صورة حالكة السواد رسمها المسؤولون للناس فمن اين لنا بثوار يضحون من اجل التغيير
اين البنزين والمازوت والغاز والدواء والمستلزمات الطبية والكهرباء والفيول العراقي؟
صورة حالكة السواد رسمت امس عن الوضع الكارثي في لبنان. لقد عادت طوابير الذل، وهي اصلاً لم تختف، امام المحطات، فقطعت الطرقات، وثارت العصبيات ووقعت حوادث عدة ادت الى سقوط قتلى من اجل الحصول على ليترات قليلة من المحروقات. اما المازوت فحدث عنه ولا حرج. المستشفيات مهددة بالتوقف، بعد ان استهلكت مولداتها اخر نقطة من هذه المادة التي اصبحت بعيدة المنال، واعطت اصحاب المولدات الذريعة التي ينشدونها، من اجل زيادة التقنين ورفع اسعار الفواتير التي اصبحت اغلى من الذهب.
الكهرباء الى مزيد من العتمة، بسبب فقدان المحروقات، وعدم فتح الاعتمادات لتأمين حاجة لبنان.. قبل حوالي عشرين يوماً وعدونا بان الفيول سيصل في غضون عشرة ايام من العراق لصالح شركة الكهرباء، وانقضت الايام وبقي كل شيء على حاله، فالنور يتضاءل والعتمة تنتشر في كل مكان. ولم يكلف مسؤول واحد نفسه عناء ان يطل على الناس ويكشف لهم حقيقة ما يجري. لماذا لم يصل الفيول العراقي، لماذا تزداد العتمة يوماً بعد يوم. ليس مهماً بالنسبة الى المسؤولين. هم يعرفون عن الشعب وهم يقررون عنه، ولكنهم لا يعانون معاناته. هكذا يكون المسؤولون المثاليون.
الصورة الثانية الاشد سواداً فقدان الادوية تماماً من الصيدليات وتوقف المستوردين عن الاستيراد. اما المواطن فليتدبر امره، فالدولة ليست مسؤولة عنه. كل حاجات المسؤولين مؤمنة من محروقات وادوية وعلاجات. افلا يكفي الشعب ان مسؤوليه مؤمنون؟
اما المستشفيات فملفها مخيف. فقد اصبح الدخول الى المستشفى حلماً يصعب تحقيقه بسب الاسعار الخيالية التي تقفز فوق تقديمات شركات التأمين والضمان، وتلزم المريض بدفع فروقات بعشرات الملايين. واذا تيسر لاحد المواطنين دخول المستشفى، فانه يصطدم بعدم وجود الادوية المناسبة لعلاجه، وبفقدان المستلزمات الطبية فكأننا نعيش في مجاهل التاريخ والجغرافيا. باختصار لم يعد من حق الفقير ان يعالج لان طريق الموت اقرب اليه من العيش في ظل هذه الطبقة السياسية المتحكمة، التي اصبحت حديث العالم بعدم مسؤوليتها، وانانيتها وتمسكها بمصالحها.
واخر ما كان يفكر به المواطن ان يحرم من الغاز المنزلي. يستطيع ان يجلس في العتمة ويضيء شمعة.، ويستطيع ان يحصل على الدواء من الخارج بواسطة اقرباء او اصدقاء. اما ان يتوقف عن الطهي وتناول الطعام بسبب فقدان الغاز فهذا امر مستحيل. الى اين يريد المسؤولون ان يصلوا في ظلمهم؟
ذكرنا جزءاً يسيراً من الكوارث والاعباء التي تواجه المواطن يومياً، واذا اردنا تناول اللائحة من الغلاء الى فقدان بعض المواد الغذائية والاسعار التي لم يعد بمقدور احد ان يلحق بها وغيرها وغيرها لاحتجنا الى مجلدات.
على الصعيد السياسي لا شيء تبدل، التمسك بالحصص لا يزال سيد الموقف، ولا يريد اي مسؤول ان يتنازل عن انانياته ويقدم للشعب وللوطن. فاليوم يتم اللقاء السابع بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف، ولكن الامل ضعيف جداً بالوصول الى حلحلة رغم كل هذه الصور القاتمة التي ذكرنا.
اثنان لا يهمهما ما يجري في البلد وهما الطبقة السياسية والشعب. فالاولى منصرفة الى تجميع مكاسبها والتمسك بها، ولو على حساب الجميع. ولم يعد ينفع معها انين المواطنين وتوبيخات قادة العالم الذين يتعجبون من تصرف هذه الطبقة، الخارج عن كل مألوف. فهل ينهي الرئيس المكلف هذه الجرجرة بعد ان سدت جميع ابواب التشكيل ويقدم اعتذاره، فلا يبقى المواطنون يعيشون على الامل المزيف؟
اما الشعب فيتأكد يوماً بعد يوم انه المسؤول عن كل ما يجري وان تقاعسه وتخديره على هذا الشكل لا يبشران باي خير. لماذا ثار بعض الشعوب ضد سياسييهم وحققوا التغيير، الا عندنا يتحرك الذين يسمون انفسهم ثواراً على مدى ساعتين او ثلاث ساعات، ثم يعودون الى بيوتهم وكأن شيئاً لم يكن بعد ان يكون السياسيون اوعزوا الى ازلامهم بالاندساس بين صفوف الثوار والتشويش عليهم، فتتدخل القوى الامنية وتنتهي المسرحية.
لو كان الثوار جادين لما تراجعوا امام اي قمع او اي خراطيم مياه او رصاص مطاطي او غيرها. فطريق التغيير صعبة ولا يمكن الوصول الى نتيجة الا بالكفاح المرير، حتى ولو اضطر الثوار الى دفع ضحايا ثمناً لذلك. فكل شيء يرخص امام الحرية ورفع الظلم. فمن اين لنا بثوار على هذا المستوى ليحققوا التغيير؟