افتتاحية

كيف سيجتاز ترامب حقول الالغام التي تطوقه؟

غداً الجمعة 20 كانون الثاني 2017 يغادر رئيس الولايات المتحدة المنتهية ولايته باراك اوباما بعد دورتين امتدتا ثماني سنوات، فيترك البيت الابيض هو وعائلته، ليفسح المجال امام الرئيس المنتخب دونالد ترامب لتسلم مقاليد الحكم في اعظم واقوى دولة في العالم. فكيف كان العهد القديم وكيف سيكون العهد الجديد؟
التسلم والتسليم لم ولن يكونا على البارد، ذلك ان الاشهر الاخيرة، وبالتحديد منذ بداية المعركة الانتخابية، لم تكن هادئة وتخللتها حملات متبادلة وصلت الى حدود لا تليق بحكام دولة عظمى كالولايات المتحدة، فعمقت الانقسامات بشكل غير مسبوق بين الشعب الاميركي الذي انقسم الى فئتين متساويتين في عدد الاصوات وهذا ما يعقد المرحلة المقبلة ويجعل مهمة الرئيس المنتخب غير سهلة.
وبدا من خطب الرئيسين انهما دخلا في الايام الاخيرة في سباق محموم، يحاول كل واحد منهما ان يجمع اكبر عدد من الاميركيين الى جانبه. فالرئيس اوباما استخدم لغة العاطفة، حتى انه بكى وهو يودع الشعب الاميركي ويتحدث عن زوجته وابنتيه، فكان لهذا الموقف اثر عميق في نفوس الاميركيين، خصوصاً بين انصاره، مع العلم ان اكثرية الاميركيين لا تزال تؤيد اوباما، على حد ما قال هو نفسه، عندما اعلن انه لو سمح له القانون بالترشح لولاية ثالثة لكان فعل، ولكان فاز حتماً. غير ان خصومه يشككون في كلامه ويقولون انه وضع ثقله في معركة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، ومع ذلك لم تستطع ان تحقق الفوز. غير ان هذه الفئة من الاميركيين تجاهلت ان كلينتون حصلت على عدد اكبر من اصوات الاميركيين، ولكن ترامب فاز باصوات المندوبين. ولذلك تبقى كل هذه الاقوال موضع تشكيك، الى ان دلت الاحصاءات الاخيرة ان اوباما يغادر وهو يتمتع بشعبية قياسية.
صحيح ان اوباما حقق انجازات على الصعيد الداخلي، وخصوصاً في الاقتصاد، وخفض نسبة البطالة. كما انه يتباهى بالقانون الصحي، وهذا القانون هو موضع تشكيك ايضاً، وقد بدأ مجلس الشيوخ في الكونغرس الاميركي معركة لالغائه، بحجة انه اضر الولايات المتحدة اكثر مما نفعها، فاين هي الحقيقة وما هو رأي الخبراء؟ الاجوبة على هذه الاسئلة تبقى رهن الاشهر المقبلة ورأي الشعب الاميركي الذي سيحدد الخيط الابيض من الخيط الاسود.
ومقابل الانجازات الداخلية التي يتغنى بها اوباما، اساءت سياسته الانكفائية الى الولايات المتحدة ودورها الكبير في العالم، واعادتها الى المرتبة الثانية، مفسحة المجال امام روسيا لتحتل المركز الاول، وهو مركز طالما تربعت الولايات المتحدة على عرشه سنوات طويلة. وهذه السياسة التخاذلية سمحت لبوتين بان يتجرأ على قرصنة المواقع الالكترونية الاميركية، ويتدخل لصالح ترامب وينجح في ايصاله الى البيت الابيض، بعد ان سد الطريق امام هيلاري كلينتون.
بعد ساعات يغادر اوباما البيت الابيض ليدخل عالم النسيان منهياً ثماني سنوات من حكم اول رئيس اسود للولايات المتحدة، ويبقى للتاريخ ان يحكم له او عليه. فاما انه اصاب فيوفيه حقه، واما انه اخطأ فيدينه. فالتاريخ لا يرحم. وفي اللحظة عينها يدخل دونالد ترامب، الرجل الذي اثار الجدل الكبير وقسم الولايات المتحدة، بحيث بات من اولى مهامه ان يعيد توحيد البلاد، ويرجع اليها هيبتها الضائعة بين موسكو والقرم وسوريا وغيرها، ان لم نقل كرامتها المهانة. فاما ينجح في هذه المهمات على صعوبتها، واما ان الانقسامات ستتعمق بين الشعب الاميركي. وقد حاول بوتين تعميق الانقسام فدعا فريق ترامب الى محادثات استانة بشأن سوريا متجاهلاً ادارة اوباما التي كانت لا تزال تحكم.
ولكن كيف يستطيع ترامب ان ينجح في هذه التحديات والحرب عليه قاسية، وهو على كل حال من فتحها على نفسه من خلال مواقفه المثيرة للجدل وللتساؤل، ومن خلال تصاريحه النارية التي وحدت الاعداء في حربهم عليه؟ ومعروف عن ترامب انه رجل اعمال ناجح، ولكن تنقصه الخبرة في الحكم. نجح في حقلي المال والاعمال ولكن ليس بالضرورة انه سينجح في السياسة، فهل سيتمكن من اجتياز حقول الالغام التي تطوقه؟لقد قال الكثير خلال حملته الانتخابية، فهل سيتمكن من تحقيق وعوده، وهل ان هذه الوعود في حال تحقيقها ستصب في مصلحة الولايات المتحدة ام انها ستنقلب عليه. قبل ان يدخل الى البيت واجه سلسلة فضائح ليس اقلها الملف الروسي الذي حكي عنه، والذي يتهمه بقضايا جنسية مع مومسات وقيل ان هناك شريطاً مصوراً يدينه؟ لقد نفى القرصنة الروسية ثم عاد واعترف بها، وهذا يجعل دفاعه عن نفسه ضعيفاً وموضع شبهات، ويؤكد ان ما يتردد على ألسنة الناس صحيح، فهل سيتمكن بعد كل هذا من العبور الى نعيم الحكم بسلاسة وارتياح؟ الجواب تخبئه الايام في طياتها فلننتظر.

«الاسبوع العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق