسب، بل للتأكيد على ان بيادر المحاماة مثقلة بالغلال، وعلى ان فرسانها اجيال تتلو اجيالاً!

دولة القانون وحكم القانون
وسأل الدكتور غالب غانم: ما حالك، وحالنا، واحوال القانون، في العصيب من هذه الايام؟ ما حالنا والديمقراطية تُوأد، وحكم القانون يكاد يتحوّل الى مصطلح خاوٍ، ودنيانا قُصاصات، ومؤسساتنا إخفاقات، وشبابنا يهاجرون وحداناً وزرافات، وضميرنا في سُبات عميق. ومجتمعنا جماعات لا يحسب الواحد منّا للآخر اي حساب!
وتابع قائلاً: فليكن لنا من عنوان المجموعة التي نحفو بها اليوم… ومن مضامينها وغايتها وموضوعيتها وبيانها ودورها في مجتمع ممزّق الاوصال… فليكن لنا عِبَر تردّنا الى مفهومَي الحق والعدالة المطلقين الانسانيين الخيّرين المتوازنين. الحق يأبى الاحتكار، والعدالة لا تستقيم اذا كانت لفرد دون غيره ولفئة دون غيرها. لا نكون مع الحق ومع العدالة، ان لم يدخل «الآخر» في حساباتنا. هذه دعوتي الدائمة وهذا خياري، الآخر هو «نحن» في الضفّة الاخرى. الآخر هو مسؤوليتنا وهو جزء منّا، الآخر هو كل واحد منّا منظوراً اليه بعين سواه. نحن والآخر لا نطمئن، ولا نستكين، ولا نتلاقى الا في ظلال دولة القانون وحكم القانون.
وخلص الى القول: موسوعتك برهان على ايمانك بهذه الثنائية. لو كنت ممن يطغى عليهم اليأس، لما ثابرت ما يزيد عن الخمسين سنة في الدفاع عن دولة القانون. ولو كنّا ممّن يُحبطون لما أمضينا ما يجاور هذه المدة في الانتصار لحكم القانون. دولة القانون وحكم القانون ميناء الخلاص للحبيب لبنان.

تكريم للقضاء والقانون
المحتفى به وبأعماله المحامي روبير الشويري، اعتبر ان هذا الاحتفال – الندوة، لهو تكريم للقضاء والقانون وليس لشخصه. ورأى، ان الدول الراقية تحكمها القوانين والمؤسسات، أما تلك التي لا تقيم وزناً لهذه المعايير الحضارية فيحكمها التسلّط والاستبداد. جُلّ ما ارجوه ان يعي لبنان قيمة إرثه الثقافي والعلمي، كي يتمكّن من الحفاظ على مكانه ومكانته بين الأمم.

اسكندر داغر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق