رئيسي

ايران: انفراج الساحة النفطية والمعادن الثمينة

بعد مفاوضات مضنية اختلفوا فيها على كل كلمة، عقدت ايران مع الدول الكبرى، اتفاقية ولو مؤقتة، كان يسعى وراءها الجميع، منذ عشر سنوات عبثاً، بفعل سياسة احمدي نجاد، وربما بفضل اوضاع اقتصادية ملحة. قبل ان تصبح مأساوية، ولدعم سياسة الرئيس حسن روحاني.

 في تحليل لما حصل، تتجه انظار المراقبين، الى الوضع الذي سينشأ على الساحة النفطية التي تعود اليها ايران. ولكن عودة طهران الى اسواق النفط، في صورة كاملة، غير متوقعة في وقت قريب، وهو هدف  بعيد المنال، ولكن شيئاً ما، قد يتغير، اذ يقال، ان ايران، التي اجبرتها العقوبات على تخفيض صادراتها من النفط، قد تحصل من الدول الكبرى، على اذن بأن تبيع خلال الاشهر الستة المقبلة، كمية من النفط في اليوم، قيمتها 3،5 مليار دولار، اضافة الى ما تتراوح قيمته بين مليارين وثلاث مليارات دولار، من المنتوجات البترولية، ونحو ملياري دولار، من الذهب.
كما ان طهران بدأت، منذ ظهرت تباشير الاتفاق، الى جس نبض الاسواق، التي تسعى الى العودة اليها. ففي الاخبار، ان عملاء من شركة النفط الوطنية الايرانية بدأت اتصالات مع زبائن قدامى، معلنين عن بيعهم النفط، باسعار مخفضة، وانه لعرض من شأنه اغراء عدد كبير، من المصافي البترولية في العالم، التي اضطرت الى شراء النفط المتوفر في الاسواق، من نوعية النفط الايراني الثقيل، باسعار مرتفعة، مثل نفط اورال الروسي، وبعض انواع النفط العراقي. ليس هذا فحسب، فان مهدي حسين، مستشار وزير النفط الايراني، قال منذ ايام الى فايننشال تايمز، ان طهران تدرس، عقوداً جديدة، اكثر اغراء من السابق، لاستعادة شركات النفط الكبرى، الى ايران، التي تحتاج الى استثمارات بمئة مليار دولار، على الاقل.

سلاح النفط
في اسرائيل كانوا يتوقعون اتفاقاً مع ايران، مهما حصل. وبالرغم من كل شيء، ويحتاج اليه الجميع، ينص على تخفيض العقوبات على صناعتها النفطية، ورفع كميات النفط التي تستطيع بيعها. وكان سلاح النفط الاقصى، في العقوبات الاقتصادية، التي  ضغطت على الحالة الايرانية، فعمد اكثرية المستوردين، الى تخفيض مشترياتهم من ايران، ومن لم يفعل، رسمياً، اكتفى بالتهديد.
فاليابان تستورد من ايران، عشرة في المئة، من النفط الذي تستهلكه، وكانت عمدت الى تخفيضها، حتى عشية مفاوضات جنيف. بمعدل 40 في المئة خلال السنوات الخمس الاخيرة.
وكانت اوروبا، استعدت لاحتمال الفشل في الاتفاق على النووي، ومضاعفة العقوبات على ايران، بمساعدة دولها الاكثر تأثراً على التلاؤم مع الوضع مثل اسبانيا وايطاليا واليونان التي تشتري اكثرية الكميات التي تبيعها ايران الى اوروبا، وتبلغ 450،000 برميل في اليوم، تشكل 18 في المئة من صادراتها النفطية.
وكانت محطات التكرير الاوروبية بدأت في تخفيض مستورداتها الايرانية، مما يفسر ازدياد كميات النفط التي كانت ايران تكدسها في ناقلات نفط عملاقة «ترابط» في البحر.

 الصين والهند
موقف الصين والهند، لم يكن في هذا الوضوح، فبكين اكبر مستورد اسيوي للنفط الايراني، امام الهند واليابان، كانت دعمت مقررات مجلس الامن حول النووي الاي
راني، ولكنها انتقدت المزيد من العقوبات الجديدة، التي سعى الغرب الى فرضها.
ونفى ناطق باسم الحكومة الهندية الاخبار، التي قالت انها دعت محطات التكرير الى تخفيض مستورداتها من ايران، مصدر تموينها الثاني، بعد المملكة العربية السعودية، وعلى العكس، س
افرت بعثة هندية الى طهران، لتدرس كيف ستدفع نيودلهي ثمن الاربعمئة الف برميل التي تستوردها يومياً من ايران. من دون مخالفة العقوبات الاميركية.
وكانت الهند سعت مع الصين، الى الحصول على اسعار مخفضة لمشترياتها الايرانية، اضافة الى بدائل، كما دلت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الصينية الى الم
ملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وقطر. بينما كانت محطات التكرير الهندية، تزيد مشترياتها من نفط سائر دول الخليج، التي اكدت استعدادها للتعويض عن كميات النفط الايراني، التي قد تشملها العقوبات التي لن تأتي نتيجة الاتفاق في جنيف.
وتعتبر ايران المصدر الثالث للنفط في العالم، الذي تبيع منه 2،3 مليون برميل في اليوم تذهب اكثريتها الى آسيا.
فالكل كان في حاجة الى التوصل الى مثل هذا الحل، مثل ايران التي قد ترى، وان لم يكن الآن، مباشرة، سبعة مليار دولار، تنتهي في صناديقها، متى جرى تعليق عدد من تدابير العقاب، بينما تحتفظ ببنية الطاقة النووية السلمية التي قد تعتمدها، لانتاج الكهرباء، مثلاً، وتوفير النفط والغاز للتصدير، ودرّ مداخيل مالية جديدة.
ومثل الاقتصاد الايراني، المتعطش الى استعادة حيويته والاقتصاد العالمي المترنح، فان منشآتها لتكرير النفط، اكل عليها الزمن وشرب وتحتاج الى تجديد وتحديث، بينما تستعد شركات متعددة الجنسيات، مثل بريتيش بتروليوم، وتوتال، وجنرال موتورز، اضافة الى حاجة بنياتها التحتية الى التجديد والتحديث.

قوة اقتصادية
فايران هي القوة الاقتصادية الثانية في الخليج، وفيها 73 مليون مستهلك. ويعطيها اتفاق جنيف، فرصة لتخفيض تضخمها المالي، لكن تدريجاً.
وفي الافق الفرنسي، مثلاً، ان مبادلاتها التجارية مع ايران، انخفضت من 11،5 مليار يورو في سنة 2006 الى 379 مليوناً، في سنة 2013، نتيجة العقوبات.
وفي سنة 2011 باعت فرنسا ايران  458 الف سيارة، مقابل 103 الاف  في سنة 2012.
والشيء ذاته، يقال بالنسبة الى سائر الدول المعنية.
وكانت كبرى شركاتها النفطية، توتال تستورد 80 الف برميل في اليوم، من نفط ايران مقابل لا شيء اليوم.
فالزلزال الذي تحقق في يوم الاحد 24 تشرين الثاني (نوفمبر) في جنيف لا يقتصر على الناحيتين الديبلوماسية والسياسية، بل انه يجعل الافق وردياً، بالنسبة الى الجميع وراحت المؤسسات الاقتصادية في اوروبا، تستعد للتحرك، لتطور كان ضرورة بالنسبة الى ايران.
وكان وزير الخارجية الصيني، يعني ما يقول، عندما صرح، بان احداً لم يخرج خاسراً من جنيف ، فالجميع استفادوا، بمن فيهم بلاده.

 موقف اسرائيل
القيادة الاسرائيلية وحدها حتى الآن على الاقل، اعتبرت ما حصل في جنيف، انتصاراً ديبلوماسياً لايران، مع العلم، بأنها كانت عارفة بنهاية مسار جنيف، منذ ان ابلغ الرئيس الاميركي اوباما، بنيامين نتانياهو، منذ ايلول (سبتمبر) بانه يجري محادثات سرية مع الايرانيين ، لتعبيد الطريق امام الاتفاق الذي تكرس في جنيف ، وستكتفي المحادثات
بان تجعل ايران تدفع الثمن الاعلى.
وكان بنيامين نتانياهو رد على المسعى الذي قام به الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، لدى زيارته الاخيرة الى اسرائيل، انه سيقاوم في شكل قاطع، رفع العقوبات عن ايران مقابل الاكتفاء بان توقف  برنامجها النووي العسكري.
وفي هذا السبيل، قام، بعد مغادرة الرئيس الفرنسي، بزيارة موسكو في يوم الاربعاء الماضي، 20 تشرين الثاني (نوفمبر) ودافع عن نظريته، امام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي عمد الى الاتصال بالرئيس الفرنسي، وتحدث معه حول المسألة وحول المأساة السورية.
وكان نائب وزير الخارجية الاسرائيلي، زئيف  الكين، الذي رافقه في هذه الزيارة، رد على من سأله اذا كان يعتقد حقاً، انه سيجعل الرئيس الروسي، يغيّر رأيه بالقول: «كل شيء ممكن، طالما لم يتم التوقيع. المفروض الكفاح، حتى اللحظة الاخيرة».
ونقلت اوساط، عن قول المسؤول الاسرائيلي، في مجتمعات خاصة «ان نتانياهو، لم يكن يتوقع اية نتيجة من زيارة موسكو، وكان اضحى على قناعة، بان الاتفاق حاصل بين الغرب وايران. ولكن رئيس الحكومة الاسرائيلية، لا يهضم الذي يحصل، وكان يسعى الى التعويض برفع سقف الشروط التي ستفرض على طهران قدر الامكان.

شائعات
ولم يكن، الامر، بهذه السهولة، فبعد ان حاول عبثاً اللوبي الموالي لاسرائيل في الولايات المتحدة جعل مجلس الشيوخ يصوت على عقوبات جديدة، لم يتردد المسؤولون الاسرائيليون، الذين لا يخفون برودة علاقاتهم بادارة باراك اوباما، في نشر شائعات، تقول ان وزير الخارجية الاميركية، جون كيري ليس المسؤول عن «الضعف الذي تعاني منه الادارة الاميركية»، في مواجهة ايران، بل باراك اوباما، ومستشاروه الذين لا يعرفون شيئاً عن حقيقة الشرق الاوسط».
وراح الاسرائيليون يشيعون بأن ايران، تملك ما يكفي من اليورانيوم لصنع خمس قنابل ذرية.
ورأى وزير الخارجية الاسرائيلي العائد الى منصبه بعد ان برأه حكم قضائي افيغدور ليبرمان، «ان الوقت حان ليعرف العالم، ان دعم سياستنا، لا يمكن ان يأتي، من الولايات المتحدة وحدها».
ومن اجل ممارسة المزيد من الضغط على واشنطن وسائر المشاركين في مؤتمر جنيف ، حرّك الاسرائيليون فكرة ان في استطاعتهم التحرك وحدهم ضد ايران، وانهم لن يترددوا في ان يفعلوا، اذا شعروا انهم مهددون».
ولكن «تايمز اوف اسرائيل» المقربة من الحكومة تلاحظ: «الذين يعرفون ان اسرائيل تملك القوة العسكرية اللازمة، يعرفون كذلك، ان هذا لا يعني انها ستطلق طائراتها، غداة التوقيع على الاتفاقية، مع ايران».
وليس مجرد صدفة ان تعمد اسرائيل الى الكشف، في يوم استئناف محادثات جنيف، عن ان 100 طائرة حربية من  5 دول، تقوم بتمارين عملاقة في صحراء النقب سميت «البيرق  الازرق ». وان اسرائيل اجرت تجارب ناجحة على نظام دفاع جديد ضد الصواريخ.

ج. ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق